رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أدب الخلاف

بوابة الوفد الإلكترونية

قد يبدو هذا العنوان مستعاراً من أحد كتب المواعظ، أو من حقبة رومانسية ظن الناس أنهم ودعوها إلى الأبد ليدخلوا عصراً برغماتياً وذرائعياً يخلو من الكوابح كلّها، ما دام كل شيء مباحاً، والحقيقة أن ما انتهت إليه الحوارات الأشبه بالمصارعة الحرة من اجتياح لكل الخطوط وأحكام مطلقة بمعزل عن أية قرائن أو حيثيات يتطلب وقفة مطولة، لإعادة تعريف حتى ما اعتقدنا أنه من البديهيات، ومنه حدود الذات والآخر، والاعتراف بأن الحقائق غير قابلة للاحتكار، وأن الصّواب والخطأ نسبيّان . إلى الحدّ الذي دفع مؤرخين إلى تعريف التاريخ برمّته بأنه سجل الأخطاء، والعلماء إلى تعريف العلم بأنه سجل المحاولات، لهذا لم ينته التاريخ بعد والعلم لم توصد أبوابه .

لقد عرّف أسلافنا من البلغاء العلاقات الإنسانية المعقدة ضمن سلسلة من الآداب بدءاً من أدب الاختلاف وليس انتهاء بأدب المائدة، لكن ما يحدث الآن هو عصيان وعقوق لكل ما تقطر من خبرة مئات الأجيال، كأن الحياة تبدأ للتو، ومن حق كل حيّ أن يقترح ما يراه وصفة شاملة على الآخرين التقيد بها، بالضبط كما فعل السوفسطائيون عندما جعلوا من الفرد مقياس كل شيء، ومثلما فعل الأبيقوريون عندما جعلوا من اللذة معياراً مطلقاً للحكم على الأشياء، وبمعزل عن الأذى الذي يلحق بعد ذلك بالذات والآخرين على السواء .

بالطَّبع، ما من قائمة يمكن تقديمها حول العناصر التي يتشكل من مجموعها أدب الاختلاف، لأن ما كدحت البشرية من أجله لم يذهب هباء بحيث نبدأ من الصفر أو من أول السطر، فالاختلاف إفراز حضاري، بعكس التماثل الذي يفقر الأنواع ويجعل أي شيء منها ينوب عن الآخر، كما لو أنه بيضة دجاجة أو مسمار أو قطعة غيار .

لكن ثنائية الاختلاف والائتلاف لها وجوه عدة، فأحياناً يغتني الاختلاف بالتنوع، إذا كانت هناك جدلية فاعلة بين الآراء المتباينة لكنه قد يندفع إلى الاشتباك وبالتالي التآكل بديلاً للتكامل إذا لم نحسن التعامل مع كيميائه، وأرقى أنماط الاختلاف هو ائتلاف بشكل أو بآخر

لأنه يسعى إلى ما يسمى تدوير الزوايا الحادة، أو بعبارة علماء الفيزياء إلى تسنين الكتل التي ترتطم ببعضها بعضاً ويؤدي الاحتكاك إلى اشتعالها .

وأول شرط لأدب الخلاف كي يتحول من موعظة إلى تجربة ميدانية وحاجة مجتمعية هو التحرر من تضخم الذات ونرجسيتها، وبأنها ليست معصومة، فما كان لفلسفة الإقصاء والنبذ أن تؤدي إلى تهميش ملايين البشر وربما ملياراتهم كما هو الحال في عصرنا، لولا ما انتجته النرجسيات السياسية والاجتماعية من أوهام .

وكما أن الإنسان لا يتعلم السباحة على الرمال أو على سريره، فإن ثقافة الاختلاف كذلك لا يمكن تلقينها نظرياً وبلا تأهيل ميداني، لهذا بدأ علماء النفس ينصحون الآباء والأمهات الموسرين والقادرين على إحضار كل ألعاب الأطفال إلى بيوتهم بأن يفعلوا شيئاً آخر، هو أن يزجّوا بأطفالهم وسط مجموعات من الأطفال الآخرين كي يقاسموهم الألعاب ويتبادلوا معهم الأدوار وبالتالي يتهيأون لقبول الآخر بوصفه شريكاً وليس غريماً . وثمة من يبسّطون مثل هذه الأمور التي أصبحت من صلب اهتمام العلماء بمقولات شائعة وفاقدة للمحتوى لفرط التكرار .

إن قبول الآخر يتطلب أولاً الاعتراف به وبحريته، وهذا مرتبط عضوياً بالاعتراف بحدود الذات، ومجال حريتها، وقد يكون الاختلاف أيضاً مع النفس، ولولا ذلك ما كانت هناك توبة بالمعنى الديني ونقد للذات، بالمعنى النفسي والثقافي .
نقلا عن صحيفة الخليج