رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الرئيس المصري المنتظر.. من يكون؟

مرسي عطا الله
مرسي عطا الله

رغم اتساع وتعدد مجالات النقاش والجدل السياسي الدائر هذه الأيام فإن الشاغل الأكبر للقطاع الأكبر من شعب مصر في المرحلة الراهنة مرتبط بأجواء الحيرة حول شخصية الرئيس المنتظر في ظل ثقافة مصرية متوارثة منذ آلاف السنين تختصر الحلم والطموح الوطني المشروع في حجم وعمق العطاء والاخلاص الذي يملكه رئيس الدولة بصرف النظر عن المسمى فرعونا أو حاكما بأمر الله أو ملكا أو رئيسا للجمهورية.

ومع أن قاموس الثقافة الشعبية المصرية المتوارثة منذ آلاف السنين يخلو من توصيف محدد للمواصفات التي ينبغي توافرها في الرجل الأول الا أن المزاج الشعبي يحبذ أن يكون قائد البلاد رجلا واسع الأفق فصيح اللسان عظيم الهمة يمتلك من سعة الصدر ما يمكنه من أن يمتلك في مواجهة الأزمات صبرا بلا حدود وقدرة على الصمت وعدم الكلام الا بحساب وفي الوقت المناسب فقط.

وكل الزعماء الذين تناوبوا على حكم مصر تعامل معهم الشعب المصري بقدر واسع من الفهم والادراك بأنه لا يوجد حاكم على طول التاريخ يخلو من الأخطاء ولكن هناك فارقا كبيرا بين من يخطئون بحكم الممارسة شأن أي عمل انساني وبين من يخطئون عمدا مع سبق الاصرار.

واذا كانت بعض الثقافات الغربية تنتصر للمقولة الشهيرة للجنرال ديجول حول أهمية الغموض والصمت في شخصية الرئيس والتي يقول فيها «انه لا شيء يقوي السلطة بقدر ما يقويها الصمت لأن الصمت فضلا عن فوائده ومنافعه فانه يصنع غموضا مطلوبا لمنطقة صناعة القرار ويعزز من مشاعر الهيبة والاحترام لها».. فإن الأمر يختلف تماما بالنسبة للثقافة الشعبية المصرية التي تحبذ التواصل الدائم للحاكم مع الرأي العام وحرصه على المكاشفة والمصارحة بكل الحقائق مهما كانت مريرة.. وقد تجلي ذلك بوضوح في هبة الشعب المصري يومي 9 و10 يونيو 1967 رفضا للهزيمة ورفضا لرحيل جمال عبد الناصر الذي صارح الشعب بكل الوضوح عن حجم الكارثة التي حلت بمصر واعلانه الشجاع بتحمله كامل المسؤولية عما جرى دون انتظار لتحقيقات أو محاكمات.

مصر تحتاج الى قائد يقود سفينة البلاد في هذه المرحلة الدقيقة بمزيج من الحزم والحسم والمرونة والعقلانية.. مصر تحتاج الى رجل ليست له مطامع سوى خدمة الوطن.. رجل لا يتوقف أمام الصغائر ولا يسمح لها - تحت أية ظروف - أن تشده بعيدا عن المهام الكبرى التي ارتضى أن يتحملها نيابة عن شعبه.

}}}

وبعيدا عن أحاديث النخب لا أظن أن الرأي العام في مصر يشغل باله كثيرا ما اذا كان الرئيس القادم له جذور عسكرية أم أنه يتمتع بثقافة مدنية خالصة فالمهم أن يكون الرئيس القادم مصريا أبا عن جد ولديه أجندة عمل طموحة تتجاوب بقدر كبير مع التطلعات المشروعة للغالبية العظمي من شعب مصر الذي يراهن في ظل هذه الظروف الصعبة على مجيء رجل يملك القدرة على أن يشطب من قاموس عمله كلمة «المستحيل» ويؤمن عن اقتناع بالمقولة الشهيرة التي أطلقها أول رائد فضاء نزل على سطح القمر وهو الضابط الروسي «يوري جاجارين» «لقد أثبتنا أنه لا مستحيل تحت الشمس»!

ولست هنا في معرض الانحياز للمواصفات العسكرية أو المدنية في شخصية رئيس الدولة لكنني أستطيع أن أقول بكل تجرد انه من الظلم للحقيقة ومن الظلم لكل دروس التاريخ التي أنجبت قادة عسكريين عظام مثل ديجول في فرنسا وايزنهاور في أميركا ونابليون في فرنسا وجمال عبد الناصر في الأمة العربية أن نقول بعدم أهلية القادة العسكريين للحكم المدني لأن القائد العسكري الذي قضى سنوات طويلة يواجه أعقد المشكلات والتحديات ويجهد عقله في تبديل وتغيير الخطط والتكتيكات بما يتلاءم مع ما يحدث تباعا على أرض الميدان من متغيرات.. يصعب أن نقول بكل سطحية أنه لا يستطيع التعامل مع شؤون الوطن وهمومه.

ان مصر التي تمر بمرحلة دقيقة تحتاج إلى رئيس صقلته التجارب وجعلت منه رجلا قادرا على التعامل مع الزمن بحيث يعرف متى يسرع الخطا ومتى يبطئ ومتى تكون ساعة الصفر ومتى يؤجل التحرك لتوقيتات أكثر ملاءمة.

مصر بحاجة إلى رجل يملك موهبة التفكير بسرعة مع عدم التسرع في اتخاذ القرار قبل اجراء المشاورات اللازمة حتى لا يتعجل في اصدار قرار لا يستحق الاستعجال ولا يتباطأ في قرار يتحتم التعجيل به!

مصر بحاجة إلى رجل يجمع بين القدرة على التعامل مع أرض الواقع وبين ملكة الخيال السياسي الذي يساعده على مد الفكر والبصر بعيدا عن تعقيدات الظروف المحيطة في اللحظة الراهنة والتي يمثل الاستسلام لها استسلاما للعجز والحيرة وتعميقا للشعور العام بأننا أمام مصاعب بالغة الحدة والضراوة يصعب التغلب عليها!

وبصرف النظر عن الجذور الثقافية والمعرفية للرئيس القادم يهمني أن أقول: ان هناك فرقا شاسعا بين القادة العسكريين المحاربين وبين المغامرين الانقلابيين لأن بعض رموز الانقلابات العسكرية من محدودي الفكر وأصحاب الرتب الصغيرة في بعض الدول العربية والافريقية لا يمكن القياس عليهم وسحب كل مثالبهم على النخب العسكرية المحترمة والشريفة التي يحق لها أن تمارس حقها الدستوري بمثل ما يحق للنخب السياسية والحزبية المدنية الشريفة!

}}}

ولست أخرج عن سياق الحديث عندما استشهد بوقائع تحاكي ما نتحدث عنه من ضرورة توفر الدرجة الكافية من القبول الشعبي للحاكم سواء كان ملكا أو رئيسا وأقول: انه عندما يغتصب رجل امرأة تحت تهديد السلاح قد يمارس معها الجنس رغم أنفها ولكنه لا يستطيع أن يحصل على الحب منها مهما طال الزمن - وانما يحصد الاحتقار ويولد في نفسها الكراهية وروح الرغبة في الانتقام!

ومعنى ذلك بمنظور سياسي أنه عندما تغتصب الأقلية ارادة الأغلبية وتجثم على أنفاسها بقوة السلطة وقهر الاكراه فإنها قد تتمكن من استمرار امتلاك زمام الحكم ولكنها لا تستطيع أن تحصل من الشعب على تجاوب وحماس صادق وانما يحيط بها كذب ونفاق ورياء تحت ظلال الرعب والخوف فقط!

وهذا هو الحال في دول عديدة مثل تلك التي يحكمها نظام طائفي يمثل الأقلية وليس له من أدوات في الحكم سوي نشر الرعب والخوف في نفوس الأغلبية، ويرتضي خداع نفسه

بصيحات النفاق الأجوف التي تصدر عن قلوب مرتعشة لم تجد أمامها من وسيلة لتجنب البطش والارهاب سوى اتقان كل فنون الكذب والتملق والرياء.

والمجتمع البشري في مراحل تاريخه كان يتولى اختيار حكامه وزعمائه من أرضية الثقة في قدرة هؤلاء الزعماء والحكام على تحقيق طموحاته سواء كان الاختيار بالوراثة في الأنظمة الملكية أو بالانتخاب في الأنظمة الرئاسية، وكانت صيغة التراضي بين الحكام والمحكومين تترسخ بقدرة الحكام على تأمين احتياجات الناس وضمان أمن أوطانهم فاذا خرج أحد الطرفين عن صيغة التراضي خرج الاستقرار وعمت الفوضي خصوصا عندما يزداد الاحساس عند المحكومين بأن مهمة الحكم قد تحولت عن هدف تأمين الوطن والمواطن إلى كتم الأنفاس ومصادرة الحريات من أجل تأمين الحاكم فقط!

واذا كان للسلطة الوراثية في الأنظمة الملكية مزايا عظيمة فإن للسلطة المنتخبة في الأنظمة الجمهورية مزايا أعظم فالمهم في الحالتين حسن التصرف وصحة التقدير وتحقيق المشاركة في الحكم عن طريق المجالس النيابية والهيئات الاستشارية.

ومن أهم صفات الزعيم أو الحاكم - سواء كان ملكا أو رئيسا - أن يكون مقبولا من شعبه موحيا بالثقة في سلامة مقاصده وأهدافه، تاركا أعماله وأفعاله وحدها تتحدث عن حسناته ومميزاته التي تجعل منه مثلا أعلى وقدوة يحتذى بها.

وبوجه عام فإن الحاكم المقبول شعبيا له مواصفات قياسية متعارف عليها أهمها أن يكون الابن الشرعي للنزاهة والتجرد ومخاصمة التحزب لفئة أو التعصب لطائفة، حيث المصلحة العامة تجلس وحدها في مقعد متميز لا يشاركها فيه أحد.

}}}

و لأن صانع القرار ورأس الدولة يمتلك صلاحيات وسلطات كبيرة تمكنه من التأثير في حاضر ومستقبل الوطن- خصوصا - في الدول الآخذة في النمو - فإن الحاكم - ملكا كان أو رئيسا أو أميرا - يفضل أن يكون على قدر واسع من العلم والثقافة والمعرفة.. الكافية بدروس التاريخ وثوابت الجغرافيا كما أن الثقافة تهيئ له امكان الاستمتاع بسكينة النفس وصفاء الروح ونقاء الفكر!

وعندما يكون الحاكم على مثل هذا القدر من الثقافة والمعرفة والذي يضاف إلى رصيد تكوينه الشخصي المسلح بصفات النزاهة والتجرد يصعب على محترفي الوساوس والشكوك أن يصلوا إلى داخل عقله حتى لو أتاح لهم الفرصة لترديد وشاياتهم بالساعات لأن عقله لا ينفتح على مصراعيه الا لمن يستشعر أنهم يملكون معلومات صحيحة يلتقطها على الفور بذكائه الحاد ولماحيته البراقة !

وأفضل الحكام هم الذين لا يكفون عن المتابعة والذين يواصلون السؤال عن مصير الأوامر التي أصدروها والقرارات التي أعلنوها لكي يتأكدوا من أن هذه الأوامر والقرارات قد عرفت طريقها إلى أرض الواقع ولم تعبث بها في الطريق أيادي المعوقين والمعطلين الذين لا يعدمون اختلاق الوسائل والتبريرات للتغطية على أفعالهم الدنيئة!

ومن أهم واجبات الحاكم الرشيد أن يظل على اتصال مباشر بشعبه وأن يتجول بينهم من حين لحين لكي يقيس على الطبيعة نبض الرأي العام قياسا صحيحا يستطيع من خلاله أن يجهض أي عوامل يمكن أن تصنع السخط بالاستمتاع إلى الشكايات والهموم واتخاذ القرارات الفورية التي ترد المظالم وتعيد الحقوق.

والحقيقة أنه عندما تتعلق أبصار الناس وعيونها بحاكمها فإنها لا تنتظر منه أن يذكرها فقط بأوجاعها ومشاكلها وانما تأمل في أن تسمع منه وعدا صريحا وصادقا بأنه سيطلب من الجميع الوقوف يدا واحدة من أجل سرعة الخروج من عنق الزجاجة بحلول عملية وواقعية تستند إلى العلم والامكانيات المتاحة وتخاصم سياسة اطلاق البالونات المنفوخة بالأوهام أو سياسة العلاج الوقتية بالمسكنات!

والحاكم لا يصنع اسمه في سجلات التاريخ عندما يتركز اهتمامه على مجد شخصي يتوهم أنه يصنعه من خلال الاصرار على بقاء اسمه محور الاهتمام حتى لو اقتضى الأمر أن يجر على بلاده ويلات وكوارث ونكبات.. وانما الذي يصنع اسم الحاكم في سجلات التاريخ هو ما يتركه من أعمال وانجازات تشهد لعصره ويصعب على أحد مهما ملأ الحقد قلبه أن يمسحها من سجلات التاريخ لأنها محفورة ومثبتة في أرض الواقع بحب الناس واقتناعهم بعظمة ونزاهة صانعها!
نقلا عن صحيفة الوطن القطرية