رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما تصب الثورة خارج الكأس!

سليمان جودة
سليمان جودة

في يوم 21 فبراير (شباط) قبل الماضي، كتبت سطورا في هذا المكان عن «الرجل الذي كان واقفا وراء عمر سليمان».. وهذه العبارة التي بين الأقواس كانت قد شاعت بين المصريين، خصوصا على الـ«فيس بوك»، في أعقاب تنحي الرئيس السابق عن الحكم، في يوم 11 من الشهر نفسه.

كان عمر سليمان، مدير المخابرات المصرية السابق نائب رئيس الجمهورية وقت إلقاء البيان الشهير، قد ألقى بيان تنحي حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية، في السادسة من مساء الجمعة 11 فبراير 2011، وكان وهو يلقي البيان قد ظهر وراءه رجل ممدود القامة، متجهم الوجه، راسخ القدمين في وقفته، ولا يعرف أحد، إلى الآن، من هو ذلك الرجل بالضبط، ولكن يمكن التخمين بالطبع، بأنه واحد من طاقم العمل مع عمر سليمان.. ولم يكن الموضوع على بعضه يستحق كل هذه الضوضاء التي دارت حوله، طوال الأيام التي تلت إلقاء البيان، فالحاصل أن أحدا ممن أثاروا ذلك الصخب حول الرجل إياه، وهم كثيرون، لم يتوقف وقتها أمام مضمون البيان، ولا أمام تداعياته في حياتنا، ولا أمام عمر سليمان ذاته، بقدر ما توقف الملايين عند الرجل الواقف وراء عمر سليمان، وراحوا يمطرونه بالنكات، والقفشات، والإفيهات، مبددين الوقت والجهد، فيما لا طائل من ورائه ولا عائد منه!
قلت يومها، ولا أزال أقول، إن المشهد إجمالا كان يشير في ذلك الوقت إلى أننا كعرب عموما، ومصريين خصوصا، مغرمون طول الوقت بالشكل، دون المضمون، في حين أن المضمون دائما يتقدم الشكل، وفي كل الأحوال يظل جزءا منه لا ينفصل عنه.. ولكن ما حدث، ولا يزال يحدث، أن الظاهر، كما هو واضح، يستهوينا، بل ويستغرقنا، أكثر بكثير من الجوهر، ما يجعلنا بالتالي نظل نناقش الفرع، وننشغل به، ونتجاهل الأصل، الذي هو أولى بالانشغال والاستغراق.
دار العام دورته، وصرنا في فبراير 2012 ثم قفزنا فوقه بشهرين تقريبا، وإذا نحن، بعد 14 شهرا من الثورة، نقف عند النقطة ذاتها، التي كنا نقف عندها، يوم إلقاء البيان، بل إننا تأخرنا وتدحرجنا بطبيعة الحال، لأننا إذا كنا قد تجمدنا في أماكننا، والحال هكذا!، فإن العالم من حولنا، لم يتوقف، ولم يتجمد، ولذلك، فعندما يمضي الذين هم حولنا خطوة إلى الأمام، بالحركة الطبيعية للبشر، فإننا نكون، تلقائيا، قد تأخرنا عنهم خطوتين!
مضى 14 شهرا، وجاءت انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها 23 مايو (أيار) المقبل، وقرر عمر سليمان ترشيح نفسه فيها، وإذا بنا نتصرف إزاء خطوة من هذا النوع، من جانبه، بالطريقة نفسها التي كنا قد تصرفنا بها، وقت أن خرج علينا وألقى البيان.
من حق الرجل، كمواطن مجرد، وليس كرئيس سابق لجهاز المخابرات، ولا كنائب سابق لرئيس الجمهورية، أن يرشح نفسه، وأن يطرح برنامجه، كمرشح، على الناخبين، ومن حق الناخبين، بدورهم، أن ينتخبوه، إذا أعجبهم برنامجه الانتخابي، وأقنعهم، ثم من حقهم، إذا لم يعجبهم البرنامج، أن ينصرفوا عن صاحبه.. وهكذا سوف يكون موقفهم بالطبع، مع أي مرشح آخر، أيا كان وزنه، وحجمه، وانتماؤه.
شيء من هذا لم يحدث، وانشغلت جماعة الإخوان بشكل خاص، بالسعي إلى إقصاء عمر سليمان، كمرشح، من السباق، بحجة أنه ينتمي إلى نظام حكم الرئيس السابق، وليس من حق رموز ذلك النظام، من وجهة نظر الجماعة، أن يعودوا ليتقلدوا مناصب في مصر ما بعد الثورة.
يلفت النظر هنا شيئان أساسيان، أولهما أن أحدا لو جرب أن يراجع صحف ما قبل الثورة فسوف يكتشف أنه

كانت هناك مطالبات قوية لا تتوقف، من جانب قطاعات عريضة في الرأي العام وقتها، بأن يأتي عمر سليمان نائبا للرئيس، وكان الرئيس السابق كلما ردد عبارته الشهيرة، بأنه تارة لا يريد أن يفرض رجلا بعينه، نائبا له، وتارة أخرى، لا يجد بين المصريين من يستطيع أن يملأ موقع النائب بجانبه، كرئيس.. كان كلما ردد ذلك، فإن الرد الجاهز عليه، في كل مرة، أن عمر سليمان أصلح الناس لهذا المنصب.. حدث هذا كثيرا، وهو مكتوب، ومسجل، ومسطور في صحافة ما قبل الثورة، فإذا بالرجل الذي كان أصلح الناس، لملء موقع النائب، ينقلب بقدرة قادر إلى شيطان، لا يجوز له أن ينافس في انتخابات سوف تكون الكلمة النهائية فيها للناخب وحده، وليس لغيره.
الشيء الثاني اللافت للانتباه بقوة، أن مواجهة عمر سليمان، أو غيره من المرشحين، تكون أمام صناديق الاقتراع، وليس في قاعات المحاكم، من خلال دعاوى إقصائه من السباق، ولا من خلال تشريع في البرلمان يحاول إقصاءه أيضا من السباق الرئاسي.. وإلا.. فإن جماعة الإخوان، وهي تمارس هذا كله، تقع فيما كان النظام السابق يمارسه معها، فكان يبعدها، هي وحدها، عن أي سباق انتخابي، ولم يكن ممكنا، في ذلك الوقت، قبل الثورة، وليس هو ممكنا الآن أن يخرج تشريع قانوني من أجل شخص محدد، ثم يجري تطبيقه بأثر رجعي.
انشغلنا، كما كنا قبل 14 شهرا، بالرجل الذي يقف وراء عمر سليمان، ولكن في صورة أخرى هذه المرة، ولم يفكر أحد، من الذين انخرطوا في مثل هذا العبث، أن يواجه برنامج عمر سليمان الانتخابي، وأفكاره، ورؤيته، كمرشح، وإنما كان الجهد كله منصرفا إلى نفيه، لا إلى مناقشته فيما يقول، أو يريد!
لست أريد من وراء هذه السطور أن أروج لعمر سليمان، ولا أريد في الوقت نفسه أن أنال من جماعة الإخوان، ولا من غيرهم، وإنما القصد كله أن أقول: إن 14 شهرا من الثورة لم تفلح في أن تغير منا، أو بمعنى أدق من طريقة تفكيرنا، بوصة واحدة، وقد وجدنا أنفسنا، بعد الـ14 شهرا، نقف عند نقطة البدء، ثم نعود إلى الوراء، فلا نتقدم من حيث طريقة التفكير، بأي مقدار.
تقف الثورة، بعد 14 شهرا من قيامها، لتصب خارج الكأس!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط