رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في عصر الملفات المفتوحة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

لا نعرف على وجه الدقة كيف ستنتهي مسألة حصول والدة حازم أبو إسماعيل على الجنسية الأمريكية الأمر الذي قد يخرجه من سباق الانتخابات الرئاسية، لكن الذي أعرفه أن مصر بعد الثورة دخلت عصر الملفات المفتوحة، والحريات التي لا سقف لها.

أعني أنه لم يعد بمقدور أي أحد مهما علا شأنه أو بلغت سطوته أن يتحصن بوظيفته أو قوته ليكون فوق النقد والتحري والتجريح أحيانا، كما يحدث في أي مجتمع مصري يعترف بحق المجتمع في أن يعرف كل شيء عن الذين يؤدون أدوارا في المجال العام. وإذا كان فقهاء المسلمين قد ابتكروا «علم الرجال» الذي يقوم على فكرة «الجرح والتعديل» لتحديد وزن كل واحد من رواة الأحاديث النبوية، للاستيثاق من مكانته وأمانته بما يمكنهم من تحديد مدى قوة الحديث المروي أو ضعفه، فإن ممارسات المجتمعات الديمقراطية أخضعت كل المشتغلين بالعمل العام لمعايير الجرح والتعديل أيضا. صحيح أنها اختلفت من مجتمع إلى آخر تبعا لاختلاف القيم السائدة، لكن الفكرة الأساسية ظلت واحدة، وهي أن ملف الشخصية العامة يجب أن يكون مفتوحا أمام الجميع.
ليس بعيدا عن أذهاننا ما نشرته جريدة الدستور في عام 2007 عن مضمون تقرير طبي تحدث عن الحالة الصحية للرئيس السابق، وهو ما تحول إلى قضية انتهت بالحكم على زميلنا الأستاذ إبراهيم عيسى بالسجن ستة أشهر، خففت بعد الطعن إلى ثلاثة أشهر، وانتهت بـ«العفو» عنه من قبل الرئيس المذكور، وكانت العملية كلها بمثابة تحذير «وشدَّة أذن» أريد بها تنبيه القاصي والداني بأن «المقامات العَلِيَّة» ليست ككل الناس، وأخبارها لا ينبغي أن تلوكها ألسنة العامة، ولم يكن الأمر مقصورا على الفرعون وأهل بيته فحسب، ولكن الحصانة شملت الكهنة المحيطين به، الأمر الذي أسدل ستارا كثيفا من الصمت حول كل عمليات اغتصاب البلد وتجريفه، وفي ظل تلك الأجواء تمت أكبر صفقات النهب، سواء في بيع القطاع العام وتوزيع الوكالات التجارية الكبرى على المحاسيب والأقارب أو في إهدار الثروة العقارية للبلد، كما وقعت الجرائم الكبرى التي جرى التلاعب فيها واحتواؤها، من حوادث احتراق قطار الصعيد وقصر ثقافة بني سويف إلى كارثة عبَّارة الموت التي تواطأت أجهزة السلطة في تهريب صاحبها وتحويل جريمة قتل أكثر من ألف مواطن إلى جنحة، وصولا إلى تورط نفر من أبناء النظام المدللين في قتل المطربة اللبنانية في دبي.
اختلف الأمر الآن، واستعاد المجتمع حقه في أن يطلع على ملفات كل رجال العمل العام. (والنساء بطبيعة الحال). حيث لم يعد الأمر يطلب بذل أي جهد غير عادي، لأن المعلومات باتت في متناول الجميع. إذ من خلال الإنترنت أو شاشات التليفزيون والصحف السيارة أصبح بمقدور كل ذي عينين أن يمارس حقه في أن يعرف. من تفصيلات قصة أنف البلكيمي إلى بيانات جواز السفر الأمريكي الخاص بأم المرشح حازم أبو إسماعيل وشائعة تهرب السيد عمرو موسى من التجنيد قبل خمسين عاما

(التي كذبت لاحقا) مرورا بقصة التجديد بعد سن الستين لزوجة رئيس أركان القوات المسلحة، وحكاية مليارات الصناديق الخاصة التي لا يعرف أحد أين لا كيف تنفق، وقصة سيارة رئيس مجلس الشعب الـ(BMW) التي احتج البعض على شرائها له، ثم تبين أنها قديمة وكانت مخصصة لرئيس المجلس السابق.
المناخ الجديد لم يتح معلومات وخلفيات الشخصيات العامة لكل أحد فحسب، ولكنه أيضا أدى إلى تعرية كثيرين ممن ظهروا على المسرح السياسي بعد الثورة، فعرفنا الذين انتفعوا أو انتفخوا، وعرفنا الذين سال لعابهم أمام الغواية فتنافسوا على مصادر التمويل الأجنبي. تماما كما عرفنا الثوار الحقيقيين الذين ظلوا قابضين على الجمر، وحريصين على أن يدفعوا لا أن يقبضوا. وحين فتن واحد من المنتفعين بالنجومية التليفزيونية المفتعلة وألقى كلمة في احتفال للقوات اللبنانية في بيروت وصف فيها زعيم تلك الفرقة بأنه رجل ملهم وأنه رمز للثورة والصمود. (رغم أن للرجل سجله الأسود في الذاكرة الوطنية اللبنانية) ــ هذه السقطة لم تمر. إذ لم تمض دقائق حتى كانت أخبار الفضيحة حاضرة على الإنترنت ومثار استهجان البعض وسخرية وتندر البعض الآخر.
كثيرون لم ينتبهوا إلى ذلك المتغير المهم في أجواء ما بعد 25 يناير، خصوصا أولئك الذين ما برحوا ينعون إلينا الثورة ويقولون إنها إما خطفت وسرقت أو أنها لم تقع أصلا. وكنت أعتقد أن السيد عمر سليمان نائب الرئيس السابق حين أعلن عن عدم اعتزامه ترشيح نفسه للرئاسة. كان يعي أن مصر تغيرت وانتقلت إلى عصر الملفات المفتوحة، ومن ثم أدرك أنه لو تقدم للترشيح لانفتح ملفه خلال السنوات العشرين الأخيرة من حكم مبارك، ولما خرج من التجربة سالما. ومن ثم آثر الكمون وفضل أن يظل واقفا على البر، ولكن أما وقد خيَّب الرجل هذا الظن فليسمح لنا بأن نفتح الملف ونستدعي بعض عناوينه، حتى يتذكر من نسي ويفيق من غَفَل أو استعبط.
نقلا عن صحيفة الشروق القطرية