عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثروت عكاشة الفارس المثقف النبيل

زاهي حواس
زاهي حواس

استطاع ثروت عكاشة أن يصبح علامة ثقافية مهمة في تاريخ مصر الحديث. ليست هذه مجرد كلمات إطراء أو تمهيد لرثاء الرجل، وإنما حقيقة وواقع فهو الذي غير وجه الثقافة في مصر ولم تكن الثورة الثقافية التي قادها بأقل أثرا من ثورة يوليو 1952 والتي خرج من رحمها؛

ليتولى عرش الثقافة مرتين، الأولى عندما أصبح وزيرا للثقافة والإرشاد القومي في 1958 واستمر بها حتى عام 1962 ثم اختير مرة أخرى وزيرا للثقافة في 1967 واستمر حتى 1970. ونجح ثروت عكاشة في أن يدخل السينما والمسرح والكتاب إلى كل قرية مصرية عن طريق قوافل الثقافة الجماهيرية واستطاع أن يؤسس أكاديمية الفنون والمسرح القومي والأوبرا والفنون التشكيلية أي أنه وضع البنية الأساسية للثقافة المصرية بعد ثورة 23 يوليو.
وقد كنت أتلقى منه مكالمة تليفونية أسبوعيا وبانتظام؛ خاصةً عندما كان ينتهي من تأليف جزء من موسوعته العالمية في تاريخ الفن «العين تسمع والأذن ترى»، فأجده وبأدب جم يقول: «من فضلك سيدي: هناك صورة معينة أود نشرها في كتابي» وكنت أطلب منه دائما ألا يناديني بكلمه سيدي، ولكنه كان حقا فارسا نبيلا في زمن ندر به الفرسان. واستطاع بنبله وثقافته أن يصل إلى أعلى مكانة علمية وأن يحصل على أعلى الشهادات والجوائز والأوسمة من معظم دول العالم، وقد كان مثلا أعلى لأي مثقف أو عالم خاصة ونحن نرى أساتذة علم يكتفون بنشر المقالات العشرة التي تؤهلهم فقط لمنصب الأستاذية وبعد ذلك يتفرغ لجمع المال ونسيان العلم. أما ثروت عكاشة فظل يكتب ويؤلف الموسوعات والكتب لآخر يوم في حياته.
لم أر المرحوم ثروت عكاشة يوما غاضبا إلا في مرة واحدة؛ يومها حدثني عبر الهاتف في الصباح الباكر ليشكو لي من عالمة المصريات الفرنسية كريستيان نوبلكور حيث نشرت حديثا في الصحف العالمية تشير إلى فضلها في إنقاذ معبدي أبو سنبل للملك رمسيس الثاني. ولم تذكر كلمة واحدة عن ثروت عكاشة ودوره المعروف. واستمر يحدثني عن كيف أقنع الرئيس عبد الناصر بتبني مشروع إنقاذ الآثار التي سوف تغرق في بحيرة ناصر بعد

بناء السد العالي ودوره الكبير في إقناع اليونيسكو بتبني حملة إنقاذ هذه المعابد الرائعة من مياه السد وأن دور نوبلكور كان دورا أثريا فقط.. ورجوته أن يسجل هذا الموضوع في كتاب وفعلا وبسرعة خرج الكتاب إلى النور وقمت بتبني نشره بالمجلس الأعلى للآثار وجاء لزيارتي وقال إن مجهوده يعرفه كل مصري ولكن هناك ضرورة إلى أن يترجم هذا الكتاب إلى اللغة الإنجليزية وحاولنا، لكن ظروف البلد الحالية لم تجعلني أحقق رغبته وكان حزينا ولكني سارعت منذ أشهر قليلة بالاتصال به لأزف له بشرى سعيدة، وهي أن هناك كتابا عن النوبة سوف ينشر بالإنجليزية هذا العام 2012 وقد طلب مني الناشر أن أكتب قصه إنقاذ معبدي أبو سنبل. وكتبت هذا الجزء لأشيد بفضل ثروت عكاشة على التراث العالمي. وكذلك ضمنت هذا الفصل من الكتاب القصص الطريفة التي صاحبت النداء الدولي لإنقاذ آثار النوبة ومنها: عندما بدأوا الاتصال بالدول الكبرى للمشاركة في إنقاذ الآثار وتقابل ثروت عكاشة مع السفير الأميركي بالقاهرة وطلب منه أن يتصل بالخارجية الأميركية لكي يشاركوا في عملية التمويل وفعلا أرسل السفير الأميركي بالقاهرة برقية يطلب فيها مشاركة أميركا في إنقاذ أبو سنبل.. فأرسل مسؤول الخارجية في واشنطن يسأل السفير: «من هو مستر أبو سمبل؟».
رحم الله ثروت عكاشة.. الرجل الذي يستحق أن نكتب اسمه في سجل الخالدين.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط