رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

النعمتان

سمير عطا الله
سمير عطا الله

الذاكرة نعمتان، نعمة التذكر ونعمة النسيان. تصور الإنسان من دون ذاكرة، ينسى تاريخه، وعنوان منزله ودرس العلوم، وتخيله لا ينسى عذابه وجهله وأيام رعونته. خُلقنا بذاكرة من أجل أن ننسى وأن نتذكر. أن نسعد وأن نشقى ونشعر بالذنب. ونسميها أحيانا الضمير، لأن دروسها تعيننا على التمييز في التعامل مع الحياة.

بعضنا لا يتذكر إلا ما يجب أن ينسى. وبعضنا لا ينسى إلا ما يجب ألا ينسى. وفي ذلك راحة لصاحبه، لكنها راحة الخطأ. ويله عندما يفيق، أو عندما ترفض ذاكرته إطاعته.
يتلاعب بنا المؤرخون، أحيانا عن خبث وأحيانا عن غباء وأحيانا لأن هذا أفضل ما لديهم. لكن لا سبيل لنا في معظم الحالات، سوى الاعتماد على مجهودهم. لا يمكن أن يصل إلينا التاريخ كاملا. ما من قدرة بشرية تنقل تفاصيله وما من طاقة بشرية قادرة على قراءتها. ولكن لا سبيل لنا إلا المؤرخون، بعواطفهم ومشاعرهم وهفواتهم وموضوعيتهم، أو من دونها.
ليس في لبنان إلى اليوم كتاب تاريخي مدرسي موحد، لأن هناك أكثر من ذاكرة. ولأن أي مؤرخ موضوعي منهجي وعلمي، سوف يبدو عند فصل ما، لفريق ما، منحازا غير موضوعي. عندما وضع أمين معلوف «الحروب الصليبية كما يراها العرب» أحدث فارقا علميا مهما في الغرب الذي اعتاد على قراءة المرحلة وفقا لمؤرخيه. اضطر القارئ الغربي إلى إعادة النظر في ما اعتبره طوال قرون حقائق لا شكوك فيها.
الذاكرة البشرية تميل دائما إلى «البطل» ولا وقت لديها ولا مكان للمهزوم. لقد زيدت على رواية عنترة مئات الأبيات وعشرات الوقائع وكلها تندد بخصومه. ولم ير أحد صورة لعبلة لكن الجميع تغنى بجمالها. وقد اعتمدت الجماهير في ذلك ذوق عنترة، الذي لم يكن قد رأى فتاة غير

ابنة عمه. فهو القائل «وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها». لكنه إذ أرخ لنفسه ولقبيلته ولحبيبته ولحصانه زرع في الأجيال كره خصومه وأعدائه. وزرع المتنبي فينا حب سيف الدولة. وزرع فينا أبو فراس الحمداني مشاعر حزن وأسى لا تكف عن التكرار. وجعلنا امرؤ القيس ننحاز إلى جانبه ضد أعداء لا نعرف عنهم شيئا. لقد نقل هؤلاء السادة ذاكرتهم إلينا دون عناء وتقبلنا ذلك من دون نقاش، لأن من البيان لسحرا.
ليس من شأن الذاكرة العامة أن تجادل أو أن تبحث. إنها تحب لأن ذلك يريحها وتكره لأن ذلك يرضيها. لا وقت عندها لإعادة النظر. ذلك يفعله المؤرخون إذا تملكوا الشجاعة وملكوا القدرة العلمية. أما الذاكرة العامة ففي هنائها العادي ونعمتيها الاختياريتين؛ التذكر والنسيان. وكلاهما في وقته لذيذ ومسعف لمواجهة أزمات الضمير الطارئة. وسواء في حالة المشاعر الفردية والشخصية أو في الرؤية إلى الحالات التاريخية، ثمة ضعف من الإنسان حيال ذاكرته. ثم تبدأ هي نفسها بأن تضعف. وعلى ذلك يتكل الجلادون. فسوف يأتي ليل ينامون فيه دون أن يوقظهم صراخ أو أنين.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط