رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ماذا استفاد المصريون من الثورة؟

د. صالح سليمان عبدالعظيم
د. صالح سليمان عبدالعظيم

رغم ما يشاع لدى البعض من أن الثورات العربية قد جلبت نوعا من الفوضى والانفلات في الدول التي حدثت فيها هذه الثورات، إلا أن المتابع للحياة اليومية في هذه الدول، وعلى رأسها مصر، يكتشف أن تلك الثورات ارتبطت بالعديد من الجوانب الإيجابية التي قد تحتاج لبعض الوقت حتى يمكن تكريسها وتجذيرها في البنيات العربية.

فمشكلة التعامل مع الثورات العربية يكمن في تلك المقارنة الظالمة والمجحفة والمريبة التي يقيمها البعض بين وضعية البلدان العربية قبل وبعد اندلاع الثورات، حيث تمنح الأولى الاستقرار والهدوء بينما تتهم الثانية بالتفكك والانهيار. وهناك عدة أمور يجب الإشارة إليها قبل الدخول في تحديد إيجابيات الثورات العربية، وعلى رأسها الثورة المصرية.
أولها أن الثورات العربية لم تحدث قبل بمثل هذا الشكل المتلاحق والمفاجئ الذي فرض سياقات تحليلية جديدة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة. وثانيها أنها ثورات شعبية بامتياز بعيدا عما اعتادته المنطقة من انقلابات عسكرية وعشائرية مختلفة. وثالثها أنها ثورات طرحت نفسها في تلاقي غير مسبوق بوسائل الإعلام وعلى رأسها الإنترنت والوسائط الجديدة المرتبطة بها. ورابعا أنها ثورات فرضت نفسها على المنطقة وخلقت أجواء جديدة من التناول بين المواطنين العاديين، ناهيك عن الذعر الذي انتاب البعض خشية انتقال العدوى الثورية إليه.
من هنا فإن هذه الثورات جديدة تماما على المنطقة، وهو أمر يستدعي التريث في إطلاق الأحكام عليها، ومقارنتها بسالف العهود السابقة على تحققها، بما يرتبط بها من قمع وظلم وتفاوتات اجتماعية عميقة. والأهم هنا هو الوقوف على إيجابياتها المختلفة، وهي إيجابيات لا تتم من خلال الأحكام المسبقة، والتصورات الذهنية النظرية بقدر ما تتم من خلال المعايشة اليومية والفضاء الفعلي القائم على الشد والجذب والمعاركة والصراع.
إن أول الإيجابيات المرتبطة بتحقق هذه الثورات يكمن في ذلك القدر الجديد من الوعي غير المسبوق بين المواطنين العاديين، وهو وعي يكتنفه بعض الفهم المغلوط والتحيز المسبق. ورغم ذلك فالمواطنون في مصر، على سبيل المثال، لم يمتلكوا ذلك القدر من الوعي في الفترات السابقة على الثورة، وهو أمر تظهر تبعاته من خلال تلك الاعتصامات شبه اليومية، بل والتلويح بها في كل لحظة. صحيح أن الأمر قد يزيد عن حده في بعض الأوقات، لكنها ممارسة جديدة على المصريين تحتاج لبعض الوقت حتى يتم تقنينها وعقلنتها.
هذا القدر من الوعي المرتبط بمساحات حرية غير مسبوقة مفيد على مستويين، المستوى الأول هو مستوى التعبير الخاص بالمواطنين كما أوضحنا، والمستوى الثاني هو مستوى حذر المسئولين وخوفهم مما يمكن أن يحدث لهم من قبل المواطنين. صحيح أن تلك الحالة ترتبط بقدر كبير من التوتر في العلاقات

اليومية لكنها أيضا تحتاج لفترة من الوقت حتى يعي كل فرد أدواره الاجتماعية الحقيقية ويعي تماما أن هناك قانونا واحدا يسري على الجميع فقيرا وغنيا، وحاكما ومحكوما.
وتبرز ثاني الإيجابيات في تلك المساحة العريضة من القوى الاجتماعية التي انبثقت مع الثورة وعبرت عن نفسها في مناسبات كثيرة وعديدة؛ فلم يعد الأمر مقتصرا على مظاهرات الصحفيين أو المحامين أو الطلبة أو العمال لكنه تعداه إلى فئات وشرائح أخرى عديدة مثل الفلاحين والموظفين الحكوميين وأصحاب المحلات بل وإلى المواطن العادي الذي يجد صعوبات في الحصول على حاجاته اليومية.
لقد خلقت الثورة المصرية فضاء جديدا تمثل في الشارع، وهو أمر ثالث ارتبط بها وبممارسات المواطنين، فلم يعد الحزب أو المنتديات أو مواقع العمل هي الأماكن الأثيرة لاندلاع المظاهرات والاعتصامات بقدر ما أصبح الشارع هو الملتقى الجديد للمواطنين من أجل التعبير الحر عن مصالحهم وطلباتهم.
ويرتبط بما سبق أن الثورة قد خلقت أخيرا توجها جديدا لا يقدس الأفراد ولا يتماهى معهم، أيا كانت نوعياتهم وأيا كانت قداستهم. ورغم وجود بعض القداسات المرتبطة بخلفيات قديمة لرجال الدين، فإن أهم شيء يرتبط بثورة الخامس والعشرين من يناير أنها كشفت الجميع، وخلقت فضاء جديدا محوره الإيمان بالذات، رغم الإحاطات الكثيرة المحيطة بها، من أجل العمل على التغيير واستمراريته.
إن المتابع للواقع الفعلي لوسائل الإعلام قد يظن أن المجتمع المصري يسير إلى الهاوية، لكن التعمق فيما يحدث يكشف أن هناك روحا جديدة تتطلع إلى التغيير، لكنها تظل مخنوقة بالعديد من المشكلات المحيطة بها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبالعديد من أشكال التآمر التي لن تترك مصر سواء في حالتها العادية الراكدة أو في حالتها الثورية المتحركة، والله من قصد السبيل.

نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية