رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جريمة رشدي أباظة

غسان شربل
غسان شربل

اهدأ قليلاً عزيزي العربي. الصبر أفضل الأسلحة. لا تكن ملحاحاً. ولا تطالب بإحراق المراحل. انتصار الثورة في بلدك لا يعني التغيير بين ليلة وضحاها. لا بد من الوقت. والمزيد من الوقت. ومن عادة المراحل الانتقالية أن تكون شائكة ومؤلمة وطويلة. ثم أن الإرث ثقيل.

لا يغادر المستبد قبل أن ترزح بلاده تحت ركامها. وعلى الثورة أن تبدأ من الصفر. والمهمة ليست سهلة. والمسألة معقدة أصلاً. هناك من أطلق الثورة. وهناك من انضم إليها. وهناك من يقال إنه خطفها. اهدأ لكن احتفظ بحريتك وحقك في مقاومة الزي الموحد.
أنا لا أنكر حقك في المطالبة بالبديهيات. أي أن تعيش في ظل دستور يكرس مفهوم المواطنة. أي أن تغيب عن نصوصه أي محاولة للتمييز أو التهميش سواء بسبب الانتماء الديني أو العرقي أو الإتني. يبنى الوطن على قاعدة الاعتراف المتبادل بين المكونات والعيش في ظل القانون. والحقوق والواجبات. وتداول السلطة. والانتخابات النزيهة واحترام نتائجها. والقضاء المستقل عن إرادة الحاكم أو أي هيمنة أخرى.
أعرف إن العربي صبر طويلاً وخسر كثيراً. لكن لا حل غير الصبر. أفهم أن يطالب بالكهرباء. تعب من التقنين والعتمة. ثم إننا لا نستطيع الالتحاق بالعصر إذا واصلنا الإقامة في بيوت معتمة وفي ظل أفكار معتمة. وبعد الكهرباء المياه الصالحة للشرب. ولا أرى وقاحة في أن يطالب مواطن بمياه صالحة للشرب. ثم من حق العربي أن يطالب بمدرسة طبيعية ومناهج عصرية أي طبيعية. تعب العربي من التعليم القديم الفاسد الذي يعتقل العقل ويغتال المخيلة. مدرسة تفتح الآفاق إلى فرص العمل وتمكن من الانتماء إلى هذا العالم الذي يشهد ثورات علمية وتكنولوجية متواصلة. وعلاوة على ما تقدم الحق في الحرية. وطرح الأسئلة. والاعتراض. والنقد. والتصحيح. ورفض الزي الإلزامي الموحد.
دفعتني إلى كتابة هذا المقال رسالة من قارئ مصري شاب. قال إنه كان من أوائل الذين تدفقوا إلى ميدان التحرير. وإنه رابط هناك حتى نجاح الثورة. وإنه فرح برؤية المصريين يذهبون إلى صناديق الاقتراع في انتخابات لم تطبخ نتائجها سلفاً في عتمات وزارة الداخلية. وإنه يحترم النتائج بغض النظر عن مدى تعاطفه مع الفائزين وطروحاتهم.
بعد هذه المقدمة عبر الشاب عن قلق بدأ يتسلل إلى نفسه. قال إنه قرأ في صحف ومواقع إلكترونية أن الرقابة في التلفزيون المصري ستكون صارمة من الآن فصاعداً. وأن الصرامة ستطبق بمفعول رجعي. وأن الهيئة بدأت بمراجعة بعض الأفلام القديمة. وأن المصريين قد لا يتمكنون من رؤيتها مجدداً إلا بعد حذف اللقطات الجريئة منها. وقال إن الرقابة قد لا تتساهل أبداً مع فيلم «أبي فوق الشجرة» لعبد الحليم حافظ ونادية لطفي وميرفت أمين. وأضاف أن المصريين قد لا يتمكنون من رؤية فيلم «الزوجة رقم 13» لرشدي أباظة وشادية إلا بعد أن يتولى الرقيب تنظيف الفيلم من المشاهد الحميمة.
أفهم مخاوف القارئ الشاب. ولا غرابة أن يكون هناك من يحلم بفرض الزي الموحد على الأذواق والعقول والمخيلات. لكنني أعتقد أن الشعب المصري لم يعد في وارد السماح بمثل هذه الممارسات. التسليم بهذا النوع من المحاكمات يعني غداً استدعاء طه حسين ونجيب محفوظ خصوصاً بعد إخضاع «ألف ليلة وليلة» لمحاكمة من هذه القماشة.
استبعد أن تقبل مصر بكبح روح الإبداع والريادة على أرضها. وأن تجيز لأي منتصر أن يحتقر الفن والحرية ويتصرف على هذا النحو بتراثها وتاريخها. وماذا لو طالب أحد غداً بحذف جمال عبد الناصر من كتاب التاريخ؟. إن ما تحتاجه مصر هو بناء المؤسسات الحقيقية وإطلاق عملية التنمية وليس «تنظيف» الأرشيف الفني من «جرائم» عبد الحليم حافظ ورشدي أباظة.
نقلا عن صحيفة الحياة