رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

احكمونا باسمكم وليس باسم الله

بوابة الوفد الإلكترونية

يخرج الجائع - على سبيل المثال - ويشهر سلاحه لأنه لا يجد ما يأكل، والسبب الحقيقي وراء إشهار السلاح هو الجوع، لكن الجياع لا يقولون مطلقا إن حروبهم ضد من أخذوا لقمة عيشهم سببها الجوع، لأن الجوع للطعام شهوة، والشهوة ضعف، والمحارب لا يكون ضعيفا، أو لا ينبغي له أن يكون.

كيف يتصرف الجائع إذن؟ الحل أن يدعي الجائع أنه خرج من أجل قومه أو وطنه أو دينه، وهي تسميات مراوغة غير محددة المفاهيم لكي يتمكن الجائع من إخفاء الأسباب الحقيقية لثورته تحتها. ينطلق الجائع ليقول إن وراء ثورته أسبابا وطنية أو قومية أو حتى دينية، متجاهلا أن الجوع هو السبب الحقيقي لثورته.
وشبيه بذلك انطلاقة المغامر المتعطش للسلطة، المغامر في سبيل الحصول على القوة، يشهر هو الآخر سلاحه من أجل إشباع شهوة السلطة، لكنه لا يفصح إطلاقا عن ذلك، لا يقول، على سبيل المثال، إنني أحارب لأن لدي شهوة غير محدودة للوصول إلى السلطة تجري في دمي كما تجري شهوة الطعام في عروق الجائعين.
شهوة السلطة نوع من العيب، هي كالجوع واشتهاء الطعام، ينبغي أن نغطيها ونسترها، لذلك يخرج المغامر الباحث عن السلطة لا ليقول للناس أعطوني سلطة، أعطوني كرسيا، ولكنه يقول للناس إنني أحارب من أجل وطني وقومي وديني، من أجل قيم الديمقراطية والحرية والعدالة، لكي يخفي وراء قميص تلك القيم الجميلة شهوته الحقيقية للسلطة.
وعندما يفوز الباحث عن السلطة بمطلبه وتؤول السلطة إليه، فإن السبب الحقيقي لخروجه وثورته يبدأ يتكشف للناس، إذ يبدأ بالتنكر للقوم والوطن والدين والقيم التي ستر بقميصها شهوته للحكم ورغبته في السلطة، فكم من ثوار قاموا بثورة من أجل الشعب وذبحوه، ومن أجل الوطن فأزروا به، ومن أجل الدين فشوهوه، ومن أجل الديمقراطية فكانوا أمثلة تاريخية للديكتاتوريات في العالم.
ألم يأت كل الديكتاتوريين العرب إلى الحكم من أجل الدفاع عن مصالح الشعب؟ ماذا فعلوا بالشعوب إذن؟ وهتلر ألم يصل إلى السلطة باسم القومية الألمانية التي غذتها فلسفة نيتشه؟ ماذا فعل هتلر بألمانيا إذن؟ أما أئمة اليمن فلم يكن لهم أبدا طمع في الحكم ولكنهم جاءوا من أجل إقامة الدين ومذهب آل البيت وإدخال الناس الجنة من بوابة الإمامة. ماذا فعلوا بالبلاد طيلة ألف عام من التجهيل والتمييز والعنصرية؟ ولماذا قتل بعضهم بعضا وهم إنما حكموا من أجل أن يدخلوا ويدخلونا معهم الجنة؟ السبب الحقيقي لتحريك التاريخ إذن ليس الحمية الوطنية أو الدينية أو القومية، ولكنها شهوة السلطة هي المحفز الرئيسي للتاريخ السياسي، السبب ليس الروح الجمعية والمصلحة الاجتماعية، ولكنها الروح الغريزية الفردية والمصلحة الذاتية التي استطاعت تسويق نفسها على أنها مصلحة عامة وإرادة شعبية، بل وفي الحالة الثيوقراطية تم تغليف الإرادة الفردية وتسويقها على أنها إرادة إلهية، كما تحدث بعض الأئمة «أنا قدر الله.. أنا إرادة الله».
ماذا لو أن أهل المضارب الممتدة بين الماءين اعترفوا أنهم في كل ثوراتهم، أو في معظمها، يعدون طامحين للسلطة والقوة والكراسي؟ وبدلا من لف شهوة السلطة بقميص ديني أو وطني أو قومي أو

ديمقراطي قيمي، بدلا من ذلك ماذا لو صارحونا وصارحوا أنفسهم بأنهم يسعون للسلطة؟ هل في الأمر خطيئة؟ لا بالطبع. الميل للسلطة والسعي إليها غريزة إنسانية كالميل للطعام وغيره، ليست في حد ذاتها عيبا إذا هذبت، وأبعدت عنها الأردية الزائفة التي توضع عليها للتعمية والتلبيس على الناس. العيب هو تغليف الذات في ثوب الآخر، والفردي في قميص الجمعي، والدنيوي في مظهر الديني، وتغليف إرادة المخلوق بإرادة الخالق، وهذا ما لا نريد.
ومن فوائد اعتراف الثائرين بأنهم يسعون للسلطة أن الناس يكونون على دراية من البداية بالمغزى السياسي للثورة، وبالتالي فإن على من يريد أن يخوض حربا للوصول إلى السلطة أن يغير من وسائله وأدواته وأدبياته. سيكون عليه أن يتخفف من الخطاب الوطني الزائف، أو الديني المشحون، أو القومي الفارغ، أو القيمي المخادع، وسيكون عليه أن يقدم عوضا عن ذلك برامج عمل سياسية واقتصادية تقنع الناخب في بلاده بجدوى سعيه الحثيث للسلطة، وتطمئن هذا الناخب إلى أن شهوة السلطة لدى هذا الطامح أو ذاك لن تكون مدمرة للثائر والمجتمع على حد سواء. في الغرب جرى صراع تاريخي مرير على السلطة بين الطامحين إليها، مرة لبس ثوبا دينيا فاستعرت حروب بين الكاثوليك والبروتستانت، وأخرى لبس ثوبا عنصريا قوميا فاستعرت حروب بين ملوك إنجلترا وأسكوتلندا في بريطانيا، على سبيل المثال، على اعتبار أن كل ملك ما هو إلا مدافع عن الشخصية القومية لشعبه، حسب ادعاءات هؤلاء الملوك الطامحين لعروش لندن وإدنبرة.
وهكذا سالت أنهار الدماء برايات مختلفة تخفي الأهداف الحقيقية للصراع، تلك الأهداف المتلخصة في حب السيطرة والسلطة لدى هؤلاء المغامرين الذين خرجوا للبريطانيين في صورة ملوك، كما خرجوا لنا في صورة ثوار، ثم رؤساء جمهوريين، إلى أن انتهوا رؤساء جملكيين.
ومع الزمن تنبه البريطانيون، والغرب عموما، إلى خطورة أن يخرج ثائر بدوافع سياسية تتمثل في الوصول إلى السلطة، تحت راية دينية أو وطنية أو قومية. وعندما تنبهوا لذلك، قرروا أن المشكل الأساسي هو الصراع على السلطة، ويأتي ضمنه الصراع على الثروة؛ لأن الثروة سلطة بمعنى أو بآخر، وعندما قرروا أن المشكل سياسي في جوهره درسوا الكيفية التي يمكن للطامح سياسيا أن يصل إلى السلطة بها، ووصلوا إلى أن الكيفية هي رضا الناس والتوافق للوصول إلى السلطة، وهذا الرضا يعبر عنه الناس بالاقتراع واختيار من يصل إلى السلطة من بين المغامرين والمتصارعين عليها.
ويكون ذلك على أساس إقناع الناخب ببرنامج عمل سياسي، فيه حلول واقعية لمشكلات اجتماعية واقتصادية قائمة، وليس بخطاب وطني أو قومي أو
ديني أو قيمي أو ثوري مفرغ من مضامينه. وبعد أن فهم الناس في الغرب طبيعة الصراع، وقننوا آلياته خف لديهم الرهاب الديني والعصاب الوطني والشوفينية القومية، وتمازج الناس من مختلف الأديان والمذاهب والأعراق والأوطان، وهم على علم بأنهم ذوو احتياجات وغرائز منظمة لا يمكن إغفالها أو تجاوزها، ولا يفضل سترها بأردية زائفة.
علينا إذن أن نشعر بحساسية تجاه كل من يرفع شعارا من الشعارات التي خدعنا بها في الفترة السابقة، وعلينا في بلدان الربيع العربي خاصة ألا نسمع لمن يأتي ليقول لنا إنه يحكمنا باسم الوطنية أو القومية أو باسم الله. نريد أن نقول لحكامنا الجدد احكمونا باسمكم أنتم، وليس باسم من الأسماء التي يمكن أن تكون ستارا لرغباتكم في الحكم وشهواتكم للسلطة.
كيف لي أن أحاسب من يحكمني باسم الله - على سبيل المثال - إذا فشل؟ أليس من الأفضل أن يحكمني باسمه هو حتى أستطيع محاسبته إذا أخطأ؟ بالطبع ذلك لا يعني المساس إطلاقا بالدين وقداسته، أو الشريعة وحكمتها، ولكنه يعني أن الحكم والسياسة من مسائل الاجتهاد التي يرِد على من يقوم بها الخطأ، وبالتالي فإن من يمارسها عليه أن يعلن للناس أنه ليس على قداسة تمنع الناس من محاسبته إذا أخطأ، كما يعني ذلك تحصين الدين ضد أن يكون مسيسا لصالح الحاكم، أو أن يكون وسيلة في يد الطامعين في السلطة لتغطية شهواتهم في الحكم والرئاسة.
بإمكان الحاكم أن يتبنى برامج حكم تتكئ على تراث الإسلام، لكن عليه ألا يزعم لنا أنه يحكمنا باسم الله، أو بتفويض إلهي، لمجرد أنه يجتهد في برامجه وفقا لتعاليم الإسلام، عليه ألا يقول إنه يطبق فينا حكم الله، لسبب بسيط، وهو أنه إنما يجتهد في معرفة حكم الله، قد يصيبه وقد يخطئه، عليه أن يفرق بين حكمه شخصيا وبين حكم الله؛ لأن حكمه بشري اجتهادي قابل للنقض والخطأ، بينما حكم الله إلهي مطلق غير قابل للنقض أو الخطأ.
عليه أن يقول إنني جئت بمحض إرادتي للسلطة، لأن لدي شهوة الحكم، وليس لأني أريد الجنة لي ولكم، لأن الطريق إلى الجنة لا يمر عبر القصور الرئاسية على أي حال، عليه أن يقنعنا أن لديه برامج سياسية لتعمير دنيانا، وليس برامج دينية لتعمير الجنة؛ لأن الجنة قد عمرت لأهلها منذ زمن طويل، ولأننا بعد ألف سنة من حكم الأئمة وغيرهم لن نقبل أن يحكمنا من يقول إنه ضحى براحته من أجل أن يسوقنا إلى الجنة.
وهنا تجدر الإشارة إلى حديث واضح في مسألة حكم الله وحكم البشر؛ عن بُرَيْدَة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «... وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا»، رواه مسلم. هل يعي قادة الحركات الإسلامية التي تتحفز للوصول للسلطة - وهذا حقها - أنهم يجب ألا يحكمونا باسم الله ولكن باسمهم هم، إذ ربما لا يصيبون حكم الله فينا.
يجب أن يحكمونا باسمهم حتى نستطيع محاسبتهم إذا أخطأوا، لأن الحكم باسم الله يعني أن يجنوا ثمرة السلطة لأنفسهم باسمه وإلقاء تبعاتها عليه، تعالى الله عن ذلك. عليهم أن يحكمونا باسمهم هم لأن كل الناس يستخدمون اسم الله، فحتى اللص عندما يدير المفتاح في الخزنة يقول «بسم الله»، وهم ليسوا بلصوص، ولكن أهل مطالب مشروعة في الوصول إلى السلطة.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط