رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إسرائيل وأميركا وإيران

عبدالمنعم سعيد
عبدالمنعم سعيد

لفت نظري تصريح للدكتور محمود شريف، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية في مصر والوزير السابق للإدارة المحلية في واحدة من وزارات مبارك السابقة، قال فيه إن إسرائيل «لن تجرؤ» على ضرب إيران، لأن الأخيرة لديها قدرة على الردع بصواريخها طويلة المدى.

والحقيقة أنني لم أعرف أبدا عن المرشح المحتمل صاحب الخلق الرفيع والخبرة الكبيرة في المجال الصحي والتنمية الريفية أنه من الخبراء في هذا الموضوع، ولكن يبدو أن الأمور الاستراتيجية باتت من مسوغات الدخول إلى الساحة الانتخابية في مصر. وفي مكان آخر جاء تصريح من رجل عليم أن إسرائيل لن تضرب إيران حتى تحصل على موافقة الولايات المتحدة، وهذه الأخيرة لا تستطيع أن تفعل ذلك لأن أوروبا لا توافق، وروسيا والصين سوف تعارضان بالطبع، لأن الأولى تستفيد من ارتفاع أسعار النفط والثانية تريد مكانا مستقلا على الساحة الدولية، وأوباما في عام انتخابات رئاسية ولا يريد لأسعار البترول أن ترتفع ولا الدخول في حرب أخرى لم تعد معدة الشعب الأميركي على استعداد لهضمها بعد حربين في العراق وأفغانستان.
التصريحات هكذا كثيرة، وربما لأن التفكير السائد يقوم قياسا على أحداث سبقت باتت مرشدا لما يجري هذه الأيام. فعندما شاع الحديث، أو الكذب، مع مطلع القرن عن القدرات النووية العراقية جرى غزو العراق، وقبل ذلك بأكثر من عقدين قامت إسرائيل بضرب المفاعل النووي العراقي وإزالته من الوجود، وكذلك فعلت مرة أخرى مع مفاعل من كوريا الشمالية تم اكتشافه فجأة على الأراضي السورية فجرى قصفه وإحالته ترابا. وفي هذه المرة الأخيرة جرى التشاور بين إسرائيل والولايات المتحدة قبل العملية الجراحية الجوية، وكانت حكومة أولمرت الإسرائيلية وقتها تطلب من واشنطن القيام بالمهمة نظرا لما فيها من خطورة، ولكن جورج بوش لم يكن ساعتها على استعداد للدخول في حرب أخرى فترك الأمر للإسرائيليين لكي يقوموا بالمهمة، وهو ما تم فعلا، ثم التزموا الصمت وأخذوا في تسريب الموضوع فلم يجد السوريون بدّا من الاعتراف فجأة بما جرى واللجوء لمجلس الأمن (كما هي العادة) للشكوى من الاعتداء على السيادة السورية في أمر لا يزيد على كونه خاصا بالاستخدام السلمي للطاقة النووية.
هناك إذن سوابق للموضوع، وهو ليس جديدا بالمرة، وربما يقال إن إيران تختلف عن العراق وسوريا، وهو صحيح، ولكن نقطة التشابه هي أنه لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة (ودول أخرى في المنطقة) سوف يقبلان بحصول إيران على سلاح نووي. المسألة هنا تدخل في إطار التقدير، وما إذا كانت الظروف مناسبة أم لا، وما إذا كانت إيران قد عبرت الخط الفاصل بين الاستخدام السلمي للطاقة النووية والاستخدام العسكري.
ولمن لا يعلم، فإن «الخط» الفاصل بدأ يتغير هذه الأيام ما بين الوضع الحالي للمنشآت النووية، والتجهيزات الجارية لنقلها إلى الجبال الشامخة، حيث يستحيل ضربها أو يصبح أكثر صعوبة. وعند هذه النقطة ربما يكون مناسبا التفرقة ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل من حيث أسلوب العمل، فهناك فارق في القدرة والاستراتيجية والأهداف؛ فالأولى تعتمد دائما على القوة الجوية والصاروخية الكاسحة التي ستحاول تدمير كل القدرات النووية الإيرانية بلا استثناء من خلال هجمات متعاقبة من قواعدها المختلفة والممتدة من فلوريدا حتى المحيط الهندي والخليج، وربما تخلطها - كما فعلت مع صربيا والعراق من قبل - بضرورة تغيير النظام السياسي أيضا. إسرائيل ليست كذلك، وليست لديها القدرة على التعامل مع هذه الطموحات، ومن ثم فإن أهدافها لن تزيد على مجموعة «العقد» الرئيسية للمنظومة النووية الإيرانية، وهذه سوف تتم عن طريق سلاح الجو الإسرائيلي الذي سوف يطير، كما طار من قبل مخترقا الأجواء السورية، ثم يعاد تموينه فوق المنطقة الكردية شمال العراق، وبعدها تهبط الطائرات على أهدافها داخل إيران.
الهدف الإسرائيلي لن يكون إزالة القدرات النووية الإيرانية وإنما إعاقتها بشكل جوهري لبضعة سنوات تكون القيادة

الإيرانية قد تمت إهانتها بشدة لأنها سوف تكون واقعة بين نارين من الاختيارات:
أولاهما أن تضرب إسرائيل بالصواريخ وهذه سوف تواجه بالدفاع الإسرائيلي ضد الصواريخ الممثلة في منظومة صواريخ «آرو» و«القبة الحديدية»، التي يجري التدريب عليها الآن في التعامل مع غزة وأحرزت نجاحا ملموسا، وبالصواريخ الإسرائيلية المضادة الأقوى والأكثر تأثيرا من حيث القوة التدميرية والدقة من طراز «أريحا» ومشتقاتها. وفي حالة ضلال الصواريخ الإيرانية عن أهداف مدنية إسرائيلية، فإن أهدافا مماثلة داخل إيران سوف تكون مستهدفة أيضا ومن ثم يتعرض الجمهور الإيراني لما لم يتعرض له منذ الهجمات الصاروخية العراقية إبان حرب الثماني سنوات بين بغداد وطهران.
وثانيهما أن تلجأ إلى استخدام حلفائها في توجيه ضربات إلى إسرائيل، ولكن الحلفاء ليسوا في أفضل حالاتهم؛ فسوريا، وهي أهمهم، مشغولة بأوضاعها الداخلية، وإذا خرج النظام فيها من الثورة سليما، فلن يكون متعجلا للدخول في أزمة جديدة وهو يعاني من الإرهاق والإنهاك. أما حزب الله فهو - على حيرته بالنسبة للأوضاع في سوريا وانسحاب حماس وتركها سوريا تواجه ثورتها - سوف يواجه مأزقا صعبا إذا ما كان عليه أن يواجه، ليس فقط إسرائيل، بل المجتمع الدولي، الذي لن يرضى بخرق الحزب لالتزاماته إزاء الأوضاع القائمة في جنوب لبنان. وهكذا لا يبقى أمام إيران إلا مضيق هرمز، ومحاولة زعزعة الأوضاع الأمنية في الخليج، ولكن معنى ذلك أن المضارين من ارتفاع أسعار النفط، وسوف يكونون كثرة من الدول، سيتحالفون مع كل من يفتح المضيق ويحل المعضلة الإيرانية من أصولها في طهران.
الاحتمال الإسرائيلي لضرب القدرات النووية الإيرانية لا يجب استبعاده بشكل كامل إذن، وإذا كانت أميركا مشغولة بأمور أخرى، فإن إسرائيل، كما فعلت من قبل في العراق وسوريا، يحتمل أن تقوم بالمهمة. ولكن ذلك ليس معناه أن مثل هذه الضربة سوف تحدث غدا، وطالما لا يزال هناك وقت باق حتى تعبر إيران الخط الفاصل نحو السلاح النووي، فإن العقوبات الاقتصادية ترهق وتنهك وتخلق حالة من التململ الشعبي، حتى ولو بدا أن المشاعر الوطنية تتزايد. وربما كانت العزلة الدولية لا تقل أهمية عن العقوبات بل إنها جزء منها، والواضح أن الدول التي ليست على استعداد لتوقيع عقاب عسكري على إيران لا تمانع من تقليل وارداتها النفطية منها، وزيادة الاعتماد على دول الخليج العربية خاصة المملكة العربية السعودية التي لديها القدرة على تعويض الأسواق النفطية ما سوف يجري فيها من نقص. لا يمكن استبعاد شيء هذه الأيام في الشرق الأوسط!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط