رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جماعة الإخوان المصرية والعجز عن دخول عالم المحترفين

علي سالم
علي سالم

حتى بين المحبين الذين ذابوا في بعضهم البعض كل الذوبان، يحدث أحيانا ما يعكر صفو العلاقات بينهم، فيختفي الود وتنهار الثقة وتحدث القطيعة فتبدأ بعدها ماكينة العداوة في الدوران. هذا هو بالضبط ما يمكن أن أصف به علاقة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبقية فئات الشعب وتشكيلاته وجماعاته السياسية وأحزابه، وناشطيه الثوريين والمعتدلين والمتطرفين ومسلميه ومسيحييه بكنائسهم المختلفة.

إن عدد الأصوات التي حصلت عليها الجماعة في الانتخابات الأخيرة والتي احتلوا بها مقاعد الأغلبية في البرلمان، نقلتهم مباشرة وفي لحظات من دائرة الهواية السياسية وهي محط عطف الناس وتسامحهم، إلى معترك المحترفين بما يفرضه عالم الاحتراف من يقظة وعفة سياسية وتواضع تحتم جميعا على صاحبها أن يدرك أنه على الرغم من انتصاره الساحق في معركته الانتخابية فإنه ليس على الساحة وحده، بل له شركاء - مهما قل عددهم - عليه أن يشعرهم بالاحترام والتقدير. ولكن الجماعة لم تفعل ذلك في أول اختبار لها وهو تشكيل اللجنة التأسيسية لعمل الدستور، فكانت النتيجة تلك الثورة العارمة عليهم من كل من هو ليس عضوا في الجماعة وحزبها. هذا هو السلوك المعيب الذي يصفه المصريون بالمقولة الشهيرة «يا أرض اتهدي.. ما عليك قدي». عجزوا عن فهم الحقيقة المؤكدة وهي أنهم عاجزون عن خرق الأرض، وأنه من المستحيل أن يبلغوا الجبال طولا. التواضع السياسي هو المدخل الوحيد للقوة، والاستماع للآخرين والتعرف على ما لديهم من أفكار يساعد رجل السياسة المحترف على الوصول إلى الفكرة الصحيحة التي يتحمس لها أكبر عدد ممكن من الناس. والسؤال الذي تنشغل به كل الأطراف الآن في مصر هو: ماذا نفعل لإصلاح هذا الخطأ؟
دعهم يبحثوا عن الإجابة، أما أنا فأسأل: هل رد الفعل الذي أبداه كل من هو مشتغل بالعمل العام في مصر، أقصد ذلك الشرخ بين الجماعة وفئات الشعب المصري، قابل للاتساع؟ هل هو مقصور على مسألة اللجنة الدستورية فقط، أم أن هناك جبل جليد تحت مياه المحيط السياسي أظهرت الاحتجاجات جزءا صغيرا منه فقط، وأن هذا الجبل كفيل بإغراق مركب الثقة بين فئات الشعب المصري والجماعة؟ دعنا نؤجل الإجابة للحظات.
أوهام القوة تسلمك من خطأ سياسي لآخر، لقد اكتشفت الجماعة أنها لا تملك القوة التنفيذية للتغيير بغض النظر عن اتجاهه، وأن مأمور قسم العجوزة أكثر قدرة منهم على التأثير المباشر في حياة الناس.. لا بد لهم أن يكونوا هم الحكومة، الأمر سهل، سيسحبون الثقة من الحكومة، ثم اكتشفوا أنهم عاجزون عن ذلك، وفي النهاية اكتشفوا تلك الحقيقة المخيفة، وهي أن رئيس الجمهورية هو صاحب الحق الوحيد في تعيين الحكومة، لا مفر إذن من خوض معركة الرياسة بمرشح منهم حتى لو اهتزت ثقة الناس بهم نظرا لأنهم حرصوا في الشهور الماضية على إعلان أنهم لن يقوموا بترشيح أحد منهم في انتخابات الرياسة. وبفعل الإجهاد العصبي وبأوهام القوة، أعلنوا اسم مرشحهم الجديد السيد خيرت الشاطر ليس من مقر الحزب بل من مقر الجماعة، ومن أعلن ذلك هو مرشد الجماعة وليس رئيس الحزب، وكأنهم يؤكدون للمصريين أنه لا يوجد للجماعة حزب سياسي.
السيد خيرت الشاطر هو نائب المرشد العام.. ترى هل كانت التجربة الإيرانية بعيدة عن عقل الجماعة وهي تقر هذا الاختيار؟ هل يعتقد المرشد العام لجماعة الإخوان في مصر، أن المصريين سيختارون رئيسا له رئيس؟
نعود الآن إلى السؤال الذي أجلنا الإجابة عنه قليلا، أستطيع القول بأن الثقة قد انهارت بين جماعة الإخوان والجماعة المصرية ممثلة في كل أحزابها وفئاتها وطوائفها، ليس لأيام أو شهور بل لفترة طويلة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. هناك أخطاء في السياسة ربما تظل تدفع ثمنها إلى الأبد، حتى الآن الجماعة تدفع ثمن أنها لم تقف بوضوح وقوة بجوار الدول العربية عندما احتل صدام حسين الكويت. ما أستطيع التنبؤ به هو أن كل قرار تصدره جماعة الإخوان (ما تجيبش سيرة الحزب، ما فيش حزب) سيواجه بعاصفة قوية

من المحتجين والمعارضين بغض النظر عن صحته السياسية، وكأن اللاوعي الجمعي يقول: لقد اختارت الجماعة أن تكون وحدها، فلتمض وحدها.
أناقش معك الآن موضوعا آخر ذا صلة، أنا أراقب سلوك البشر على ضوء حركة التاريخ، من المستحيل الفصل بينهما، هل لحركة التاريخ في مصر صلة بما حدث؟ وإلى أين سيذهب بنا وبجماعات الإسلام السياسي التاريخ؟
لقد حدثتك منذ نحو عام عن ماكينة «المونتاج» التي تقص مشاهد الفيلم أو التمثيلية التلفزيونية، وأوضحت لك أنني أعتقد بوجود ماكينة من هذا النوع بيد التاريخ، يقطع بها مشاهد من فيلم الحياة بهدف جعل الفيلم أكثر انسيابية ودرامية، فهل قطع الزمن، أي استبعد، حكم النظام السابق بما فيه معارضته؟ نعم.. أنا أعتقد ذلك.
أقرب إليك الصورة أكثر، مفردات الهواية مختلفة تماما عن مفردات الاحتراف، ولكل عصر مفرداته التي تدعم حاضره وتصنع مستقبله، المرشد العام للجماعة قال عن خيرت الشاطر إن دعوته مستجابة، قال ذلك في مجال التحذير أو التخويف من معارضة مرشحه للرئاسة. أنا شخصيا أومن بأن الله سبحانه وتعالى يستجيب لدعاء البشر عندما يطلبون الحماية والخير، ولكن ذلك لا يعطي لأي مخلوق ميزة خاصة يتفوق بها على الآخرين، فما بالك عندما يكون الداعي رئيسا لبلد مثل مصر؟ هل عندما يقع في خلاف مع الرئيس أوباما ويعجز عن حله، هل سيهمس جانبا: يا رب تموت يا أوباما؟!
هل عندما يختلف مع وفد البنك الدولي سيقول: إلهي يا رب ما تلحقوا تروحوا لعيالكم.. يا رب تقع بيكم الطيارة.. ولا تغرق بيكم المركب؟!
ماذا سيقول لوزير المالية أو محافظ البنك المركزي؟ هل سيرفع رأسه إلى السماء ويصيح: روح يا شيخ إلهي ربنا يبعتلك مائتين تلتماية مليار يسترنا بيهم ويروقنا وما يخليناش نمد إدينا للي يسوى واللي ما يسواش؟!
الناس تفكر بألسنتها، والمفردات التي تستخدمها تحدد طريقتك في التفكير، كما تحدد العصر الذي اخترت أن تعيش فيه. وفي هذا العصر الذي نعيشه ليس مسموحا لحزب أو جماعة أن تحصل من أعضائها على نسبة مئوية ثابتة من دخولهم ومرتباتهم.. أفهم أن يدفع العضو اشتراكا يتم تسجيله في الدفاتر، أفهم أن يدفع تبرعات يتم تسجيلها أيضا، ولكن أن يدفع العضو نسبة ثابتة من دخله لجماعة أو لحزب أمر خطير للغاية في هذا العصر، لأنه يضعف انتماءه للدولة ذاتها ربما إلى حد العدم. إن نسبة ثابتة من الدخل يدفعها عضو الجماعة - أي جماعة - تعني ضريبة، والضريبة من حق الدولة فقط. هذا هو عصر الشفافية، لم تعد هناك أسرار على الأرض، ومن يريد العيش في هذا العصر عليه أن يحترم أدواته.
نقلا عن صحيفة الحياة