الانتخابات الرئاسية و»المؤامرة على مصر»
عكس المشهد أمس أمام وداخل مقر اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات الرئاسية حجم الشكوك في النيات، إذ بدا إغراق لائحة الترشيحات بالمرشحين
الاحتياطيين تحسباً لإجراءات تستهدف إبعاد واحد أو أكثر من المرشحين الإسلاميين نموذجاً لإنعدام الثقة بين أطراف اللعبة السياسية، صحيح أن إقدام اللواء عمر سليمان على الترشح للمنافسة على المقعد سبب ردود فعل غاضبة بين قوى الثورة ونشّط الاعتقاد بأن النظام السابق يعود من جديد وتُرجم على أنه سيناريو محكم يعتمده المجلس العسكري لتكرار النموذج اليمني بعد رفضه النموذج التونسي، لكن أزمة الثقة كانت بدأت قبل المعركة الانتخابية الرئاسية واستمرت وزاد حجمها ومثل كرة ثلج ظلت تنمو حتى أصبح أي تصرف أو قرار أو إجراء أو تصريح أو حتى حكم قضائي لا يستقبل من دون تشكيك وبحث في النيات. بالطبع وضعت الانتخابات الرئاسية المصرية كل القوى السياسية، جماعات وأحزاب وحركات وشخصيات عامة على المحك وستصبح جميعها أمام خيارات صعبة لن يجدي معها الترويج لنظرية المؤامرة التي يلجأ إليها البعض أحياناً للهروب من الحقيقة أو لقلب الحقائق أو تبرير أخطائه. تلك النظرية استخدمتها كل الأطراف تقريباً من دون استثناء منذ سقوط نظام مبارك وتفكك قوى الثورة وتشرذمها وانتقالها من موقع المشاركة إلى المنافسة أو المغالبة. مثلاً ترشيح «الإخوان» للمهندس خيرت الشاطر للمنافسة على المقعد الرئاسي اعتُبر لدى البعض مؤامرة طرفيها المجلس العسكري و»الإخوان» واتفاق على تسليم كل السلطات إلى الإسلاميين مقابل تمتع العسكر بميزات يباركها «الإخوان» ويمررونها من دون اعتراض. وفي الوقت نفسه اعتبر بعضهم أن ترشيح الشاطر مؤامرة من «الإخوان» ضد العسكر!! ونهاية لشهر عسل غلف العلاقة بين الطرفين لنحو سنة كاملة ونذير على صدام سيحدث آجلاً أو عاجلاً بينهما!! وحكاية الجنسية الأميركية لوالدة المرشح الإسلامي حازم صلاح أبو إسماعيل هي الأخرى مؤامرة لدى اتباعه الذين اعتبروا أن الأميركان والإخوان والعسكر اتفقوا على إبعاد الشيخ، وأن كل الأوراق الرسمية التي ظهرت أو ستظهر وتثبت الجنسية الأميركية لوالدة الشيخ مزيفة ومزورة ومفبركة، أما منافسو أبو إسماعيل فرأوا في ترشحه مؤامرة على مصر!! تستهدف ضرب وضعها الإقليمي!! ترشيح اللواء عمر سليمان أيضاً لدى البعض مؤامرة على الثورة من قوى النظام السابق. «الإخوان» والليبراليون واليساريون اتفقوا على النظرية، واعتبروا أن العسكر دفعوا برجلهم في المرحلة الأخيرة من السباق ليربكوا الكل. وفي المقابل فإن مناصري سليمان أنفسهم كانوا اتهموا العسكر حين أصدر الرجل بياناً اعتذر فيه
المؤكد أن الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة ستشهد مزيداً من الاستقطاب والظنون وأحاديث المؤامرات. وسيروج مناصرو كل مرشح «النظرية» كلما صدر إجراء ضد مرشحهم وسيسعون لإقناع الناس بأنها مؤامرة على مصر أو الشعب أو الثورة.. فالأخطاء الفادحة في الفترة الانتقالية جعلت الكل على قناعة تامة بأنها «فترة انتقامية» وأن كل طرف ينتقم من الآخر وفي هذا جزء من الحقيقة وآخر من الخيال!
نقلا عن صحيفة الحياة