رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر والديمقراطية المضطربة

بوابة الوفد الإلكترونية

ما يجري في مصر من جدل غير منظم وخطوات مضطربة ومسار مشوّش، أو بإجمال ما سبق كعملية سياسية أقرب إلى المجهول منها إلى الديمقراطية، يمثّل نموذجاً مناسباً لتشريح الديمقراطية كشعار يرفعه كثيرون ولا يكلّفون أنفسهم عناء البحث في معناه وشروط تحقّقه التي بغيابها تكون الكلمة شعاراً بلا رصيد . فلو كانت الديمقراطية مفهوماً غير جدلي لما اختلف عليها اثنان ولكُتب الدستور نفسه للصين والفاتيكان . ولأنها ليست كذلك، نجد دولتين لصيقتي التحالف هما الولايات المتحدة وبريطانيا يحكمهما شكلان مختلفان يطلق على كليهما في القاموس الغربي “الديمقراطية”، بل نجد أوثق طرفين صداقة وتحالفاً وهما “الولايات المتحدة” و”إسرائيل”، محكومتين بنظامي حكم مختلفين .

هناك دلالات أن يتقدّم رسمياً للانتخابات الرئاسية المصرية ثلاثة وعشرون مرشّحاً، فيما كانوا في مرحلة الاستعداد بالمئات ما أطلق في الشارع المصري وابلاً من الطرائف المرّة، رغم أن مرارتها لم تتجاوز غرابة تلك التظاهرات التي جرت عام 1954 والتي هتفت “تسقط الديمقراطية تسقط الحرية” . كانت تلك من الغرابة بحيث ذهب البعض في تفسيرها حد القول إن عبدالناصر دفع لكل عامل خمسة آلاف جنيه لكي يتظاهر، علماً بأن هذا المبلغ كان يكفي لشراء قصر على النيل . لكن مطلقي هذا الكلام لا يدفعون ضريبة عليه ولم يسألوا أنفسهم كم المبلغ الذي تركه عبدالناصر لعائلته بعد رحيله .

قد تكون زوبعة الترشيحات الرئاسية الحالية ردّة فعل مفهومة على عقود من الحكم الاستبدادي وما تخللها من فساد وحرمان وقتل للحياة السياسية، وقد تكون، كما يحلو للبعض، بروفة للديمقراطية المستجدة، لكن حتى البروفات تنظّم على أسس مسبقة التصوّر، تحت قيادة تفهم ما تفعل وتتمتّع بالقدرة على تقييم البروفة-التجربة واستخلاص النتائج المتراكمة وصولاً للصورة المستقرّة نسبياً .

لو كانت القوى السياسية المصرية التي “هرمت” في العمل السياسي مؤهّلة لصنع الحراك الشعبي وتفعيله على شكل ثورة هي قيادتها، لرأينا مشهداً مغايراً تكون فيه الثورة تملك شروطها وديناميتها وبوصلتها الواضحة، ولتم تجنب التجريب المكلّف، والأهم لتم ضمان معرفة برنامج قيادة الثورة ومعسكري أصدقائها وأعدائها، ولكانت الصورة المأمولة بعد سنة واضحة المعالم

.

لم يعرف التاريخ ثورات ديمقراطية تختزل كل أهدافها بشعار “إسقاط النظام” من دون أن تقودها قيادات تحظى بقاعدة واسعة وتحشد أغلبية الشعب حول برامجها قبل شخوصها . الأمثلة كثيرة على ثورات هزّت التاريخ، ورغم انحرافها بعد حين، إلا أن ما يعنينا منها كتجربة فترة نجاحها .

وبالعودة إلى مصر يجدر التذكير بأن ما شهدته كان انتفاضة شعبية عارمة وسلمية ونظيفة في شارعها ودوافع أبنائها في النزول إليه، لكن من المؤكد أن الثورة لا تكون فعلت شيئاً عندما تُسقط رأس هرم النظام، مالم يتّجه المسار نحو صياغة النظام البديل الذي يكتفي بإنقاذ مصر من أوضاعها المزرية، بل يعيد لها قيادتها للأمة العربية في وضع لا ينبغي لأحد أن ينسى أن عنوانه الأساس الصراع العربي - الصهيوني . وجدير أن نتذكّر أن محمد نجيب القائد في حركة الضباط الأحرار التي قادت ثورة 23 يوليو، أصيب سبع مرات في حرب ال ،48 ثلاثة منها كانت خطرة، بل شعر في الثالثة بدنو أجله فكتب من ضمن وصيته لأولاده “تذكروا يا أبنائي أن أباكم مات بشرف . . وكانت رغبته ان صحيفة الأخيرة أن ينتقم من الهزيمة في فلسطين ويجاهد لوحدة وادي النيل” . ولذلك يصح قول الفيلسوف الإسباني جورج سانتيانا قبل أكثر من قرن “إن الذين لا يقرأون التاريخ محكوم عليهم أن يعيدوه” .
نقلا عن صحيفة الخليج