رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهلوانيات انتخابية في مصر

بوابة الوفد الإلكترونية

مشهد انتخابات الرئاسة المصرية، التي يفترض أن تجرى أواخر الشهر المقبل، يبدو مثيرا للحيرة والارتباك، بل وأكثر من ذلك، مثيرا للقلق على مصير الثورة التي عانت كثيرا الشد والجذب بين الخائفين عليها والخائفين منها. مفاجآت اللحظة الأخيرة في إعلان الترشحات زادت الإرباك ورفعت من درجة الحرارة ووتيرة المخاوف، خصوصا بعد الجدل الذي أثير حول قرار جماعة الإخوان المسلمين بدفع مرشح منهم للانتخابات بعدما كانوا قد أعلنوا في السابق أنهم لن يخوضوا هذه الانتخابات، ثم الجدل الذي رافق الإعلان المتأخر عن ترشح عمر سليمان، نائب الرئيس السابق، بعد ساعات من التصريحات عن أنه لن يترشح.

في عالمنا العربي المغرم بنظرية المؤامرة ليس غريبا أن يكون هناك من يرى في الأمر طبخة سرية بين المجلس العسكري الحاكم وجماعة الإخوان المتطلعة للحكم، وأن المسألة ستُحسم بالمقايضات التي ستجرى بين الطرفين قبل الانتخابات التي قد تنتهي، حسب أصحاب هذه النظرية، إلى تقاسم الحكم؛ بحيث تكون الرئاسة لمرشح المجلس العسكري والحكومة للإخوان وحلفائهم. قد يكون صعبا الجزم بوجود أو عدم وجود صفقات، لكن هناك الكثير من المعطيات التي تشير إلى أن العلاقة بين هذين الطرفين هي علاقة تشكك وتوجس أكثر منها علاقة ثقة وتنسيق أو شراكة، وبالتالي فإن المناورات التي تجرى قد تكون بهدف الالتفاف وسحب البساط من تحت أقدام الطرف الآخر؛ فالمؤسسة العسكرية المصرية قد ترى في الإخوان تهديدا وليس حليفا، خصوصا في ظل العلاقة العاصفة والصعبة بين الطرفين على مدى عقود خلت. صحيح أن هناك فترات تخللها بعض الهدوء وشيء من التقارب أو التعايش، لكن العلاقة بقيت متوترة ومتصادمة في معظم فتراتها.
هناك عامل آخر، هو أن الكثير من الأطراف في الداخل وفي الخارج ترى في المؤسسة العسكرية ضمانة لمصر في الفترة المقبلة المشحونة بالتوتر والترقب، سواء بعد انتخابات الرئاسة أو في مرحلة إعداد الدستور، علما بأن هذه المرحلة كلها تعتبر انتقالية لتهيئة الأرضية الدستورية لانتخابات أخرى لاحقة. هذه الأجواء تغذيها أيضا عوامل الضغوط الاقتصادية المتراكمة والانفلات الأمني ومخاوف الكثيرين من خطاب وتحركات الجماعات الإسلامية خلال الأشهر الماضية، والتوجس من هيمنة تيار واحد على الساحة، لا سيما بعد ما حدث من استقطاب في عملية تشكيل الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع الدستور.
الإخوان من جانبهم لا يبدون مطمئنين للمجلس العسكري، وإن ناوروا فإنما لتحييده أو للالتفاف عليه؛ لأنهم يعتبرونه عقبة في طريق انفرادهم بالساحة، ويرونه امتدادا للنظام السابق الذي عمل على إقصائهم وتحجيمهم؛ فبعد فوزهم الكبير مع التيارات الإسلامية الأخرى في انتخابات مجلس الشعب فإن شهيتهم فُتحت، كما يبدو، للصعود إلى الرئاسة، لكنهم يتخوفون من المؤسسة العسكرية وسيناريو الجزائر حتى إن نفذ بطريقة معدلة أو منقحة.
في ظل هذه الأجواء الملتبسة جاء إعلان الإخوان عن ترشيح خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة عضو مكتبها الإرشادي، لخوض انتخابات الرئاسة، متراجعين بذلك عن وعدهم السابق بعدم دفع مرشح منهم بل ومعارضتهم لترشح أي مرشح إسلامي من منطلق أن ذلك «لن يكون في مصلحة الجماعة أو مصر». وعلى الرغم من أن الشاطر أعلن استقالته من منصبه في الجماعة قائلا إنه يريد أن يكون رئيسا لكل المصريين ولن يكون تابعا للمرشد أو ممثلا لحزب، فإن كلامه لم يؤدِّ إلا إلى زيادة الغموض حول مواقف الإخوان. فكيف يصدر الإعلان عن ترشيح الشاطر على لسان مرشد الجماعة وفي حضور رئيس حزبها، ثم لا يكون هو مرشح الطرفين؟

الجماعة إن أرادت تطمين الناس فقد زادت في مخاوفهم، وإن كانت تريد الإيحاء بوجود مسافة بينها وبين الشاطر والحزب، فإنها لم تنجح إلا في ترسيخ هذا الأمر، خصوصا أن الناس لم يقتنعوا أصلا بكلامها عن أنها ستركز على الدعوة والعمل المجتمعي وستترك العمل السياسي والحزبي تماما لحزبها الجديد. هذه التقية تلقي ظلالا من الشكوك حول التصرفات المبهمة للجماعة وتحركاتها المضطربة وتصريحاتها المتناقضة، مع أنه كان بمقدورها أن تكون أكثر وضوحا وانسجاما مثل الجماعات الإسلامية في المغرب وتونس أو في تركيا التي دخلت الساحة كحركة سياسية تنافس من دون ادعاء بوجود فوارق أو حواجز بين وجه دعوي وآخر سياسي.
الواقع أن الإخوان وحزبهم لم يدفعوا بمرشح واحد للانتخابات بل باثنين: مرشح أصيل وآخر بديل، لكي لا يخسروا فرصة المنافسة إن عرقلت الطعون ترشيح الشاطر. فقائمة المرشحين التي صدرت بعد انتهاء مهلة تقديم الترشيحات حملت أيضا اسم محمد مرسي، قيادي الجماعة، الذي انتخبه مجلس شورى الإخوان العام الماضي ليكون رئيسا لحزب الحرية والعدالة، في مؤشر آخر على الترابط العضوي بين الجماعة والحزب. ومع وجود اسمين مرشحين فإن المرشح النهائي للجماعة يبقى غير محسوم، أو حسب تصريحات محاميها عبد المنعم عبد المقصود فإن الجماعة ستحدد من يكون مرشحها بمجرد حسم الطعون المقدمة ضد الشاطر. أما إذا أخذنا بتصريحات الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، فإن اختيار المرشح الإسلامي سيتم من خلال هيئة شورى مشكلة من الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية وأحزابهم.
اللافت أن خيرت الشاطر وجَّه، في حوار مع قناة «العربية»، قبل يومين، تهديدات مبطنة إلى المجلس العسكري قائلا إن الشعب لا مانع لديه من النزول للشارع مرة أخرى إذا شعر أن ثورته في خطر، ثم كرر هذا التهديد في مقطع آخر عندما أشار إلى أن هناك افتراضا ولو بنسبة 1% لتزوير نتائج انتخابات الرئاسة «وفي هذه الحالة فإن الشعب لن يسكت». هذه التهديدات تعكس حجم المخاوف والشكوك، وقد تعطي مؤشرا آخر على عدم وجود تفاهم أو طبخة سرية بين المجلس والإخوان، والأرجح أن الشد والجذب سيستمران، بل قد يتصاعدان مع اقتراب موعد الانتخابات ليفتحا الباب أمام مفاجآت جديدة ومقايضات لانسحابات في اللحظة الأخيرة، أو لمعركة انتخابية صعبة ومحفوفة بالمخاطر.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط