عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عيون وآذان («فين كنا وفين صرنا»)

بوابة الوفد الإلكترونية

أنظر الى خريطة «السودانَيْن» وأستعيد شيئاً من درس التاريخ في المدرسة الثانوية، فقد تعلمنا أن سورية كانت «سلة غلال» الامبراطورية الرومانية لخصوبة أرضها ووفرة الماء فيها. ثم أستعيد شيئاً من ذكرياتي السياسية الأولى، وكنا نعتقد أن الوحدة العربية على ناصية الطريق، والسودان كان أكبر الدول العربية حجماً قبل تقسيمه، وفيه من الأراضي الزراعية والماء أضعاف أضعاف ما في سورية، فقامت فكرة أن يكون السودان «سلة غلال» دولة الوحدة العربية.

«فين كنا وفين صرنا»، والبلد الذي جمع بين النفط والماء أصبح بلدين على شفير حرب مدمرة. ومع كل ما يفرق بين الشمال والجنوب، يبقى جامع أساسي هو غياب الحكمة والحنكة والدراية السياسية.
لا أدعي خبرة خاصة في السودان، فأنا لم أزره، وإنما أقرأ عنه كل يوم ما يُقلق، وما أقرأ ليس وقفاً على أحداث الأسابيع الأخيرة أو الشهور، وإنما يعود الى السنوات الماضية، ومعرفتي الشخصية المباشرة بالسياسيين السودانيين تقتصر على الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل، فقد عرفته وزيراً للخارجية وكنت أراه على هامش الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبقينا على اتصال وهو مستشار الرئيس، ووجدته دائماً حَسن الإطلاع موضوعياً وطنياً صادقاً.
كان أخونا مصطفى دعاني لزيارة السودان وإجراء مقابلة صحافية مع الرئيس عمر البشير، ووعدت بتلبيتها سنة بعد سنة، فكان يراني ويقول باسماً: الدعوة لا تزال قائمة.
لم يكن اعتذاري سببه الكسل، فقد قضيت العمر مسافراً، طلباً للأخبار، إلا أنني وجدت أنني أعارض سياسة رئيس لا أعرفه، ولو جلست معه لإجراء مقابلة صحافية لكانت أسئلتي سلبية أو عدائية إذا شئتُ الأمانة المهنية، وسخيفة إذا غلّبتُ الاعتبارات الوطنية العربية.
ما سبق ليس أكثر من «حدوتة» ذات معنى، غير أن عندي معلومات أهم، رغم اعترافي السابق بمحدودية تعاملي مع السودان، فبعد الانقلاب الإسلامي في 1989 بقيادة البشير والشيخ حسن الترابي، وجدتُ الرئيس حسني مبارك قلقاً جداً من الحكم الجديد في السودان، ودور إسلاميين اعتَبَرهم متطرفين في إدارة الحكم.
وهو حدثني غير مرة عن أنه يعرف البشير كعسكري، وكان رأيه فيه أنه «طيب» و «يمكن التعامل معه» وقال انه يريد مساعدته. إلا أن رأيه في الترابي كان عكس ذلك، ورأيي

اليوم استناداً الى ما سمعت، ومن دون أدلة قاطعة، هو أن نظام مبارك دعم البشير ضد الترابي، وربما أقنعه بأن الإسلاميين يتآمرون عليه، فأوقع بين الجانبين وكان ما كان من اعتقال الترابي وسجنه.
التطورات السياسية السودانية سنة بعد سنة أقنعتني بصواب رأيي في الابتعاد عن نظام البشير، واتفاق كانون الثاني (يناير) 2005 أعطى الجنوب فترة ست سنوات من الحكم الذاتي يتبعها استفتاء على الوحدة أو الانفصال، وأعطى النظام في الشمال مهلة لاستمالة أهل الجنوب.
نعرف اليوم أن نظام البشير حاول فرض الشريعة على قبائل الجنوب، وأقلها يتّبع الدين المسيحي وأكثرها من دون دين، وهو أوقعَ بين الشمال العربي المسلم وجنوب غير عربي وغير مسلم حتى كان الانفصال، أو الطلاق عبر المحاكم الدولية.
ونسمع اليوم أن الجنوبيين غزوا منطقة هجليج البترولية قرب أبيي، مع أن محكمة التحكيم الدائمة قضت سنة 2009 أنها تابعة للشمال، بعكس أبيي المتنازَع عليها. وانسحب الجنوبيون تحت ضغط دولي فدخل الرئيس البشير مدعياً التحرير ومهدداً بحرب، ورد رئيس الجنوب سلفاكير زاعماً أن الشمال بدأ حرباً على الجنوب. وفي كل يوم هناك خبر عن قتال من تالودي في منطقة كردفان الى النيل الأزرق، أو توغل قوات شمالية في الجنوب ومزاعم عن مقتل 1200 شخص، أو إصابة جنود من قوات حفظ السلام في درافور.
من «سلة غلال» الأمة الى تقسيم ونذر حرب... مِثال على انهيار مشروع الوطن العربي.
نقلا عن صحيفة الحياة