رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أخيرًا.. لدى مصر مبادرة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

الخبر أن ثمة مبادرة مصرية لحل الأزمة السورية، صحيح أنه لم ينشر إلا في جريدة «الأهرام» أمس (الثلاثاء 6 مارس)، ولم تشر إليه الصحف الأخرى. ولا أستبعد أن يكون السبب في ذلك أن الصحف المصرية الأخرى أهملته واعتبرته شائعة غير قابلة للتصديق. وربما كانت معذورة في ذلك لأننا كدنا ننسى أن مصر يمكن أن تطلق مبادرات. وفي بعض الأحيان فإنها تركت غيرها يقوم بهذه المهمة، أو آثرت أن تنتظر مبادرات الآخرين خاصة المملكة العربية السعودية.

وهذا ليس تخمينا أو افتراضا، لأن ذلك ما حدث بخصوص الشأن السوري تحديدا. إذ إن معلوماتي أن وزارة الخارجية وجهت رسالة إلى المجلس العسكري بهذا الخصوص قبل عدة أشهر، ولكن المجلس لم يرد، إلى أن جاء وزير الخارجية السعودي إلى القاهرة مشاركا في اجتماع مجلس الجامعة العربية، وكان التوجيه الذي أبلغ به وزير الخارجية المصري قبل أن يتوجه إلى قاعة الاجتماع أن وجهة نظر البلدين واحدة في الموضوع.
صحيح أن الانكفاء المصري والانسحاب من المحيط العربي له تاريخ يمتد إلى المرحلة الساداتية، التي أعلن فيها صاحبنا أن 99٪ من الأوراق في أيدي أمريكا، وقام بزيارة القدس وعقد معاهدة السلام مع إسرائيل، التي أخرجت مصر من الصف العربي وقزمتها حتى حولتها إلى مجرد متفرجة على المشهد العربي. وهو المنهج الذي سار عليه خلفه الذي حوّل مصر من دولة إلى «ولاية» ضمن ولايات ما سمى بالاعتدال العربي المشمولة بالرعاية الأمريكية.
منذ ذلك الحين لم نسمع عن مبادرات مصرية. سمعنا عن تنامي الدور السعودي في إطار الجامعة العربية، وتعاظم الدور القطري في الساحة العربية من اليمن إلى السودان ولبنان وفلسطين. أما الدور التركي فرأيناه يشمل الشرق الأوسط كله من باكستان وأفغانستان إلى العراق وسوريا وليبيا. أعني أننا لم نعد نسمع عن دور لمصر رغم أن محيطها حافل بالأحداث الساخنة، باستثناء الجهد الذي بذلته في المصالحة الفلسطينية، والذي كانت مصر فيه تقليديا ضاغطة على الطرف الفلسطيني المقاوم لحساب الطرف المتصالح مع إسرائيل. وكانت ومازالت مخاصمة للأول ومحتضنة الثاني، لحسابات ليست بعيدة عن سياسة ولايات «الاعتدال» سابقة الذكر.
بعد ثورة 25 يناير لم يعد هناك محل لمصر المنكسرة، لكن مصر المنكفئة استمرت كما هي، حتى قلت ذات مرة إن الرئيس السابق حسني مبارك لا يزال يدير السياسة الخارجية المصرية. ذلك أننا لم نشهد تغييرا يذكر في خطوط تلك السياسة إلا لفترة وجيزة للغاية لم تتجاوز شهرين. حين تولى الدكتور نبيل العربي منصب وزير الخارجية، وقال كلاما دعا فيه إلى فتح معبر رفح وإلزام إسرائيل بتعهداتها في اتفاقية السلام وتحدث عن تطبيع العلاقات مع إيران. لكنه بدا مغردا خارج السرب ومعبرا عن رأيه الخاص وليس عن سياسة حكومة المجلس العسكري، فأبعد الرجل عن الخارجية وعين في منصب أمين الجامعة العربية، ثم عادت «ريمة» إلى عادتها القديمة.
ما فهمته ــ وأرجو أن أكون مخطئا ــ أن المجلس العسكري الذي يتلقى ضغوطا قوية يومية من الخارج (لا تسألني من أين؟) آثر السلامة

واختار أن يجمد علاقات مصر الخارجية حتى ينتخب رئيس جديد للبلاد وتسلم السلطة للمدنيين، بحيث تتحمل السلطة الجديدة هذه المسؤولية. وفي حدود علمي فإن المجلس العسكري وزع أنشطة السلطة التنفيذية على أعضائه، وأن وزير الخارجية الذي أتذكر اسمه بصعوبة، يتحرك في ضوء التوجيه الذي يصدر إليه من عضو المجلس العسكري المسؤول، رغم ما قيل من تفويض رئيس الوزراء في سلطات رئيس الجمهورية.
ربما لاحظت أنني لم أذكر شيئا عن مضمون المبادرة المصرية، أغلب الظن لأنني اعتبرت أن عودة المصطلح إلى لغة الخطاب السياسي في مصر تعد خبرا بحد ذاته، بعدما نسينا أن مصر دولة يمكن أن تطلق مبادرات. ولذلك اعتبرت أن مجرد إدخال الكلمة في جملة مفيدة واستخدامها في الإعلام المصري يعد حدثا مهما، بصرف النظر عن تفاصيله. حتى إذا ورد في تصريح صحفي أو بيان سياسي يلقى في أي مناسبة، أو حتى في خطبة جمعة! ويخطر على بالي أنه ربما كان مناسبا أن نخفف من وطأة المفاجأة على القارئ. بحيث لا نخبره بوجود مبادرة ثم بمضمون المبادرة في وقت واحد. الأمر الذي قد يستعصى عليه هضمه واستيعابه! ــ لكني قلت إنه بعد هذا التمهيد ربما صار بعض القراء في حالة نفسية مواتية تسمح لي بأن أشير إلى مضمون المبادرة التي أهم ما فيها ما يلي: الوقف الفوري للعنف والدعوة إلى تجنيب سوريا خطر التقسيم أو التدخل الخارجي، وفتح حوار مع الدول الداعمة للنظام السوري (روسيا وإيران) لإيجاد حل سياسي للأزمة.
حين قرأت الخبر المنشور مرة ثانية اكتشفت مفاجأة أخرى أصابتني ببعض الإحباط، لأنني وجدت المبادرة برلمانية وليست حكومية، وأن الذي أعلنها كان الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب في كلمته أمام جلسة الاتحاد البرلماني العربي في الكويت، حينذاك قلت: حتى وإن كانت برلمانية ولا تعبر عن رأى الحكومة المصرية فلا بأس، إذ المهم في الوقت الراهن أن تعود الحياة إلى المصطلح ويتذكر الناس أن لدى مصر مبادرة.
نقل عن  صحيفة الشروق القطرية