رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الانتخابات الرئاسية في مصر

كان الوقت عام 1999، وساعتها اقتربت نهاية «الولاية» الثالثة للرئيس محمد حسني مبارك عندما تم استدعائي كمدير لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ«الأهرام» من قبل الأستاذ إبراهيم نافع، رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير، وكان السؤال الذي طرحه: كيف ستعالج الصحيفة حدث الانتخابات الرئاسية للمرة الرابعة دون أن يصاب القارئ بالملل طالما أن النتيجة محسومة في النهاية لصالح الرئيس؟ كان السؤال مفاجئا، فلم يكن من قبيل العادة أن يشترك مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في السياسة التحريرية للصحيفة، اللهم في أوقات الأزمات الكبرى، مثل أزمة وحرب تحرير الكويت، أو عملية السلام العربية -

الإسرائيلية التي ازدهرت خلال التسعينات من القرن الماضي. ما عدا ذلك كان المركز، وللحق، له كل الاستقلال الكامل في مقالاته في الصحيفة، ومطبوعاته ومؤتمراته المختلفة. كان العرف المستقر أن للمركز سقفا أعلى من كل السقوف الأخرى في المؤسسات الصحافية والإعلامية والأكاديمية؛ ولكن لم أعرف عندما طرح علي السؤال كيف يكون التصرف؟
وبعد أخذ وعطاء عن الموقف السياسي تفتق ذهني عن فكرة ذات شقين: تكوين مجموعة عمل صحافية خاصة بالموضوع؛ وأن تعمل هذه المجموعة على أساس أن هناك أكثر من مرشح. كانت الفكرة مشتقة من أسلوب «المحاكاة» المعروف في العلوم السياسية، بحيث يأخذ المشاركون أدوارا مختلفة، ومن ثم ينطق هذا الدور في هذه الحالة على الأحوال العامة المصرية بما يراه في السياسات الجارية، والبدائل المتخيلة لها. كانت الفكرة مثيرة، وفي داخلها غرض آخر وهو أن تصير المناسبة فرصة لعرض الكثير من الأفكار الإصلاحية على النظام السياسي والاقتصادي المصري في تلك الأيام. وكان ذلك ما حدث، ولكن سرعان ما جرى اكتشاف «الملعوب» وذابت المجموعة دون أن يعرف أحد كيف حدث ذلك، وسرعان ما أصبح الأمر هو عرض إنجازات الرئيس التي كانت تعرض في كل الأوقات، ووجدت نفسي منسحبا من أمر لم أختره منذ البداية.
الآن تغيرت الأمور تماما، ولا أشك أن أحدا سواء في صحيفة «الأهرام» أو غيرها من الصحف ووسائل الإعلام سوف يشكو من الملل من متابعة الانتخابات الرئاسية المصرية، وفي كل الأحوال فإنه لم تعد هناك إنجازات تعرض، ولكن، وللحق، هناك كثرة من المرشحين الذين يمثلون كل ألوان الطيف السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. والأهم أن الانتخابات الرئاسية استكملت عملية التغيير السياسي التي تحولت، دون أن نلحظها، من السياسة التي يحكمها «الشارع» في أشكال مختلفة من المظاهرات والإضرابات؛ إلى سياسة تحكمها صناديق الانتخاب والاجتماعات المؤسسية، سواء في مجلس الشعب أو الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع الدستور التي هي الأخرى باتت لها اجتماعات لمن بقي بالجمعية وهم الأغلبية، ومن انسحبوا وهم الأقلية.
بشكل ما يمكن القول: إن الثورة المصرية وصلت إلى نهايتها، وأخذت «الدولة» على ما فيها من وهن ناصية الأمر؛ ولعل الانتخابات الرئاسية جزء من هذه العملية، وهذا التحول من الشارع إلى صناديق الانتخابات. وهنا يمكن رسم خريطة للموقف السياسي للمرشحين، وهي مركبة إلى حد كبير، ومع ذلك فهي ليست عصية على الاستيعاب. فالتقسيم الأولي لها يوجد بين معسكر «مدني» يشمل في المقدمة السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق؛ والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق، واللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية الأسبق، والسيد حمدين صباحي، والمستشار هشام البسطاويسي، وعدد آخر من المرشحين من غير ذائعي الصيت. المعسكر الآخر «ديني» ويشمل في المقدمة السيد حازم صلاح أبو إسماعيل ممثلا عن السلفيين، والمهندس خيرت الشاطر عن «الإخوان»، وبعد ذلك الدكتور سليم العوا المحامي والمفكر الإسلامي، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو «الإخوان» السابق والمنشق عن الجماعة. يضاف إلى ذلك قائمة طويلة ممن دخلوا السياسة المصرية مؤخرا دون أن يعرف أحد لهم فكرا أو موقفا أو حتى هوى من نوع أو آخر.
التقسيم هكذا شكلي، ولا يعطينا قدرة كبيرة على التنبؤ أو على الاختيارات المصرية؛

ولكن التقسيم يمكن أن يكون أكثر إيحاء على أساس من الشعبية والاقتراب من كرسي الرئيس. فالحقيقة هي أن رغم كثرة عدد المرشحين فإن عدد المتنافسين قلة وهم على وجه التحديد عمرو موسى وأحمد شفيق وعمر سليمان على جانب؛ وحازم صلاح أبو إسماعيل، وخيرت الشاطر، وعبد المنعم أبو الفتوح على الجانب الآخر. هؤلاء المرشحون من القوة، مع وجود آخرين سوف يأخذون نسبا من الأصوات، تجعل التنبؤ آمنا أن أحدا لن يحصل على الفوز من الجولة الأولى، والمرجح أن تجرى انتخابات للإعادة بين المرشحين الأولين الحاصلين على أعلى الأصوات. هنا يدخل عامل جديد إلى حسابات الانتخابات المصرية وهو العامل القضائي الذي أخذ يؤكد على نفوذه «السياسي» حتى خلال فترة النظام السياسي السابق، ولكن وصل إلى آفاق جديدة بعدها. فهناك عدد من الإشكاليات القانونية التي قد تطيح بمرشحين حتى قبل أن تبدأ الانتخابات الرئاسية. هذه الإشكاليات ظهرت بقوة فيما يخص حصول والدة حازم صلاح أبو إسماعيل على الجنسية الأميركية، وبقوة أيضا فيما يخص خيرت الشاطر الذي يسود شك حول عما إذا كان قرار العفو أو رد الاعتبار الذي حصل عليه وأخرجه من السجن كافيا لكي يكون مؤهلا لدخول المعركة الانتخابية. بعد ذلك هناك اتهامات قانونية أقل قوة مثل أن والد سليم العوا كان سوريا، أو أن عمرو موسى لم يؤد الخدمة العسكرية، أو أن عبد المنعم أبو الفتوح حصل على الجنسية القطرية. وهكذا تداخل القانون والسياسة كما لم يحدث من قبل في التاريخ المصري الحديث وجعل المباراة مثيرة، ولكن المعضلة الكبرى هي أن التقسيم «المدني» - «الديني» ليس كافيا لكي نعرف ما جرى حقا للسياسة المصرية.
فوسط الصخب الذائع حول الانتخابات الرئاسية وما وراءها من اهتمام إعلامي فاق كل التصورات فإن السياسات الحقيقية لهؤلاء المرشحين غير معروفة تقريبا، اللهم إلا من عدد من الشعارات الغامضة، والمشروعات الكبرى التي يتصور القائل بها إنها سوف تنقذ البلاد والعباد وتضع مصر في مقدمة صفوف الدول. فالأسئلة المعروفة في الدول الديمقراطية التي تدور حول مدى تدخل الدولة في الاقتصاد، ومدى المحافظة في استخدام الموارد العامة، والحد الذي تقف عنده السياسة الخارجية، والوسائل المختلفة لحل معضلات الخلافات الطائفية أو الدينية أو الطبقية، كل ذلك لا نكاد نجد له أثرا اللهم إلا قدرة مرشح ما على حل كل ما يقف أمام مجد الأمة ورفعة الوطن. الحالة هكذا غير طبيعية، وربما كانت القصة لا تزال في أولها، وما زال علينا الانتظار حتى نرى ما هو أكثر.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط