رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أين شجاعة المعارضة السورية؟

عبد الإله بلقزيز
عبد الإله بلقزيز

يقمع النظام السوري شعبه، ويواجه الجماعات المسلحة في الوقت عينه . ليس في وسع ديمقراطي أن يقبل بقمع المدنيين المتظاهرين، أو يسكت عنه.

وليس في وسع وطني وديمقراطي، أن يشايع جماعات مسلحة لا تقترح على الوطن إلا الحرب الأهلية باسم الحرية والديمقراطية . ثمة نقد مزدوج ينتظر المرء في مثل هذه الحال: نقد نظام تسلطي أفلتت منه أعصابه الأمنية في مواجهة مطالب مدنية مشروعة، ونقد جماعات السلاح التي تُصرّ على عسكرة التغيير وعلى توسل القوى الخارجية للتدخل تحت عنوان “حماية المدنيين”، كل قراءة للمشهد لا تأخذ المعطيين معاً في الحسبان قراءة خاطئة، انتقائية، ترى الأشياء بعين واحدة .

يقمع النظام شعبه ويواجه المسلحين . لكنه، ثالثاً، يخوض في السياسة ويقدم مبادرات . قد لا يرضى كثيرون عن هذه المبادرات، خاصة من المعارضين السوريين، ولا يرونها كافية لإجابة مطالبهم، وقد لا يكونون مخطئين في معارضتها . لكن النظام يقدم شيئاً، يقدم تنازلات سياسية ولو بالتقسيط، وهو، بهذا المعنى، يرمي بالتحدي في وجه معارضة منقسمة، مفتتة، لا تعرف ماذا تريد، ولا ما عليها أن تفعل! هو  قطعاً  لن يعطيها كل ما تريده . وهي  قطعاً  لن تحصل، بإمكاناتها المتواضعة، على كل ما تريده . والعقدة هنا، بالذات، عند منتصف الطريق بين الإرادتين .

ما الذي تريده المعارضة السورية؟

المعارضة في الخارج تريد إسقاط النظام . لم يعد يمكنها المطالبة بالإصلاحات، إما لأنها لا ترغب في حل توافقي، وإما لأنها تورطت في حمل السلاح، وإما لأن حلفاءها العرب والأجانب يملون عليها سياسة القطيعة . وهي، في الأحوال كافة، تعرف أنها لا تستطيع تحقيق هدف إسقاط النظام بإمكاناتها الذاتية المحدودة، وبجمهورها في الداخل . ولذلك، تجد نفسها مندفعة إلى المطالبة - على طريقة سابقتها العراقية والليبية - بالتدخل العسكري الأجنبي . . لإنقاذها .

أما المعارضة في الداخل، ممثلة في “جبهة التنسيق الوطنية”، وهي من يعنينا أمرها هنا، فمازالت موزعة بين خيار الإصلاح السياسي والحوار الوطني والتوافق، وقد ترصن وترشد لاءاتها الثلاثة الوطنية (لا للتدخل الخارجي، لا للعنف، لا للطائفية)، وبين التباسات شعار إسقاط النظام الذي سبق لأقلام منها أن نبهت  منذ أشهر عدة  إلى خطورة انغماس الانتفاضة فيه، قبل أن تبدأ في محاكاته: تحت وطأة ابتزاز قوى الشعار الخارجية وجمهوره الداخلي . وهي مراوحة تضيع على سوريا الكثير من فرص التسوية السياسية، وتمدد من آجال العنف وقواه: من صقور النظام وصقور المعارضة معاً .

قد نتفهم دواعي التردد لدى المعارضة الوطنية في الداخل، والتهيب من الدعوة إلى حوار سياسي مع النظام، حيث يوجد من هو

جاهز لاستغلال ذلك ضدها، وتقديمها في صورة معارضة خائنة لقضية الشعب . لكن ذلك، على فداحة آثاره إن وقع، ليس أشد وطأة على البلد من هذه الحرب الأهلية التي تنزلق إليها يوماً عن يوم، ومن احتمالات حرب خارجية عليها باسم “حماية المدنيين” . إن القيادة السياسية التاريخية هي القيادة المسؤولة عن مصير شعبها . وهي تكون كذلك - أي مسؤولة - أكانت في السلطة أم في المعارضة . والمسؤولية، التي نعني، سياسية وأخلاقية في الوقت عينه، ويمثل الإحجام عن تقلدها الخيانة الحقيقية للشعب، والمغامرة بتعريض مستقبله للمجهول . القرار السياسي الشجاع وحده يدخلها إلى التاريخ ويبني لها في المجتمع صدقية . وهو قرار تتخذه كل قيادة تثق في نفسها، وفي تمثيليتها للشعب ومطالبه، وفي أهليتها لقيادته، أي كل قيادة غير شعبوية، وغير ممتهنة لوظيفة تملق الشعب - ولو كان على خطأ - لمجرد كسب رضاه والحفاظ لنفسها على امتياز التحدث باسمه!

لا يبدو - حتى الآن - أن قيادة المعارضة في الداخل تملك هذه الشجاعة السياسية لتطلق برنامج تسوية سياسية ووفاق وطني، وتقطع الطريق على مشهد الحرب الأهلية الذي يخوض فيه صقور الحل الأمني من النظام، وصقور عسكرة الانتفاضة وتوسل التدخل الأجنبي من المعارضة في الخارج . وهو ما يفسر ترددها، وشللها، وهامشيتها السياسية، على الرغم من كل ذلك الرأسمال الرمزي الثمين الذي لديها كمعارضة عريقة ومقيمة في الداخل . ولعلها، هنا، دون شجاعة المعارضة اليمنية التي ما ترددت في تحمل مسؤولية فرضها عليها ميزان القوى، الذي استقرت عليه المعركة بين الشعب والنظام، فدخلت معترك الحل السياسي التشاركي، كي توفر على البلد ويلات حرب أهلية كاد ينزلق إليها .

نقلا عن صحيفة الخليج الاماراتية