عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الجماعة» التي لا تصدق أنها لم تعد «محظورة»؟

سليمان جودة
سليمان جودة

يبدو التصعيد المتبادل في العلاقة بين جماعة الإخوان، من ناحية، والمجلس العسكري الحاكم في القاهرة، من ناحية أخرى، لغزا يستعصي على الفهم هذه الأيام. وإذا كان هناك بيننا من سوف يزعم، أنه يعرف الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا التصعيد المفاجئ، فهو يخدع نفسه، قبل أن يخدع الناس، لا لشيء، إلا لأن الأسباب المعلنة من الطرفين، بشكل عام، ومن طرف الإخوان بشكل خاص، غير مقنعة، وبالتالي، تظل هناك أسباب أخرى خفية لدى كل طرف، تدفعه إلى أن يصعد الأمور فيما يخصه.

جماعة الإخوان من جانبها، راحت تعلن مرارا، على لسان قادة حزب «الحرية والعدالة» الذي يعبر عنها، أنها ترغب في أن يقدم الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الحكومة، استقالته، ليتولى «الحرية والعدالة» تشكيل حكومة جديدة، تأتي ائتلافية، بين الإخوان، والأحزاب الأخرى صاحبة التمثيل الكبير في البرلمان. إذ الثابت، حتى الآن، أن هناك ثلاث كتل برلمانية كبيرة: الأولى تخص حزب الحرية والعدالة، والثانية تخص حزب النور السلفي، والثالثة تخص حزب الوفد الليبرالي. وما دون ذلك، فهو تمثيل صغير لا يكاد يذكر.
والشيء الذي سوف يجعلك تشك في أن حكاية الحكومة، هذه، تصلح لأن تكون سببا للتصعيد المتبادل، أصلا، هو أن هذه النبرة في الكلام، من جانب الإخوان، كجماعة وحزب معا، لم تظهر إلا في الوقت الحالي. فعندما اكتمل تشكيل البرلمان، بصورته الحالية، قبل شهرين ونصف الشهر، لم يذكر الإخوان من قريب، ولا من بعيد، شيئا عن حقهم كأصحاب أغلبية نسبية في البرلمان، في تشكيل حكومة ائتلافية مع غيرهم.
والحقيقة أنهم حين لم يذكروا ذلك، فإنهم لم يمتنعوا مبكرا عن إبداء مثل هذه الرغبة، على سبيل التفضل، أو الزهد في الحكم، وإنما امتنعوا لأنهم يعرفون جيدا، أن حكاية تشكيل حكومة جديدة، ليست من حقهم أساسا، وأن الإعلان الدستوري الصادر في مارس (آذار) قبل الماضي، يعطي هذا الحق للمجلس العسكري وحده، دون سواه، بشكل واضح، وقاطع، وبالتالي، فإن الكلام فيه، على مستوى الجماعة الإخوانية، يظل نوعا من العبث، ويظل تبديدا لطاقة المجتمع فيما لا يجدي ولا يفيد.
والشيء اللافت للانتباه، أن الجماعة الإخوانية، رغم أنها تدرك ذلك إدراكا تاما، ورغم أنها تعرف بينها وبين نفسها، أن «العسكري» لن يسمح لها بما تسميه «سحب الثقة من حكومة الجنزوري» فإنها لا تتوقف عن ترديد هذه النغمة على مدى ساعات الليل والنهار، ولا تكاد جلسة من جلسات البرلمان تنعقد، إلا وتكون قد سبقتها أحاديث إعلامية طويلة وعريضة، عن أن البرلمان سوف يسحب الثقة من الحكومة فيها. أي في كل جلسة برلمانية جديدة. وقد طال الأمر، حتى صار سخيفا، ومملا، ومثيرا للزهق والقرف، وأصبحنا أشبه ما نكون بقصة الرجل الذي كان قد كتب على باب مطعم يملكه العبارة التالية: الأكل غدا.. مجانا.
وكان الرجل كلما جاء يوم جديد، جاءه رواد المطعم وزبائنه يسألونه أن يفي بوعده، فيأخذ كل واحد منهم من يده، برفق، إلى باب المطعم، ويطلب منه، بهدوء، أن يعيد قراءة اللافتة، فيقرأ المسكين: الأكل غدا مجانا. فيكرر صاحب المطعم وراءه، القراءة، بما يعني أن عليه أن يأتي غدا، فإذا جاء الغد، كان المعنى كما هو، دون تغير، وإلى الأبد. وهكذا. فإن المسألة انطوت في النهاية، من جانب صاحب المطعم إياه، على خدعة كبرى، وقد ظل كل زبون من زبائنه، يمني نفسه، بوجبة مجانية، ذات يوم، دون أن يتحقق ذلك أبدا.
شيء من هذا، بل هذا نفسه، هو ما راحت الجماعة الإخوانية تمارسه مع الناس، الذين أعطوها أصواتهم في انتخابات البرلمان الأخيرة. وقد كان كل عاقل يتابع هذا المسلسل العبثي، يسأل نفسه، ولا يزال: إذا كانت الجماعة تؤكد - ولا تهدد فقط - صباح كل يوم، بأنها سوف تسحب الثقة من حكومة الجنزوري، فلماذا لا تسحبها إذن؟! وما

الذي بالضبط يمنعها؟! اللهم إلا إذا كان الموضوع على بعضه كلاما في كلام.
كان عقلاء البلد، يتابعون المشهد، يوما بعد يوم، ولا يزالون، ولسان حالهم يقول: إذا كان الإخوان قادرين على سحب الثقة، فعلا، فإن عليهم أن يسحبوها، ليريحوا، ويستريحوا، ونلتفت نحن، بالتالي، إلى ما هو أهم، وإذا لم يكونوا قادرين - وهذه هي الحقيقة - فإن عليهم أن يتوقفوا فورا، عن هذه التأكيدات والتهديدات الهزلية التي لا يتحقق منها شيء، ومع ذلك فإنهم ماضون فيها بتلذذ عجيب وغريب.
الموضوع من أوله إلى آخره، يكشف لك، عن أن الإخوان ليسوا جادين فيما يقولون، وأنهم عاجزون بالفعل عن تحويل كلامهم إلى حقيقة على الأرض، ولذلك، تتوقف محاولاتهم في هذا الاتجاه، عند حدود الابتزاز المتواصل، ليس فقط للحكومة، وإنما للمجلس العسكري نفسه، بما جعله يصدر بيانا مفاجئا قرأه المشير طنطاوي على الهواء مباشرة، وراح فيه يعيد تذكير الجماعة بما كان بينها وبين عبد الناصر عام 54 عندما راحت تمارس معه ألاعيب من هذا النوع، فانهدم المعبد فوق رأسها، ودخل كثيرون من أعضائها، السجون، وظلت منذ عام 1954 إلى عام 2011 تسمى الجماعة المحظورة، فلما فك عنها النظام الجديد، بعد ثورة 25 يناير، حظرها القديم، عادت إلى ما كانت قد بدأت به، في بدايات الخمسينيات، دون أن تأخذ دروسا من ماضيها لحاضرها.
غاية القول، أن حكومة الجنزوري، ليست هي الهدف، ولا هي السبب، في هذا التصعيد المتبادل، وإنما تبقى الحكومة، والحال هكذا، ورقة تظن جماعة الإخوان أنها يمكن أن تلاعب بها العسكري، فتحصل منه على ما لا تريد أن تعلن عنه، على الملأ.
ظني، وبعض الظن ليس إثما، أن الأمر يتعلق في النهاية بانتخابات الرئاسة، وقبلها، بمعركة وضع الدستور الدائرة حاليا. ففيهما معا، تبدو الجماعة الإخوانية مهزومة، وقد تبدو بلا دور، وليس أمامها، إزاء وضع هذه هي ملامحه، إلا أن تتخذ من الحكومة القائمة، أداة للعب مع المجلس العسكري، خصوصا أنها تعرف أن العسكري كان قد قال، عند بدء تكليف الجنزوري بتشكيل حكومته، إنها حكومة قائمة إلى يوم مجيء رئيس منتخب للبلاد، أي إلى آخر يونيو (حزيران) المقبل.. فما معنى هذا كله. معناه، فيما هو ظاهر أمامنا، أن جماعة الإخوان لا تريد أن تصدق أنها أصبحت غير محظورة، ولا تزال، لهذا السبب، تتصرف في أيام فك الحظر، بنفس عقلية ومنطق أيام الحظر. وهذا خطر عليها، قبل أن يكون خطرا على أي طرف آخر في العملية السياسية برمتها.
نقلا عن صحيفة الحياة