عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد شومان يكتب : هل الديموقراطية تتراجع في العالم؟

محمد شومان
محمد شومان

مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990، تراجع الفكر الشمولي وانهار كثير من نظم الحكم السلطوي، وبدا العالم وكأنه على وشك إعلان موت السلطوية، التي تتحمل المسؤولية عن إشعال حروب مدمرة وأحداث كوارث ومآسٍ تتعارض مع القيم الإنسانية وحقوق الإنسان. وفي سياق ما عُرف بالموجة الديموقراطية الثالثة (1974- 2005) تحولت عشرات الدول من السلطوية بدرجاتها إلى الديموقراطية بدرجاتها، وسادت فكرة أو وهم «نهاية التاريخ» وهيمنة الديموقراطية كنموذج وحيد للحياة، وجرى الترويج لمقولة إن كل دول العالم في طريقها للديموقراطية.

لكن منذ سنوات قليلة بدا كأن عمليات التحول للديموقراطية قد أصابها الجمود، ودار جدل ونقاش حول حقيقة الديموقراطية ومنافعها... وهل تراجعت؟ وحقيقة السلطوية وما يمكن أن تقدمه بعض نماذجها من نجاح تنموي، واستقرار سياسي، ورضا شعبي. في هذا السياق يطرح النموذج الصيني كدليل على إمكانية استمرار السلطوية ونجاحها، كما يطرح نموذج بوتين في روسيا والذي نجح في استعادة استقلال ومكانة روسيا في وجه الغرب بعد فترة المهانة الوطنية إبان حكم يلتسين. هكذا أصبح الجدل في شأن تقدم أم تراجع الديموقراطية أحد أهم موضوعات النقاش التي تشغل الفكر العالمي ومراكز البحوث واتخاذ القرار، والملاحظ أن الموضوع يطرح بإلحاح كلما نجحت دولة أو أكثر في التحول الديموقراطي أو تعثرت، وقد طرح ذلك أخيراً بعدما قرر الحزب الشيوعي الحاكم في الصين إطلاق مدد الرئاسة للرئيس الصيني، وبعد أن فاز بوتين بفترة رئاسية جديدة، حيث ينظر إلى الحدثين إضافة إلى ما يجري في تركيا أوردغان نوعاً من العودة التدريجية إلى السلطوية.

ووفق الإحصاءات والتقارير الدولية التي ترصد عمليات التحول الديموقراطي، فإنه مع بداية الموجة الثالثة للديموقراطية عام 1974، كانت هناك فقط 46 دولة تمثل 30 في المئة من دول العالم المستقلة هي التي تفي بمعايير الديموقراطية الانتخابية، وكانت معظم هذه الدول هي دول الغربية المتقدمة، بالإضافة إلى بعض ديموقراطيات أخرى نامية، مثل الهند، وسريلانكا، وكوستاريكا، وكولومبيا، وفنزويلا، وتركيا. ولكن في الفترة من 1974 إلى 2005 اتسعت الديموقراطية في العالم وشملت دولاً في أميركا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء حتى وصل عدد الدول الديموقراطية ما بين 114 إلى 119 عامي 2005 و2006. أي بنسبة 60 في المئة في المئة من دول العالم، بينما ارتفعت هذه النسبة عام 2016 لتصل إلى 68 في المئة من السكان في 132 دولة. ورغم هذه الأرقام والانتشار الواسع لما يعرف بالنظم الديموقراطية، فإن هناك من يرى أنها تتراجع وأصبحت أضعف مما كانت عليه مقارنة بما كانت عليه في مطلع هذا القرن.

القصد أصبحت أغلبية دول العالم تعيش في إطار درجة من درجات الديموقراطية، وهنا لابد من مراجعة مفهومي الديموقراطية والسلطوية لأن هناك فروقاً واضحة داخل الدول التي تعرف بالديموقراطية أو الدولة التي توصف بأنها سلطوية، وثمة درجات وأنماط من الديموقراطية والسلطوية، وهناك أيضاً ما يعرف بالديموقراطية المقيدة أو السلطوية التعددية، ثم هناك المنطقة الرمادية التي تجمع بين بعض مظاهر وآليات الديموقراطية والشمولية. فقد تعتمد بعض الدول على الانتخابات لكنها تقيد المجال العام وتحاصر الحريات المدنية، وبطبيعة الحال هناك درجات من القيود المفروضة على المجال العام وحرية الرأي والتعبير. بكلمات أخرى من النادر العثور على نموذج مثالي ونقي تماماً للديموقراطية، أو السلطوية في عصر العولمة وسطوة رأس المال وانتشار تكنولوجيا الاتصال والإنترنت، لكن يبقى إمكان التمييز بين أنظمة يحترم التعددية والتنوع والحقوق المدنية والانتخابات والفصل بين السلطات، وأنظمة أخرى تمنع كل هذه الحقوق والممارسات بدرجة أو بأخرى.

والمعروف أن أكثر الإحصاءات والتقارير الخاصة بالديموقراطية والسلطوية تصدر عن منظمات غربية، وتعتمد في تقاريرها على معايير متعددة أغلبها ذا طابع كمي فقط (أرقام ونسب ومقاييس) وتستبعد المؤشرات الكيفية، وذلك رغم أهميتها الشديدة وضرورة استطلاع آراء المواطنين في دول العالم، لكن تثار هنا إشكالية مدى حرية الناس في التعبير عن آرائهم في ظل نظم سلطوية، وكذلك إشكالية مشروعية الاعتماد على الدولة كوحدة للقياس ما يعني أن تتساوى دولة صغيرة سكانها لا يزيد على مليون نسمة مع دولة عملاقة كالصين أو الهند. وبغض النظر عن مدى دقة وموضوعية المؤشرات الغربية التي تقيس تقدم أو انحسار الديموقراطية فإن هناك قراءات مختلفة– كما سبقت الإشارة- لما تقدمه هذه المؤشرات والتقارير من معلومات واستخلاصات أهمها أن الديموقراطية لا تتراجع، وإنما تعاني من ركود أو تباطؤ بسبب ما تواجه من أزمات ومشكلات، لعل أهمها، أزمة النماذج الديموقراطية التي تعاني من ضعف في صدقيتها نتيجة زيادة دور رأس المال السياسي والإنفاق

على الحملات الانتخابية، وتراجع مستويات المشاركة. أضف إلى ذلك ظهور أزمات اقتصادية حادة، ونمو ملحوظ في الاتجاهات الشعبوية القوموية أو الدينية المتطرفة، التي لا تحترم كثيراً القيم والآليات الديموقراطية وتعادي الأجانب وتتخوف من العولمة وترفض نتائجها، ومن الواضح أن التهديدات الأمنية ومخاطر الإرهاب وموجات المهاجرين... كل ذلك يربك قيم وآليات الديموقراطية ويقلص من ثقتها بنفسها ودورها المزعوم في نشر الديموقراطية.

والحقيقة أن ادعاء الديموقراطيات الغربية نشر الديموقراطية والتبشير بها في العالم هي مسألة محل نقد ونقاش ممتد منذ سنوات طويلة، لأن كثيراً من الوقائع والمعطيات التاريخية تؤكد أن المصالح الاقتصادية والجيوسياسية تدفع النخب السياسية في الدول الديموقراطية للسكوت على انتهاكات حقوق الإنسان وهيمنة التسلطية على شعوبها. والمعادلة ببساطة هي أن وجود أنظمة ديموقراطية في دول الجنوب سيقلص من مكاسب الحكومات الغربية، والمزايا التي تحصل عليها من خلال التعامل مع أنظمة تسلطية، لأن الأخيرة تعاني من ضعف في مشروعيتها لذلك تسعى للحصول على دعم أو سند خارجي مهما كلفها ذلك من تنازلات، لا سيما وأن الأنظمة التسلطية تتصرف بحرية في موارد بلادها من دون رقابة شعبية حقيقية.

وأتصور أن محدودية الدعم المقدم لتجارب التحول الديموقراطي فضلاً عن ازدواجية المعايير التي تستخدمها الديموقراطيات الغربية، قد أدى- ضمن أسباب أخرى- إلى تعثر ثورات شرق أوروبا وثورات ما يعرف بالربيع العربي، من جانب آخر فإن الإصرار على الربط بين التحول الديموقراطي والرأسمالية المتوحشة في عصر العولمة قد خلق مشكلات اجتماعية صعبة في دول التحول الديموقراطي في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية. ولا شك أن تعثر بعض الثورات والفشل الاقتصادي لبعض تجارب التحول الديموقراطي قد منح السلطوية قدراً من الجاذبية لدى قطاعات واسعة من الشعوب، التي تبحث عن الاستقرار والحفاظ على كيان الدولة، ومحاربة الإرهاب علاوة على تحسين أوضاع الاقتصاد، من هنا يغري النجاح الاقتصادي للصين كثيراً من نخب وشعوب دول الجنوب على استعادة السلطوية التي تعني، وفق النموذج الصيني، التركيز على الاقتصاد ومنحه الأولوية وتأجيل الديموقراطية وبعض الحقوق المدنية. لكن يغيب على هؤلاء السلطويين الجدد أن الصين حققت معدلات نمو مرتفعة تزيد على 10 في المئة لسنوات متوالية، وهو تحد قد لا يمكنهم تحقيقه، كما يغيب عليهم أيضاً أن الصين ستواجه بعد سنوات قليلة صعوبات تحقيق نمو سنوي يفوق الـ5 في المائة، لأن تحقيق مستويات أقل من ذلك ولعدة سنوات متوالية قد يؤدي إلى انهيار النظام، كما يقول بعض المعارضين للحكومة الصينية.

وأخيراً، هناك إشكاليات أخرى أهم وهي أن التقدم الاقتصادي والتعليم وتطور مستويات المعيشة، قد يؤدي إلى ظهور طلب قوي على الحقوق المدنية والديموقراطية في الصين وفي غيرها من النظم السلطوية، كذلك فإن هناك تحدياً كبيراً يتعلق بقدرة الدول التسلطية في العالم على تأجيل الديموقراطية في عصر الإنترنت والتشبيك وثورة المعلومات والعولمة، ثم هل يمكن فرض حصار على تدفق المعلومات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، كما تحاول أن تفعل ذلك الصين وإيران؟.

نقلا عن صحيفة الحياة