عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مبارك يرقص.. قائلا: «وبقيت ريس»!!

يحيي الجمل
يحيي الجمل

كان ذلك في يوم من أيام عام 1982 في بدايات حكم مبارك حين اتصل بي أحد موظفي الرئاسة وطلب مني أن أحضر غدا صباحا إلى الجامع الأزهر للاحتفال بمناسبة دينية لست أذكر الآن ما هي، وذهبت بطبيعة الحال في صبيحة اليوم التالي، وألقى شيخ الأزهر آنذاك كلمة في تلك المناسبة، ثم أقيمت الصلاة وصليت مع المصلين، وبعد الصلاة فوجئت بأن الرئيس مبارك يهمس في أذني ببعض الكلمات، ولاحظ بعض الحاضرين ذلك وانطلقت الإشاعات في كل ناحية.

ومن الإشاعات التي تكررت بكثرة أن الرئيس مبارك كلفني بتشكيل الوزارة خلفا لفؤاد محيي الدين، إلى غير ذلك من أقاويل وإشاعات، وكانت الحقيقة أبعد شيء عن ذلك كله، إذ أن مبارك عندما همس في أذني قال لي: «هم الشيوعيين بيصلوا»؟ وقلت له هامسا أيضا: يا سيادة الرئيس أنا لست شيوعيا، أنا من القليلين في مصر الذين كتبوا في نقد الشيوعية ونقد المادية الجدلية نقدا علميا فلسفيا، وهذا موجود في كثير مما كتبت. وطلابي في الجامعة وكل الذين يقرأون لي أو يسمعونني أو يعرفونني يعرفون أنني رجل صادق الإيمان بالله والحمد لله. ثم أردفت – وفي داخلي غضب – من قال تلك الفرية يا سيادة الرئيس؟ فؤاد محيي الدين. هكذا أجاب حسني مبارك وعلى وجهه ابتسامة ذات معنى. وقلت في نفسي: فؤاد محيي الدين الذي بدأ حياته السياسية «في حركة حدتو» الشيوعية ثم تركها عندما أدرك أنه إذا بقي فيها فإن ذلك سيحول بينه وبين كثير من طموحاته، وبالفعل عين بعد ذلك مشرفا على المؤسسة العمالية التي كان عبد الناصر يهتم بها، وكانت مهمتها إعداد برامج ومحاضرات للعمال، وكثيرا ما دعاني فؤاد محيي الدين لإلقاء محاضرات في هذه المؤسسة عن العروبة وعن القومية العربية وعن أمور دستورية وسياسية، وكان فؤاد يحضر بعض هذه المحاضرات، وكان يعلم يقينا – وهو السياسي الذكي– أن المسافة بيني وبين الشيوعية واسعة بعيدة، ومع ذلك فإنه من باب الإيقاع توهما منه أن مبارك يمكن أن يستبدلني به فإنه لم يتورع أن يصفني بهذا الوصف، وأعتقد أن مبارك لم يكن جادا في تصور أنني شيوعي ولديه من الأجهزة ما يمكن أن تقدم له الحقيقة، ولكنه كان يقصد إلى نوع من المزاح أو الوقيعة بيني وبين فؤاد محيي الدين، أو هكذا تصورت.
والحقيقة أن حسني مبارك في السنين الأولى لحكمه كان إنسانا بسيطا، وكانت عنده رغبة شديدة في أن يتكلم باستمرار ولا يترك فرصة لمن معه أن يتحدث حتى لو كان هو الذي طلبه ليحدثه في أمر معين أو يكلفه بأمر من الأمور، وكان أيضا إلى جوار ذلك يشعر في أعماقه أن المنصب أكبر منه، ومن هنا كانت هيبته للموقف وإن كان يحرص على ألا يبدو ذلك بطبيعة الحال، كان ذلك في الفترة الأولى لحكمه.
يا سبحان الله كيف يتغير الناس!! وكيف يفسد طول البقاء في السلطة أصحابها!!
وكنت في ذلك الوقت قد قطعت علاقتي الحزبية بالتجمع، رغم استمرار علاقات المودة مع كثير من الأصدقاء، وفي مقدمتهم خالد محيي الدين نفسه الذي كان مثالا للطهارة والنقاء، وكذلك إسماعيل صبري عبد الله ولطفي الخولي، وكثيرون آخرون، رغم اختلاف المعتقد السياسي، حيث كان هؤلاء جميعا من الماركسيين، وكان كثير من أعضاء التيار القومي قد استقالوا من الحزب عقب استقالتي منه، رغم أنني لم أحرض أحدا أو أطلب من أحد الاستقالة من الحزب، والحقيقة أن سيطرة عدد من الماركسيين على حركة الحزب أصبحت آنذاك واضحة، وكانت مصدر قلق للقوميين والناصريين من أعضاء الحزب مما دفع بعضهم إلى الاستقالة.
وكنت حريصا في البداية على أن يظل خبر استقالتي غير معلن، ولكن «الأهرام» بعد عدة أيام قد تزيد على أسبوع نشرت الخبر في صدر صفحتها الأولى، وقامت الدنيا ولم تقعد.
ولم تنقطع الاتصالات ولا الأحاديث الصحافية، ولعل أشهرها كان حديثا طويلا مع الأستاذ مكرم

محمد أحمد حاولت أن أعثر عليه أخيرا لكني لم أجده مع أنني كنت حريصا على الاحتفاظ به.
والحقيقة أنني أشعر في أعماقي أنني أقرب إلى أن أكون مفكرا سياسيا من أن أكون ناشطا سياسيا، ومع ذلك فإنني لم أستطع دائما أن أكون بعيدا عن النشاط السياسي.
وكان وجود أسامة الباز قريبا من مبارك – وأسامة صديقي وزميلي في الدراسة الجامعية أربع سنوات ثم عندما تخرجنا عينا معا في النيابة العامة – المهم أن وجود أسامة في سدة الحكم وقربه من الرئيس مبارك أقام بيني وبين الرئيس صلة طيبة، وكثرت مرات الالتقاء به وكثرت الأحاديث.
كنت ذات مرة مع الرئيس في قصر العروبة – بناء على دعوته بطبيعة الحال – وكان الرئيس من قرية من قرى محافظة المنوفية التي أنتمي إليها أنا أيضا، وأذكر أنه في ذلك اليوم سألني عن سني، فلما ذكرته له وأدرك أنه يكبرني بفترة وجيزة قد لا تصل إلى عامين كاملين إذا به وهو يودعني إلى باب قصر العروبة يقول وهو يوشك أن يرقص: «وبقيت ريس... وبقيت ريس»، وتولتني دهشة غير طبيعية، وأدركت كم كان المنصب أكبر من الرجل، وكم كان مفاجأة له كما كان مفاجأة للناس جميعا، ولكنه على أي حال كان آنذاك يتمتع بروح البساطة وقدر من الفكاهة، وكان يحاول أن يراعي أقدار الآخرين، وأظن أنني كنت من هؤلاء.
وطلبني أسامة ذات يوم لمقابلة الرئيس، وكان ذلك في اليوم التالي لوفاة فؤاد محيي الدين وهو في مكتبه في مجلس الوزراء، وطافت بذهني خيالات وتصورات متعددة، ترى لماذا يطلبني الرئيس في هذا اليوم؟
والتقيت أسامة قبل أن أدخل إلى مكتب الرئيس وسألته عن الأمر فلم يخبرني بشيء، وآثر أن يترك الأمر مفاجأة لي، وعندما دخلت أنا وأسامة إلى مكتب حسني مبارك حياني بقدر من المودة والبساطة ثم إذا به يعرض علي الاشتراك في الوزارة وزيرا للثقافة، ورغم صلتي بالثقافة، وأنني قد أعتبر نفسي من المثقفين فإنني لم أرحب واعتذرت على الفور، ذلك أن تجربة المنصب الوزاري – حتى قبل ذلك بسنين وأنا أصغر سنا – لم تسعدني ولم أحس أنها المكان الذي أحقق فيه ذاتي.
مدرج الجامعة هو المكان الذي سعيت إليه وأحببته، وأظن أنني ما زلت أحبه حتى وإن تغيرت وتبدلت كثير من الأمور، لا الطلبة هم الطلبة ولا الزملاء هم الزملاء ولا الجو العام هو الجو العبق الذي كنا نعيشه عندما بدأنا حياتنا في الجامعة طلابا، وحتى عندما أراد الله أن أكون عضوا في هيئة التدريس بكلية الحقوق.
وللناس فيما يعشقون مذاهب.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط