رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإخوان محبطون من الإخوان!

بوابة الوفد الإلكترونية

في إجابة له على سؤال وجهته له صحيفة «الأهرام»، السبت الماضي، قال المرشح المصري الرئاسي المحتمل، محمد سليم العوا، إنه: «شبه متأكد أنهم سوف يلتزمون بقرارهم بعدم الدفع بمرشح منهم، فلم نعتد من الإخوان التراجع عن القرارات، أظن أنهم لن يرشحوا أحدا، وخاصة بعد أزمة قرار فصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والشباب الذين ساندوه في حملته الانتخابية».

وواصل تأكيده وتحليله: « الحديث عن مرشح إخواني ورقة ضغط على القوى السياسية».
الواقع أن أصدقاء وإخوان العوا، المثقف المنتمي لتيار الإسلام السياسي، خذلوا توقعه، بل شبه تأكده حول ذلك الأمر، وصعقوا الجميع، بمن فيهم من كان يعول على دعمهم الانتخابي، مثل العوا، ودفعوا بابن الجماعة المدلل، خيرت الشاطر.
في لقاء آخر مع قناة «العربية» ذكر سليم العوا إجابة على سؤال افتراضي وجه له في حال دفع الإخوان بمرشح رئاسي لهم للرئاسة فهل سيتراجع عن خوض السباق الرئاسي، فأجاب بنعم حازمة وليست حتى شبه مؤكدة... وما زلنا نرصد ونراقب.
الحال أن حزب الحرية والعدالة ليس إلا فرعا حزبيا ملزما بطاعة «فضيلة» المرشد وأعضاء شورى الجماعة، أو قل أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي، سابقا، وعلى سبيل التشبيه حتى لا يغضب منا الإخوان.
المضحك أن بعض الإعلاميين المصريين مصابون بالدهشة هذه الأيام من تغول الإخوان المسلمين واستيلائهم على مفاصل الدولة، كما سبقت الإشارة إلى شره الإخوان المكشوف للسلطة في المقالة السابقة، وشاهدت بعضهم يتحدث في برنامج حواري عن أنه ليس هؤلاء الإخوان الذين كنا نعرفهم قبل الثورة، كأنهم غيروا لغتهم ومسارهم والأهم: وداعتهم ولطافتهم و«الشقة الصغيرة بشارع المنيل التي كان يقابل فيها فضيلة المرشد السابق» حسبما قال.
الحق أن المشكلة هي استبساط كثير من الإعلاميين والكتاب في تناول الواقع الفكري السياسي في العالم العربي، والاكتفاء بترديد جمل عابرة وثرثرات عامة حول قيمة الحرية ووجوب العدالة وتحقيق الكرامة للمواطن... إلخ، وهي الشعارات التي لمت وضمت قبل سقوط نظام مبارك أوشال من الناصريين واليسار وبعض شباب المنظمات المدنية، والإخوان طبعا، وكانت بداية هذا الحلف الهجين في حركة «كفاية» المصرية 2004. وكنا نرى بعض رموز التيار الإخواني في الميدان جنبا إلى جنب مع جورج إسحاق وعبد الحليم قنديل.
كأن الإخوان فاجأونا بكونهم جماعة سياسية في النهاية تسعى للسلطة، أو كما قال مرشد الجماعة محمد بديع في سياق هجومه الأخير على الإعلاميين غير المدجنين للجماعة في مصر واصفا إياهم بسحرة فرعون، وأضاف: نحن مؤتمنون على مكاسب الثورة المصرية. وهو نفس المنطق الذي كان عدوهم التاريخي جمال عبد الناصر يبرر بها كل أفعاله في الحكم بما فيها ضرب جماعة الإخوان نفسها!
محمد سليم العوا، قبل أن يبطل تأكيده على عدم ترشيح الجماعة لمرشح رئاسي، قال في ذلك الحوار مع جريدة «الأهرام» الذي أشرنا إليه قبل قليل مجيبا على اندهاش البعض من مناورات الإخوان السياسية: «يجب أن يفعلوا هذه المناورة وإذا لم يناوروا فكيف دخلوا انتخابات البرلمان وحصدوا أكبر عدد من المقاعد، (اللي ميعرفش يشتغل سياسة ميشتغلش سياسة)».
تعليقات الأستاذ العوا ذكرتني بحوار مع ثلة من المثقفين والمهتمين السعوديين مع الدكتور العوا، في بيت أحد المثقفين السعوديين، وكنت حاضرا هذا اللقاء، حيث شرق العوا وغرب تحدثا عن حظوظه في الرئاسة، وساردا بود علاقة الإخوان بالسعودية، وقال باندهاش مصطنع حينما سألته عن شطب مرحلة «المقاومة والممانعة» التي كان الإخوان المصريون بالذات في مرحلة مهدي عاكف منخرطين فيها بمحور إيران حزب الله ضد خطاب دول الخليج وعلى رأسها السعودية، وهل وصول الإخوان للسلطة الآن في مصر سيهدئ من نزقهم ويحول من خطابهم السياسي؟ فتحدث بطريقة سياسية مهمشا من وجود هذا المحور وتساءل عن اسمه وكأنه نسيه! رغم أنه كان من نجوم هذا المحور إعلاميا وثقافيا، وقناة «الجزيرة» خير شاهد على جهود الرجل، لكن يبدو أنه كان يمارس المناورة السياسية على طريقة الإخوان الأخيرة التي كان يعتقد صحتها، وكما قال: «اللي ميعرفش يشتغل سياسة ميشتغلش سياسة».
اللوم ليس على الإخوان فعلا في لعبهم السياسي والإعلامي، بل على من

يصم أذنيه عن سماع أي شيء يخالف الدعاية الإخوانية، إما رغبة في تصديق هؤلاء الحلفاء «الشعبيين»، أو مجرد جهل فعلا في التعرف على أدبيات وتاريخ أم الجماعات الأصولية العاملة في السياسة.
وما زلت أتذكر مشهد مثقف خليجي يدعي أنه ليبرالي وداعية مدني وهو يسير بكنف واحد من أكبر المتطرفين «المسيسين» تحت عنوان الحقوق والمطالب الإصلاحية، كان هذا قبل بضع سنوات، وقبل أن يصاب هذا النجم الصحوي بمرض عضال، شفاه الله.
البعض سيقول دعونا نجرب الإخوان ما داموا ملتزمين بقواعد اللعبة، ومع وجاهة هذا الكلام «ظاهريا» إلا أنه لا يصمد أمام الوقائع والحقائق، فالإخوان سبق تجريبهم إما علنا مثل حالة السودان، أو ضمنا مثل الأردن واليمن والكويت... ناهيك عن الحالة الإيرانية، وهي النسخة الشيعية الخمينية من طرح حسن البنا وسيد قطب. وفي الطريق نسخة حزب الدعوة ونوري المالكي في العراق الذي تشبث بالسلطة حتى بعد هزيمة حزبه في الانتخابات الأخيرة.
لم نجرب المجرب إذن؟
أما أدبيات التيار الإخواني ومن يدور في فلكه، ناهيك عن تاريخهم، فلا يبعث أبدا على الاطمئنان.
اللوم هو على من يندهش، فالأولى به أن يندهش من خفة تفكيره.
الغريب في صورة الإخوان أنهم وهم يمارسون قمة البراغماتية السياسية والنوم مع الشيطان الأميركي أو الإسرائيلي، يعطون ذلك التصرف دوما حصانة إلهية، باعتبار ذلك لونا من ألوان الدهاء المطلوب من المؤمن وتقديرا للمصالح والمفاسد و«سياسة شرعية» معتبرة، لكنهم في وصف ما يفعله خصومهم السياسيون العرب، لا يقدمون هذه الأعذار لهم، فيصير الجميع خونة ومنبطحين للصهاينة والأميركيين إن جلسوا معهم أو خاطبوهم أو وقعوا معهم اتفاقية ما.
كما أنه مما يلفت الانتباه في المشهد السياسي والثقافي العربي، خصوصا بعد «الربيع العربي» - وهذا الكلام سبق قوله في 2008 - القابلية «للتأخون» عند نسبة كبيرة من الجمهور أو من الأحزمة الثقافية والسياسية المحيطة بالإخوان، ممن يلحون على صفة الحياد «العنقائية» نسبة لطائر العنقاء الخرافي، وذلك لأن الحديث عن هذه القابلية سيقودنا إلى الحديث عن تفسير هذه الهرولة النفسية والعقلية العربية الدائمة تجاه كل من رفع شعارا سماويا أو دينيا، منذ أن رفع معاوية المصحف على الرماح، مرورا بعشرات الأمثلة والمحطات، حتى عصرنا، الذي بزغ فيه شعار «الإسلام هو الحل» الأثير لدى الإخوان المسلمين، هذا الحديث والخوض في تفاصيله صعب وشاق على النفوس والعقول، لأنه يلامس حواف جراحنا العميقة.
هل من لوم على من يمارس هذه الشطارة واللعب بورق الدين والسياسة والإعلام، ويجد في كل مرة من يصفق له، أم اللوم على من يكرر خطأ السير خلفهم كل مرة في مسار دائري مدمر، يعود كل مرة إلى نقطة البداية الخاطئة؟!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط