رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الثورة السورية في المستشفى

بوابة الوفد الإلكترونية

في أحد مستشفيات طرابلس عشرات الجرحى السوريين؛ بعضهم بلا أطراف.. ثمة من فقد بصره.. هناك من هو معلق بين الحياة والموت، وثمة من قضى في الطريق. «نحن محظوظون»، يقول من ما زال منهم يقوى على الكلام.. «الوصول من بابا عمرو إلى هنا هو من نصيب المدللين فقط». الخوف على من تبقى من أهلهم هناك يكمم أفواههم. لم أفهم جيدا أي درب جهنمي سلك هؤلاء للوصول إلى لبنان،

إلا بعد أن قرأت الرواية الطويلة المرعبة التي قصها الصحافيان الفرنسيان الناجيان من هلاك حمص. نفق مظلم من ثلاثة كيلومترات بارتفاع متر ونصف هو الطريق الوحيد الآمن الذي كان ممكنا لتهريب البشر خارج جحيم بابا عمرو المحاصر بالنار والموت. النفق ليس آمنا تماما؛ فقد تم قصفه وكشفه في نهاية المطاف وفي داخله عشرات الفارين. يومان بعدها من المشي في الثلج والصقيع لمن قطع النفق.. ثمة من حمل يده نصف المقطوعة، أو رجله المعلقة بالكاد بباقي جسده. الروايات قاهرة، لكنها تبقى مبتورة وقاصرة ومرتجفة. النظام ما زال قادرا على تكميم أفواه حتى الهاربين.
هؤلاء هم المدللون إذن، فماذا عمن لم يحالفه الحظ؟ حتى دفن الموتى يتم في السر أحيانا. الوضع الإنساني في سوريا يفوق كل ما يروى. يتجاوز حتى ما يقال إنه مبالغات الناشطين على «فيس بوك». النظام يدك الأحياء بحجة مقاتلة العصابات المسلحة. المسلحون لا قوة لهم على مواجهة الدبابات. سيناريو بابا عمرو مرشح للتكرار في كل الأحياء التي يتمترس فيها الجيش الحر مع متطوعيه والراغبين في القتال. تسليح المعارضين بالسلاح الثقيل عبر الحدود اللبنانية أو التركية أو العراقية ما زال ضربا من الخيال. السيناريو الليبي بعيد هو الآخر، في انتظار أن تنتهي الاحتفالات الانتخابية في بلاد الأجانب. لا شيء يشي بأن تغيرا دراماتيكيا في المواقف السياسية الدولية يمكن أن يحدث على المدى القريب. النظام السوري ماض في معركته العسكرية التي بمقدوره أن يربحها، بحسب ما يقول ناشطون على الأرض.. لا؛ بل حذر هؤلاء منذ البداية من أن النظام بوسعه أن ينهي الثورة، أو في أحسن الأحوال أن يبقى ينهكها وتنهكه لسنوات. مع ذلك، المعارضون المقاتلون ليسوا على استعداد للتراجع ولو ماتوا جميعهم. أخبرني أحدهم أنه فقد شقيقيه تحت التعذيب، فيما هو مشلول ولا يقوى على الحركة، «لكننا لن نسكت». الدم يجر الدم، والانتقام يتغذى على الانتقام.
خبراء إيرانيون وروس يساعدون الجيش السوري، ومقاتلون إسلاميون يتسللون عبر الحدود السورية لمعاضدة إخوانهم في المعارضة، هذا ما يقوله مقاتلون من المعارضة. تبقى المعركة غير متكافئة، ومعدل الضحايا سيكون حتما إلى ارتفاع، مع اشتداد وطيس المواجهات بين الجانبين.
وصول كوفي أنان السبت إلى دمشق، ومبادرته الدبلوماسية التي اشترط أن لا ترافقها أي مبادرة أخرى، هي بارقة الأمل الوحيدة في الظلام السوري الحالك.
تخوين المعارضة بعضها بعضا لا يبشر بخير كبير. عدم قدرة سلاحها الحالي، رغم العمليات الانتحارية التي لجأت إليها، وحرب العصابات التي تقوم بها، على زحزحة النظام، وإن تمكنت من تشتيته، يربكها إلى حد كبير. تسليح المعارضة على نطاق واسع سيكون من نتائجه المباشرة، احتدام المزيد من المعارك المسلحة، ورفع عدد القتلى، وتفاقم معاناة المدنيين وتهجيرهم.
المشكلة أن المعارضين لا شيء يجمعهم، غير رغبتهم المستميتة في إسقاط النظام. وبعد ذلك يعترفون جميعهم أن لا قائد لهم، أو هيئة توحدهم، أو

مشروعا وطنيا واضحا يلتفون حوله. المعارضة غاضبة لأن الانشقاقات في الجيش ما زالت دون المستوى المأمول، ولأن المنطقة الشرقية، لا تبدو عازمة على الانخراط الفاعل في الثورة، هذا عدا هدوء دمشق وحمص. «مع ذلك لن تتزعزع إرادتنا»؛ يقول أحد المقاتلين. النقمة كبيرة واليد قصيرة. المقاتلون في غالبيتهم متطوعون غير متمرسين. يخبرني أحدهم أنه أعطي سلاحا لا يعرف كيف يستخدمه.. توقف في منتصف الطريق وطلب استبدال مسدس برشاشه. «هذا غاية ما أعرف استخدامه، لكنني أردت نجدة الآخرين والمساهمة في الثورة كغيري من الشبان». أمثال هذا الشاب المتحمس كثر، مقابل جيش مدرب على القتال.
درب الآلام السوري يبدو طويلا ومكلفا. على المعارضة السورية الوطنية، أن تحزم أمرها.. أن تتساءل عن الفائدة التي جنتها حتى اليوم من أسلحة خفيفة بأيدي غير محترفين مقابل الدبابات؟ وما السيناريوهات الممكنة إن وزع السلاح بشكل أكبر على الناس؟ هل ستشهر بعض المعارضة السلاح ضد بعض، كما يحدث الآن وإن كانت الظاهرة لا تزال على نطاق ضيق؟ من بمقدوره أن يضبط التسلح؟ وكيف؟ الغضب المحموم لمقاتلة بشار الأسد، لا يكفي وحده لإنقاذ سوريا وتجنيب السوريين الأسوأ.
البيت الأبيض يقول إن «الولايات المتحدة تركز حاليا على المبادرات السياسية والدبلوماسية بشأن الأزمة في سوريا، لا على التدخل العسكري»، وروسيا تعلن أنه «على الدول الغربية أن لا تتوقع تغيرا في موقفها بشأن سوريا» بعد فوز بوتين، فيما تركيا تعتبر، على لسان كبير مستشاري الرئيس عبد الله غل، أن «إنشاء ممرات إنسانية يحتاج قرارا دوليا»، ويقول المستشار إرشاد هورموزلو أيضا إن «فصائل المجتمع السوري والمقاومة السورية لا تحبذ التدخل الخارجي وتسديد ضربات عسكرية لسوريا، ونحن نفضل أن يكون الحل داخليا».
هذا يعني باختصار أن الكرة في ملعب المعارضة اليوم، وعليها تقع مسؤولية إعادة النظر في استراتيجياتها لمواجهة نظام، بمقدوره أن يهزمها عسكريا، لكنه لا يستطيع إنهاءها شعبيا، وعلى هذا يفترض أن تبني رؤاها، كي تجنب المدنيين الهلاك. ثمة من سيقول إن المسؤولية تقع على النظام. هذا صحيح من حيث المبدأ، لكن إذا كان النظام من الصنف الذي يتحمل مسؤولياته، ويعرف كيف يصغي لمطالب شعبه، ويحمي مصالحهم، فلماذا قامت الثورة ضده أصلا؟
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط