حكاية قمة سيئة حظ الانعقاد
حتى يوم الاثنين 25 مايو (أيار) 2011 لم يكن مصير قمة عربية المحدد في الأصل بالشهر والسنة واليوم موعد انعقادها وهو 28 مارس (آذار) 2012، محسوما، ذلك أن الإرجاء الثاني لهذه القمة التي هي من نصيب العراق، وفق الترتيب الأبجدي، كان واردا نتيجة الدواعي التي تسببت في التأجيل الأول لعقد القمة يوم 28 مارس 2011 إلى يوم 11 مايو.
وهي الدواعي الأمنية المتفجرة من جهة، وبقاء العراق رسميا في حالة احتلال. ومن الطبيعي ألا يلبي القادة العرب دعوة أهل الحكم العراقي إلى المشاركة في القمة العربية الدورية، هذا إلى جانب أن العلاقات متوترة بين بعض أهل الحكم العراقي ومعظم القادة العرب.
وتدليلا على أنه حتى يوم الاثنين 25 مايو 2011 كان انقضى على يوم الانعقاد المقرر للقمة التي أرجئت، شهران، وعلى التأجيل أسبوعان، أن نائب الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد بن حلي أبلغ «الشرق الأوسط» أن مجلس الجامعة سيقرر مصير القمة في الاجتماع الذي سينعقد يوم 8 مايو 2011، مشيرا إلى ما يشبه حالة الإحباط لدى المسؤولين العراقيين، وبات كمن يقول توصيفا للحالة إن أهل الحكم كانوا مثل أهل عروس استكمل الأهل جهازها على أزهى ما يكون الجهاز واختاروا أفضل الأنواع لجهة المآكل والمشارب، لكن العريس لم يصل وغادر المأذون الشرعي، وانفض أهل العروس منزعجين مما حدث.
في خطوة لتخفيف وطأة الإحباط قام وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري بجولة مع عدد من الصحافيين ومصوري الفضائيات حول المجمع المخصص لإقامة ضيوف القمة، إلى جانب تأهيل أهم فنادق العاصمة مثل «فندق الرشيد» و«فندق فلسطين» و«فندق شيراتون» و«فندق بابل» و«فندق بغداد» لإقامة الوفود المرافقة والإعلاميين، مع ملاحظة أن كل هذه الفنادق كانت في استمرار تحت مرمى تفجيرات بالسيارات المفخخة، لكن من أجل القمة خصصت الدولة حوالي خمسين مليون دولار لكي يكون تأهيل هذه الفنادق على الوجه الأفضل. أما المسألة الأمنية فليست أكثر من كلام وتعهدات، وتبين لاحقا أن مسلسل التفجيرات استمر على الوتيرة نفسها واخترق محيط هذه الفنادق وصولا إلى مشارف المنطقة الخضراء. ودخلت حادثة مقتل عامل عراقي نتيجة عشرات الكيلوغرامات من المخلفات سقطت عليه من الطبقة العليا من «فندق فلسطين» خلال عملية تأهيل الفندق للاستضافة، على أجواء الإحباط، حيث إنها بدت نذير شؤم. واللافت للانتباه أن أهل الحكم العراقي لم يكونوا موحدي الرأي إزاء تحليل موجبات التأجيل، إذ إن الرجل الأقوى في النظام، أي رئيس الحكومة نوري المالكي، لا يعترف بأن بعض مواقفه، إضافة إلى الأوضاع الأمنية، هي السبب في التأجيل، وأنه لكي تنعقد قمة من المفترض بمضيفها أن يكون موضع ارتياح الضيوف. لكن وبسبب المواقف المشار إليها ليس هنالك ارتياح. كما أنه ليس هنالك وضوح رؤية لأهمية القمة كتلك التي يراها أهل الدبلوماسية العراقية ويراها أيضا السيد عمار الحكيم، أحد أبرز زعماء الطائفة الشيعية الجامع بين الرؤية الفقهية والرؤية السياسية، والذي يعتبر أن تأجيل القمة يشكل عنصر إحباط للشعب العراقي الذي كانت تساؤلات أطياف كثيرة فيه حول الجدوى من إنفاق نصف مليار دولار على قمة عربية يتحمل مسؤولية عدم انعقادها وفق الموعد المحدد لها، أسلوب تعامل بعض أهل الحكم مع هذا الحدث.
لم يقطع الرئيس المالكي الأمل في انعقاد القمة التي يرى أنها تعزز مكانته السياسية ومكانه في قمة السلطة، وأوكل إلى وزير الخارجية هوشيار زيباري أمر اجتراح المعجزة، لأن هذا الوزير موضع ارتياح معظم وزراء دول «مجلس التعاون الخليجي»، كونه نأى قدر المستطاع عن حدة الموقف السياسي للنظام في العراق، وبالذات ما يتعلق بالموقف من إيران ومن العلاقة مع سوريا. وحتى في موضوع الأزمة التي عاشتها مملكة البحرين ولم تنته فصولا، كان موقف الوزير زيباري غير موقف الرئيس المالكي. وهذا النأي حقق بعض الانفراجات. ومن دلائل الانفراج أنه قبل لقاءاته بنظرائه الخليجيين وبعد هذه اللقاءات كان يقول ما من شأنه إشاعة أجواء من الطمأنينة، بل إنه عندما كانت الأزمة في البحرين في درجة الخطر وكان هنالك كلام عراقي - إيراني عن دور قوات «درع الجزيرة» الذي استهدف محاصرة الأزمة، قال زيباري في لقاء أجرته «الشرق الأوسط» معه: «نحن من محبي السعودية ونكن كل الاحترام والتقدير لدور السعودية العربي والإسلامي بقيادة خادم الحرمين، فالسعودية دولة مهمة في المنطقة ومهمة لنا...». وهذا الكلام الكثير اللطف من جانب زيباري هو من أجل أن تعيد دول الخليج النظر في الدعوة التي أطلقتها قبل أسبوع من الموعد المحدد لانعقاد قمة بغداد، ردا على الموقف غير المتفهم من جانب حكومة المالكي لما يحدث في البحرين. وحيث إن كلمة المجموعة الخليجية هي الأقوى في المرحلة الراهنة، فإن مجلس الجامعة قرر في البداية إرجاء عقد القمة إلى أجل غير مسمى، مع أن إحدى مهمات هذه القمة اختيار الأمين العام الجديد للجامعة العربية خلفا للأمين العام المتجدد الولاية مرتين عمرو موسى، الذي كان زار بغداد يوم السبت 8 يناير (كانون الثاني) 2011، وعقد خلال الزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام لقاءات مع أركان الحكم (رئيس الجمهورية جلال طالباني، ورئيس الحكومة نوري المالكي، والمرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني)، ثم مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في أربيل، وخرج من هذه الزيارة الطويلة بتصريحات أكد فيها أن القمة ستنعقد في
لم ينته الأخذ والرد إلى نتيجة، وقارب مبلغ النصف مليار دولار للتأهيل على الانتهاء. وكانت التصريحات حول أن القمة ستنعقد في
(هنا نلاحظ الآتي: هل كان طبيعيا لو حدث قبل انفصال الجنوبيين أن السودان استضاف القمة وأن الجنوبي سلفا كير ترأس القادة العرب؟).
خلاصة القول أن موعد انعقاد القمة في مرحلة العد العكسي. العسير في مسألة عقْدها يوم 28 مارس 2012 أكثر من اليسير. وليس في الأفق سوى تساؤلات: هل تنعقد بمن حضر؟ وهل تنعقد فقط لمجرد ديمومة صيغة دورية الانعقاد؟ وما فعالية قمة قد تكون مشاركة الكبار فيها قليلة جدا وبذلك تنعقد على مستوى وزراء خارجية وما هم أدنى منصبا؟ وهل مضمون قول الرئيس المالكي قبل شهر من الموعد المقرر أن 14 زعيم دولة سيشاركون وأن بقية المشاركين على مستوى رئيس حكومة ووزير خارجية؟
وكيف ستكون حال هذه القمة في حال استقبل التفجيريون قبل ساعات من الانعقاد المناسبة بعمليات من النوع المألوف؟
يا لسوء حظ قمة العراق.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط