رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مصر تلتهب!!

د. علي حمد إبراهيم
د. علي حمد إبراهيم

أكتب من قلب قاهرة المعز لدين الله الفاطمي المحتقنة، وهي تغلي في هذه اللحظات بصورة تنذر بشر مستطير، يخشى معها أن تفلت الاوضاع عن السيطرة اذا لم يحسن قادتها الجدد التدبر للخروج من جملة من المآزق الخطيرة الجديدة التي اطلت برأسها فجأة على الشارع السياسي وفاقمت من الاحتقان فيه إلى أعلى الدرجات.

نعم، الاحتقان السياسي في الشارع السياسي المصري ظل يراوح مكانه منذ فجر ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ولم يتراجع الا في فترات قصيرة هي تلك الفترات التي نجحت فيها تكتيكات الواجهات الاسلامية المتعددة في تخدير الشارع السياسي المصري بوعود مقلظة بمراعاة اهداف الشعب المصري الكبرى الهادفة إلى بناء وطن الامة المصرية الكبير الذي تسوده المحبة والوئام الاجتماعي في ظل نظام ديمقراطي حقيقي يحترم آدمية الانسان المصري ويحفظ حقوقه الكاملة في كل المجالات، ويعوضه عن المرارات التي عاشها وعايشها على مدى حقب طويلة ومتعاقبة لم تضع فيها هذه الحقوق فحسب، بل ضاعت معها كرامة الانسان المصري، وكرامة مصر الدولة، ومصر الأمة، حين تدنت مكانتها الدولية والاقليمية من دولة قائدة في امتها وفي اقليمها إلى دولة انيسة وطيعة للولايات المتحدة، تشترك معها في تنفيذ سياساتها في منطقتنا واقليمنا، وهي سياسات تعمد الاهداف الاسرائيلية والاميركية المشتركة في المنطقة الهادفة إلى تدجين الضمير الوطني العربي والاسلامي، وحمله على قبول التطبيع مع العدو الصهيوني دون ان يتحمل دفع فاتورة السلام والتطبيع. لقد انحدر نظام حسني مبارك بمصر في بعض الحالات انحدرا مهينا صعب على ضمير الشعب المصري الوطني أن يستسيغه ويتقبله. ولكن صعب عليه ان يفعل شيئا لرفض ذلك الانحدار بسبب سطوة الآلة القمعية البوليسية الجبارة التي بنتها وطورتها وضخمتها الانظمة الدكتاتورية المصرية التي تعاقبت في الجلوس على صدر الشعب المصري وهو بلا حول ولا قوة. هل يسألني احد عن اشكال وصور انحدار نظام حسني مبارك وجرأته في التعدي على أحاسيس الشعب المصري القومية والوطنية. تكفيني حالة واحدة في الاجابة عن هذا السؤال هي الحالة التي اشترك فيها نظام حسني مبارك الآثم في حصار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تنفيذا لتوجيهات ورغبات واشنطن وتل ابيب التي برع عمر سليمان، رجل اسرائيل وصديقها الحبيب في تبريرها وتسويقها ثم تنفيذها. وتجسد ذلك الانحدار أمام عيون الشعب المصري اللاقطة كما عيون زرقاء اليمامة العربية في زمانها، وهو يشاهد بحرقة مجاهدات شعوب العالم ضد حصار الشعب الفلسطيني بتسييره لبواخر التحدي والموت ضد الصلف الصهيوني. ما أراه أمام عيني في جمعة الثالث عشر من ابريل في ميدان التحرير. وما اسمعه في الطرقات وفي المركبات العامة يجعلنا نجزع من القادم الكامن اذا اعتقد المتآمرون على ثورة الشباب المصري انهم سينجحون في تمرير مؤامراتهم على الشعب المصري الذي قدم رتلا من الضحايا والشهداء عربونا للثورة التي لن يرضى بديلا عنها. وعن اهدافها السامية. هنا احتقان يشي بالانفجار تراه يمشي أمامك في الطرقات. تكاد تسمع ازيزا غاضبا في القلوب التي في الصدور ينذر بالانفجار. كثيرة هي العوامل التي تضافرت وولدت هذا الاحتقان المخيف. القوى الاسلامية، وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين، وحركات الاسلام السلفي التي لا تستطيع العيش خارج متاحف التاريخ القديم، هذه القوى حركت مخاوف قوى الثورة المصرية وشبابها. ومعها حركت مخاوف الشعب المصري من اعادة توليد نظام حسني مبارك الفاسد من جديد، بعد اجراء عمليات جراحية تجميلية هنا وهناك على الجسم القديم المتآكل كما يجري علماء الآثار عمليات الترميم لاعادة سحنات عظماء مصر القديمة مع الفارق العظيم في الهدف والمحتوى.عمليات ترميم مصر الاثرية هو عمل عظيم لا يقارن مع اعمال ترميم النظام الذي نخره الفساد والقدم وعاد غير صالح للحياة والاستمرار مهما حاول المتآمرون، لأن الثوار اقسموا قسما لا يقبل الحنث او التراجع أن لا يعود ذلك المسخ الا على اجسادهم.

لقد تجرأ الفلول على الظهور التدريجي في مسارح الثورة بعد ما اختفوا من خوف ومن جزع كما تختفي الصراصير في جحورها في بداية الثورة. حدث ذلك لأن اكثر من ثغرة فتحت في جدار الثورة وشكلت مداخل أخذ يأتي منها الريح الاصفر إلى قلب ومظان الثورة. حتى وجد الثوار انفسهم على حين غرة وهم يعاركون وينشغلون بسد هذه الثغرات. أول وأوسع الثغرات في جدار الثورة حدثت عندما نكثت حركة الإخوان المسلمين وعدها المقلظ بأنها لن تنافس على منصب رئاسة الجمهورية المصرية، ولن تقدم مرشحين عنها في اكثر من ثلاثين بالمائة من الدوائر الانتخابية. ولكنها سرعان ما تراجعت عن هذا الوعد الموثق ونافست في معظم الدوائر بصورة مكنتها من السيطرة على مجلسي الشعب والشورى. وسهلت عليها انجاز خططها لتشكيل لجنة اعداد وصياغة الدستور المصري القادم. ونتج عن اتساع المد الاسلامي المفاجئ ظهور شعارات ودعوات على قدر مزعج من السذاجة السياسية. واصبحت معها المعركة الانتخابية ومظهرها هي معركة ومظهر الذقون واللحى المتدلية. والمطالبة بعودة مصر إلى عوالم الانغلاق والجمود. وشعرت مجموعات الفلول الخائفة أن في وسعها ان تعود وتلحق وتركب في قطار الثورة اذا امكن لعناصر مثل عناصر الاسلام السلفي أن تظهر وتقود في ثورة اشعلها شباب هم بالاساس محرقة لكل قديم بالٍ. اذا امكن هذا لهؤلاء المتحفيين، اذن لماذا لا يحاول بعض الفلول حظوظهم من جديد، لا سيما ان فيهم من هو اوسع فهما وخبرة في التلوي والتخفي والتلون من هؤلاء المتحفيين الذين ينفر خطابهم الفج ويكسبهما عداء كلما نطقوا بدلا من ان يجلب لهم نصراء جددا. من هذه الثغرة ولج الفلول وعادوا وفي جعبتهم قدرات التمرس الطويل. ومعهم وتحت تصرفهم خزائن سليمان وجنوده الخائفون من الجديد القادم. حدث ذلك واعداء الثورة يخططون من خارج السياج ويستعيدون مدارسة لعبة الامم القديمة. لعبة الامم القديمة الجديدة هي التي دفعت اللواء سليمان من وراء الستار ليفجر قنبلة ترشحه للرئاسة المصرية الأمر الذي فجر غضب الشارع المصري وأوصله إلى آخرالمدى.. أمامي الآن اكوام من الصحف المصرية التي صدرت في اليوم التالي لخبر ترشح اللواء سليمان. وعناوينها الرئيسية جميعا تصرخ في مانشيتات حمراء وتقول : لقد سرقت الثورة، لقد عاد نظام مبارك الفاسد، لقد اهدرت دماء الثوار، لقد تآمر العسكر على الثورة والثوار. لقد تآمر الإخوان والعسكر على الثورة. وتعاقبت ردود الفعل الغاضبة على اعلان اللواء

سليمان. البرلمان قرر البدء فورا في كتابة قانون جديد يحظر ترشح «الفلول» للمنصب الرئاسي أو للمجالس التشريعية. معظم الاحزاب قالت ان سليمان لن يصل إلى هذا المنصب الا فوق اجسادها. شباب الثورة مضى إلى الخطوة الأبعد وقالوا انهم سيحملون السلاح لمنع ترشح اللواء سليمان ناهيك عن وصوله إلى قصر الرئاسة. الإخوان قالوا انهم سيفجرون ثورة ولم يحددوا وسائلها. المجلس العسكري قال على لسان رئيسه، المشير طنطاوي، إن القوات المسلحة ليس لها مرشح لمنصب رئيس مصر،وإن الشعب المصري، ولا احدا غيره، هو الذي سيختار رئيس مصر القادم. لقد بدا بصورة جلية ان وصول اللواء سليمان للرئاسة مرفوض بما يشبه الاجماع. وستحدث الكارثة الاكيدة اذا اصرّ اللواء سليمان، او اصرت الجهة التي تسند ترشيحه من وراء ستار، اذا اصرت على ترشيحه حتى النهاية. ستكون النتيجة المباشرة هي ثورة ميدان تحرير جديدة في كل شيء. حزب الوفد قال ان يوم فوز اللواء سليمان بالرئاسة سيكون هو يوم اندلاع الحرب الاهلية في مصر، لا سمح الله. اصرار اللواء سليمان على الترشح والمضي فيه إلى آخر المشوار وارد جدا. فقد صرح الرجل بأنه تلقى تهديدات مباشرة وأخرى غير مباشرة اذا اصر على الترشح. واضاف ان الذين يعتقدون ان التهديد سيجبره على التراجع هم واهمون. وتحدى اللواء سليمان مجلس الشعب وقال انه لن يستطيع اصدار قانون يمنعه من الترشح. وأن الصندوق الاسود سيفتح قريبا. وفسرت جهات اعلامية هذا الكلام على انه تهديد آخر من اللواء سليمان بكشف معلومات استخباراتية خطيرة عن الشخصيات التي تهاجمه وتعترض على ترشحه. ولكن جهات قانونية التقطت هذا القفاز من اللواء سليمان وقالت انه سيعرض نفسه للمحاكمة اذا فتح صندوقه الاسود هذا وافشى اسرارا عن بعض الاشخاص علم بها من وظيفته في الاستخبارات. لغة التحدي الجازمة التي يتحدث بها اللواء سليمان ألا تحرك سؤالا عن الجهة التي تدفع الرجل من وراء حجاب. ما سبب هذه الجرأة المفاجأة والتحدي الابطح لمشاعر الشعب المصري. من أين جاءته هذه الجرأة وتلك الشجاعة المفاجأة وهو الذي كان مترددا حتى في الحديث عن احتمال ترشحه. الجهة التي تملك صلاحيات اصدار القوانين ومنع اصدارها هي المجلس العسكري. هل يريد اللواء ان يقول للجميع ان المجلس العسكري هو الذي يدفع ترشيحه من وراء الستار بضغط من قوى دولية واقليمية خائفة من النتائج التي قادت اليها ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011. ان الحملة الانتخابية الرئاسية اظهرت حيثيات غير مشجعة حين تحولت إلى معركة ذقون ولحى والسنة متدلية تنطق بكل ما هو ساذج وضحل سياسيا. الشارع المصري الذي كان يتحدث بنوع من الاشفاق عن الحلف الخفي وغير المقدس بين الإخوان والعسكر لاقتسام السلطة- اعطونا الرئاسة وخذوا البرلمان ومجلس الشورى. عاد الآن يضرب في وهاد التخمينات بلا هدى بعد ما طفح الخلاف بين الإخوان والعسكر بصورة حادة. وهكذا اتجهت الانظار إلى اللاعبين الاساسيين في منطقتنا العربية الذين يأتوننا من خارج حدودنا - الولايات المتحدة واسرائيل. الولايات المتحدة حاولت ان تفتح حوارا ايجابيا مع الإخوان المسلمين. ولكنها اصطدمت بمزايداتهم المبالغ فيها في موضوع التمويل الأميركي لمنظمات المجتمع المدني، لا سيما في مجلسي الشعب والشورى اللذين يسيطر عليهما الاسلاميون الامر الذي دعا وزيرة الخارجية الأميركية،السيدة هيلاري كلينتون، إلى تهديد مصر علنا بوقف العون الأميركي إلى مصر. اسرائيل التي ظلت تضع يدها على قلبها منذ الاطاحة بصديقها حسني مبارك،ظلت تتمنى بديلا للاخوان. وظلت تعمل من اجل ذلك من خلف الكواليس. حتى وجدت ضالتها في مشروع وراثة عمر سليمان لعرش حسني مبارك. فدمعت عيناها من الفرح الطاغي وكادت تطير من الفرح وهي تصيح كما صاح العالم الاغريقي ارخميدس : وجدتها وجدتها.

ان ترشيح عمر سليمان هو فصل آخر من فصول لعبة الامم التي حدثنا عنها التاريخ القديم. لكن تمرير هذه اللعبة لم يعد سهلا كما كان الامر في الماضي. فالذين يقفون للواء سليمان بالمرصاد اليوم ليسوا هم السياسيين الذين رصدهم اللواء في صندوقه الاسود لتخويفهم عند اللزوم. الله نسأل ان يحفظ مصر الكنانة، ويحفظ ثورتها القاصدة. وصلوا من اجل مصر المحتقنة حتى النخاع.
نقلا عن صحيفة الوطن الاماراتية