رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"الإخوان" والأزهر

عصام نعمان
عصام نعمان

استوقفني موقف “حزب الحرية والعدالة”، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، من الأزهر.

فقد أعربت الهيئة البرلمانية للحزب عن رفضها تدخل المجلس العسكري ومشيخة الأزهر في وضع معايير تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور المصري الجديد . عضو الهيئة النائب محمد عماد الدين قال: “مع احترامنا التام لجهود الأزهر، فإننا لن نسمح مطلقاً بتدخل الأزهر في أعمال البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى . إن حزب الحرية والعدالة حريص على التوافق لحل الأزمة، وكلنا مستعدون لقبول تشكيل لجنة المئة (التأسيسية) كلها من خارج البرلمان” .

موقف الجماعة وحزبها جديد وسديد وجذري، ويكاد يتناقض مع بعض أطروحاتها وشعارتها في الماضي . فالإخوان المسلمون هم من أوائل القائلين إن “الإسلام دين ودولة”، وإن “الحاكمية لله”، وإن “الإسلام هو الحل” .

بعد ثورة 25 يناير، وخلال “مليونيات” ميدان التحرير في القاهرة، ارتضى الإخوان المسلمون الدعوة إلى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية، بل إن الداعية المقرّب منهم الشيخ يوسف القرضاوي دعا في ميدان التحرير إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية بمرجعية شرعية . وقتها أوضح بعض الإخوانيين المرجعية الشرعية المقصودة بأنها الإسلام . لكن أحداً من هؤلاء لم يشرح كيف تكون مرجعية الإسلام؟ ما الآليات والمؤسسات والإجراءات التي تمارس بواسطتها هذه المرجعية دورها؟

في حقبة مؤسس الجماعة الإمام حسن البنّا، كانت القيادة الشرعية وبالتالي السياسية للعلماء . العلماء هم المفتون والمجتهدون والموجّهون وبالتالي حكّام الدولة الإسلامية . ساد هذا المفهوم عقوداً ثمانية ولم تتح فرصة لامتحانه في اختبار أو تطبيق سياسي، لكون الإخوان المسلمين دائماً في حال معارضة لأنظمة الحكم المتعاقبة، في مصر وغيرها من الاقطار العربية . لعل المفارقة اللافتة أن الشقيق الأصغر لحسن البنّا، المفكر الإسلامي والاجتماعي جمال البنا، طرح منذ أكثر من عشر سنوات مفاهيم مغايرة حتى لا أقول مناقضة لأخيه الأكبر، أبرزها أن الإسلام دين وأمة وليس ديناً ودولة .

مع الموقف المستجد للهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة، يقفز الإخوان المسلمون قفزة فقهية وسياسية لافتة ومتقدمة . ذلك أن في “رفض تدخل مشيخة الأزهر في وضع معايير تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور المصري الجديد” افتراقاً عن مفهومهم القديم بأن الحاكمية لله، ما يعني أنها تُمارَس من خلال العلماء، بل هو تخلٍ واضح عن هذا المفهوم . فشيخ الأزهر هو كبير العلماء، وعندما يكون محظوراً عليه التدخل في مسألة تشريعية ودستورية فأي دور يبقى له ولسائر العلماء في قيادة الدولة الإسلامية أو الدولة المدنية ذات المرجعية الشرعية؟

إن كان تدخل الأزهر مرفوضاً في التشريع، بحسب الموقف المستجد للإخوان المسلمين، فتدخل مَن لا يكون مرفوضاً، أو بالأحرى بمن تكون منوطة سلطة التشريع؟

يُستفاد من تصريح النائب الإخواني محمد عماد الدين أن التشريع منوط بأعضاء البرلمان (مجلسي الشعب والشورى) . فالإخوان المسلمون والسلفيون يسيطرون على أغلبية الأعضاء ويستمدون من صفتهم البرلمانية الصلاحية والقدرة على ممارسة سلطة التشريع من دون أن يكون للعلماء، شيخ الأزهر أو غيره، أي دور سياسي في هذا المجال .

تجربة الإخوان المسلمين الوليدة تتفق في مسألة الإفتاء العام مع تجربة إسلامية سابقة لها بنحو ثلاثة عقود هي تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية . ذلك أن دستور الجمهورية الإسلامية يحصر الإفتاء العام، أي بما يتصل

بالشأن العام وبالتالي بالتشريع، بمجلس الشورى الذي ينتخب الشعب أعضاءه . غير أن ثمة صلاحيات ذات طابع تشريعي تبقى لمرشد الجمهورية ولمجالس الخبراء، تشخيص مصلحة النظام، وصيانة الدستور، وهي مؤسسات لا ذكر لها وبالتالي لا مقابل في أدبيات الإخوان المسلمين .

موقف الإخوان المسلمين الرافض لدورٍ للأزهر في السياسة والتشريع يسهّل مسألة تشكيل الجمعية التأسيسية العتيدة، كما يدعم الجهود الرامية إلى سن دستور عصري للدولة المدنية الديمقراطية . غير أنه لم يحسم مسألة أخرى معقدة هي مسألة دين الدولة وتطبيق الشريعة . فالدولة بما هي إطار حقوقي وسياسي ومجموعة مؤسسات وأجهزة لا دين لها . صحيح أن قلة قليلة تعترض على مسألة أن يكون دين رئيس الدولة الإسلام لكونه دين الغالبية الساحقة من المصريين، إلاّ أن فريقاً كبيراً من المصريين، مسؤولين ومواطنين، يرفضون أن تكون الشريعة المصدر الوحيد للتشريع، أي يرفضون أن يكون تطبيق الشريعة إلزامياً .

المفكرون المجتهدون جمال البنا وحسين أحمد أمين ومحمد النويهي ومحمد عابد الجابري يلتقون في أن الشريعة لم تكن مطبقة خلال تاريخنا إلاّ في فترة وجود الرسول، صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين . فوق ذلك، النويهي يرفض إلزامية تطبيق الشريعة بكل جوانبها . يقول إن العلماء القدامى أنفسهم اختلفوا في درجات الوجوب والإباحة والكراهة بين مندوب ومستحسن ومستقبح ومكروه كراهية تحريم وآخر كراهة تنزيه، فلماذا نكون ملزمين بأن نأخذ في كل حال بأقوال العلماء القدامى في تحديد أي الأحكام ينتمي إلى كل باب من تلك الأبواب؟

الجابري يتصدى للمسألة نفسها من باب فتح باب الاجتهاد بما يؤدي إلى الالتزام بتطبيق الشريعة أنىّ تقضي المصلحة العامة الحقيقية بذلك، اي باعتماد مقاصد الشريعة وفق منهج الإمام الأندلسي الشاطبي بدل الاقتصار في الاجتهاد على القياس، قياس جزئيات لم يرد فيها نص على جزئيات ورد فيها نص .

باختصار، يخدم الإخوان المسلمون قضية الشورى والديمقراطية والدولة المدنية وحكم القانون والمواطنة والعدالة والتنمية إن هم ارتضوا بأن تكون الشريعة مصدراً رئيساً للتشريع، وليس المصدر الوحيد .

لا إكراه في الدين، ولا في السياسة أيضاً .
نقلا عن صحيفة الخليج الاماراتية