رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

اتركوا الجلاد يروي

بوابة الوفد الإلكترونية

لم يخطر بباله ان الشمس تغرب. وان الدهر يومان. وان للقصص الفاجرة نهايات مؤلمة. وان الوقت يثقب المظلة. وان الريح تقتلع أوتاد الخيمة مهما قاومت. وان القائد يهرم. ويتكرنش. ويتهرأ. وتهجم عليه ساعته. ويتركه شريداً وطريداً.

لم يخطر بباله. ان جثث ضحاياه تنتصب فجأة وتطارده. على مدى الصحراء ومدار الارض. وان عيوناً قاسية تطل من بحر الدم المسفوك. وان الدم يصرخ. وانه لن يعثر على وكر ليخفي يديه الملطختين. أو جحر يواري فيه ضميره الحجري.
كان يعتقد ان موسم الظلم شاسع وبلا حدود. وان القائد سيقيم حتى يشتهيه القبر. وانه سيواصل هواياته في عهد نجله. يستحيل ان يذكر اسماء ضحاياه فهم كثر. ما أراقه من الدم يفوق المياه المتدفقة في «النهر العظيم».
عبدالله السنوسي.
كان صوت سيده. عديله. ظله. خنجره الذي لا ينام. وكانت مهمته بسيطة. وشديدة الوضوح. مكافحة الجرذان. ومطاردة «الكلاب الضالة». وتصفية الجواسيس. واغتيال المعارضين. وشنق المشككين. وسحل المتطاولين على سمعة القائد.
وكان على نهج سيده. يحتقر الدساتير والمحاكم. والحدود الدولية. والأعراف الديبلوماسية. والسجناء المشاغبين. ويحب اللجان الثورية. والزحف الاخضر. وتقارير الجلاوزة. وأنين الأرامل. وبكاء الأيتام. ومواراة الجثث في الصحراء.
ظهرت لمساته الحانية في أكثر من مناسبة. في 1996 احتج السجناء الاسلاميون في سجن أبوسليم على ظروف اعتقالهم. اقترح حلاً نهائياً. طلب من السجناء التجمع في الباحة. وحين فعلوا أمطرتهم الرشاشات بلا رحمة وكانت الحصيلة نحو 1200 قتيل.
تأكدت رقة مشاعره حين حكم عليه القضاء الفرنسي غيابياً بالسجن مدى الحياة. ولم تكن المسألة تستحق هذه القسوة. خُيل اليه ان معارضاً سيستقل طائرة «يوتا» الفرنسية فوق النيجر فأمر بتفجيرها. وكانت الحصيلة 170 قتيلاً. ضحك طويلاً حين صدرت بحقه مذكرة اعتقال دولية. كان يعتقد ان النفط المتدفق من عروق الصحراء الليبية قادر على محو الأحكام وتبديل الاختام.
ملف آخر لم يخف السنوسي ضلوعه فيه ربما لإبعاد الشبهة عن سيده. انقل هنا ما سمعته من وزير الخارجية الليبي السابق عبدالرحمن شلقم. قال ان المشادة التي حصلت في القمة العربية في الدوحة اعقبتها مصالحة. وان عبدالله السنوسي انضم الى

لقاء جمع الملك عبدالله بن عبدالعزيز والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ومعمر القذافي. واضاف ان السنوسي قال للملك عبدالله: «يا جلالة الملك أنا خططت وعملت من أجل اغتيالك من دون معرفة القائد (القذافي)». ويقول شلقم: «طبعاً هذا الكلام هراء لأن القذافي لا ينكر ذلك».
طبعاً يمكن أن نضيف الى ما سبق قتل ليبيين في الداخل والخارج. آخر الادوار كانت حين توجه السنوسي الى بنغازي لسحق الجرذان. غاص في الدم لكنه لم يتنبه الى ان الزمان تغير. افتقر الجلاد الى الحد الادنى من الذكاء. بعض رفاقه أو أشباهه استشرفوا ان السفينة آيلة الى الغرق فقفزوا منها. باعوا أسرار الفاتح وأسرار القائد ونجوا... وانحازوا الى الثورة.
القبض على السنوسي صيد ثمين فهو بحق «الصندوق الاسود» لعهد القذافي المديد. كان مؤتمناً على أمن النظام وعلى أمن القائد ايضاً. يجب هنا استدراك الخطأ الذي وقع حين قُتل القذافي وعلى نحو بشع. يمكن الافادة من عبدالله السنوسي لمعرفة قصة العهد الطويل الأمد الشاسع الارتكابات. يحسن صنعاً من ينجح في إقناعه بأن يروي ما يعرف. لا تحتاج الثورة الى جثة جديدة. هذا الرجل يستطيع ان يفضح أشياء كثيرة ويضيء جوانب غامضة. اتركوا الجلاد يحكي. إن وافق سنتابع أكثر المسلسلات إثارة. سنكتشف جنون مستبد وأكاذيب نظام وارتكابات الجلادين. ومن يدري فقد نعثر على الجثث الضائعة.
نقلا عن صحيفة الحياة