رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ليبتعد الإخوان عن الرئاسة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

كنت قد تحفظت في مرة سابقة على فكرة تشكيل الإخوان للحكومة في مصر ودعوت إلى اكتفائهم بالمشاركة فيها والتركيز على مراقبة السلطة التنفيذية من خلال البرلمان. وهذه المرة أجدد التحفظ مضاعفا على فكرة ترشيح ممثل عنهم لرئاسة الجمهورية.

إلا أنني أستأذن في فتح قوس للتنويه إلى مسألة شخصية خلاصتها أنني منذ أن سجلت تحفظي الأول صرت مطلوبا تلفزيونيا بشكل غير مألوف، ومدعوا للظهور يوميا في البرامج الحوارية على شاشات التلفزيون طوال الأيام العشرة الماضية، التي كان فيها الناقدون للإخوان ضيوفا طوال الوقت على مقدمي تلك البرامج، وهو ما بدا معبرا عن موقف مبطن بالانحياز بأكثر مما كان مساعدا على إثراء الحوار. ولأنني شممت في الدعوات رائحة عدم البراءة، ولم أتعود على المشاركة في مثل هذه المهرجانات، فقد اعتذرت عما دعيت إليه، وضيعت على نفسي فرصة نادرة للنجومية التلفزيونية.
إذا سألتني عما دعاني إلى التشدد في التحفظ على الدفع بمرشح للإخوان للمنافسة على انتخابات الرئاسة، فردي أن لديّ أسبابا عدة أوجزها فيما يلي:
ــ إن المجتمع المصري ليس مهيئا بعد لتأييد خطوة من ذلك القبيل. وإذا قال قائل إن الإخوان حصلوا على أغلبية معتبرة في الانتخابات التشريعية، فتعليقي على ذلك أن انتخابات الرئاسة شيء مختلف تماما. إذ ثمة فرق بين أن يشارك الإخوان أو حتى يرأسوا البرلمان المصري، وبين أن يتقدموا لشغل منصب الرئاسة في البلد، أدري أن البعض ينظرون إلى تركيا، ويقولون إن حزب التنمية والعدالة بجذوره الإسلامية يحكم البلد، ويقود تقدمها منذ نحو تسع سنوات دون عوائق، بل لا يزال محل ترحيب وقبول عامَّين، لكن هؤلاء ينسون عدة أمور، أولها أن الحزب لم يتقدم بهويته الإسلامية وإنما قدم نفسه باعتباره حزبا علمانيا. ثانيها أن كوادر الحزب نجحت في طمأنة الناس في وقت مبكر وإقناعهم بأن وجودهم في السلطة يحقق لهم مصالحهم وتطلعاتهم، وهذه الطمأنة كان مصدرها خطاب الحزب أولا، وأداؤه الوفاقي وثانيا خبرة هذه الكوادر في المحليات التي حققوا فيها نجاحا مشهودا حين أداروها لعدة سنوات سابقة، ثالثا أن مساهمة التيار الإسلامي هناك في العمل السياسي والمجال العام له تاريخ يتجاوز ثلاثين عاما، الأمر الذي وفر لعناصره بيئة للتفاعل مع المجتمع وللقبول العام خصوصا في أوساط الأحزاب السياسية المختلفة معهم.
في هذا الصدد أرجو أن يكون الإخوان قد استفادوا من تجربة الجمعية التأسيسية للدستور، وأدركوا إلى أي مدى ترفض الطبقة السياسية وقطاعات لا يستهان بها من الرأي العام استئثارهم بالمواقع القيادية، الأمر الذي لا يستثني رئاسة الدولة التي هي الأهم بطبيعة الحال.
ــ إن الدولة المصرية بثقلها وعمقها التاريخي أكبر بكثير من أن يحكمها فصيل أو فريق يهبط عليها من الفضاء دفعة واحدة، لا علاقة له بالإدارة فضلا على محدودية خبرته بالسياسة، وغاية ما حصله من خبرة أنه أدار بعض النقابات المهنية والمدارس الخاصة. وإزاء انعدام الخبرة في مجال الإدارة وتواضعها في حقل السياسة، لا مفر من الاعتراف بأن الإخوان ليست لديهم الكوادر المؤهلة لإدارة البلد، الذي لم يعد يحتمل أحدا يتعلم فيه، بعدما عانى طويلا من «تمارين» الهواة ومن موت السياسة.
ـ إن ذلك إذا كان وضع مصر

في الظروف العادية، فما بالك بها إذا كانت تعاني أوضاع بالغة الخصوصية، وتواجه مأزقا اقتصاديا شديد الخطورة. أتحدث عن حالة السيولة والتشرذم المخيمة على الوضع الداخلي، وأتحدث أيضا عن التزامات وتشابكات بالغة التعقيد مع السياسة الأمريكية ومعاهدة السلام مع إسرائيل، ذلك فضلا على أن الأربعين سنة الأخيرة على الأقل أهانت مصر وأدَّت إلى تقزيمها وإلحاقها بمعسكر التبعية للولايات المتحدة. وأوضاع سياسة بهذه الجسامة يعجز عن حملها الإخوان وتتطلب توافقا وطنيا قويا ومتماسكا، أما حساسية وخطورة الوضع الاقتصادي فإنها تمثل تحديا كبيرا يتجاوز بكثير قدرات أي فصيل سياسي لوحده.
ــ إن الناس أو أغلبهم إن كانوا قد تعاطفوا مع الإخوان وصوتوا لصالحهم في الانتخابات البرلمانية، إلا أنهم لم يختبروهم في الممارسة العملية. ناهيك عن أن أداءهم السياسي بعد الثورة خصوصا في الآونة الأخيرة لم يكن مشجعا ولا جاذبا. والذي لا شك فيه أنه حين يتعلق الأمر بالسلطة فإن اطمئنان الناس لا يتحقق لا بحسن النية ولا بالكلمات الطيبة. ولكنه لا يتوافر إلا إذا أدرك الناس أن صاحب الأمر مقنع لهم بأدائه الماثل أمامهم وعطائه الذي يلمسونه وليس الذي يوعدون به، وسوف يحتاج الإخوان إلى سنوات من الأداء والعطاء لإقناع الناس بأنهم أفيد لهم من غيرهم.
ــ إن الإخوان إذا كان مطلوبا منهم أن يطمئنوا جموع المصريين أولا، إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أنهم يجب أن يرمموا علاقتهم مع بعض الدول العربية، التي أرجح أنها سوف تلتزم الحذر والتردد إذا ما وجدوا على رأس الدولة في مصر قياديا إسلاميا. وأظن أن ذلك سيحدث أيضا مع بقية المستثمرين وقطاع السياحة. الأمر الذي قد يحول وصول الإخوان إلى رأس السلطة من حل المشكلة البلد إلى تعميق وتعقيد لها.
لقد كان الإسلاميون في تونس أكثر توفيقا حين تفاهموا مع غيرهم على توزيع مواقع السلطة بين الأحزاب الرئيسية الثلاثة، وهي رسالة حرى بنا أن نقرأها جيدا وأن نتعلم منها، حيث لا غضاضة في أن يتعلم الكبار من أشقائهم الصغار، خصوصا إذا أثبتوا أنهم أكثر نباهة منهم.

نقلا عن صحيفة الشرق القطرية