رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ليس خرقاً أمنياً إنه فشل سياسي

د. محمد عاكف جمال
د. محمد عاكف جمال

ضربت سلسلة عمليات إرهابية متنوعة، انفجار سيارات مفخخة وعبوات ناسفة وأسلحة رشاشة، بلغ عددها 28 عملية يوم الخميس الثالث والعشرين من فبراير المنصرم العراق الجريح في العمق. سقط في هذه العمليات ما يزيد على 250 ضحية بين قتيل وجريح في 11 مدينة وسط العراق وشماله، كان نصيب العاصمة بغداد منها خمس عمليات، وسقط مع هؤلاء الضحايا ما تدعيه الأجهزة الرسمية وتفخر به من إنجازات أمنية.

وتعتبر هذه الهجمات الأكثر دموية منذ سقط ما يزيد على ثلاثمئة شخص بين قتيل وجريح في سلسلة هجمات إجرامية مماثلة ضربت 17 مدينة عراقية في يوم واحد في أغسطس من العام المنصرم وتبناها تنظيم «دولة العراق الإسلامية» التابع لتنظيم القاعدة.
بين هذين الحدثين الكبيرين المفزعين قرابة ستة شهور من المعاناة نُفذت خلالها المئات من العمليات الإرهابية في مختلف المدن العراقية ووقع ضحيتها المئات وربما الآلاف من الأبرياء بعبوات ناسفة أو بكواتم الصوت أو بغيرها، ولحق بالعراق جراء ذلك المزيد من الخراب.
الحدث الكبير في الثالث والعشرين من فبراير المنصرم والذي قد يتكرر يوم غد أو اليوم الذي بعده يستوجب التوقف عنده لبشاعته من جهة ولدلالاته الخطيرة من جهة أخرى. فلم يعد ما يصدر عن الجهات الرسمية من تصريحات تستخف بعقول العراقيين وتحليلات بائسة هدفها التقليل من شأن هذه العمليات بغية امتصاص نقمة الناس والتهرب من تحمل تبعاتها، لم يعد ذلك يقنع غير المغفلين والمتغابين وأصحاب المصالح، داخل العراق وخارجه، في بقاء الأوضاع الاستثنائية في العراق على حالها.
ففي ما يتعلق بالأحداث التي نحن بصدد مقاربتها خرج علينا ناطق بلسان وزارة الداخلية معلناً بأن «الداخلية تمتلك معلومات خطيرة عن تفجيرات الخميس»، ويمضي مهدداً بالويل والثبور القائمين بهذه العمليات، في تناقض واضح بين المعلومات الخطيرة التي يدعي أنها بحوزته عن التفجيرات وبين بقاء من قاموا بها طلقاء يتمتعون بحريتهم.
وفي الوقت الذي يصرح فيه مسؤول أمني كبير بأن تنظيم القاعدة قد تراجع نفوذه في العراق لأن قواعده انتقلت إلى سوريا واليمن وإلى مناطق أخرى، تُعَمدُ شوارع المدن العراقية وساحاتها بدماء مواطنيها لِتُسفه تصريحات هذا المسؤول.
ما حدث في الثالث والعشرين من فبراير المنصرم في 11 مدينة عراقية ليس مجرد «خروقات أمنية» كما اعتدنا سماع ذلك من الجهات الأمنية المسؤولة، وإنما فشل أمني خطير. أمن البلد له أبعاد محلية وأخرى إقليمية وهو القضية الأكثر خطورة في وضع الاستراتيجيات ورسم السياسات. المسألة الأمنية المقلقة في العراق على مدى التسع سنوات المنصرمة ترتبط إلى حد بعيد بحالة الاستقرار فيه وهي قضية سياسية قبل أن تكون قضية أمنية. ففي نهاية المطاف فإن المسؤول عن أمن البلد وأمن المواطن هي الدولة، دستوراً ورئاسات ووزارة ومؤسسات.
الحكومة العراقية تحت تصرفها جميع موارد البلاد وميزانية عام 2012 هي الأكبر في تاريخ العراق، إذ ستربو على المئة مليار دولار، وتحت تصرفها كذلك جميع الموارد البشرية المتوافرة في أجهزة الدولة أو في منظمات المجتمع المدني، وتستطيع فوق ذلك الاستفادة من قدرات عشرات الآلاف من الكفاءات العراقية المغتربة المنخرطة في منظمات سياسية أو مهنية أو المحافظة على استقلاليتها.
والتي لا تتردد في خدمة بلدها بالقدر الذي تسمح به ظروفها وبالقدر الذي تسمح به مبادئها بالتلاقي مع القيم التي تحكم العملية السياسية المثيرة للجدل. وتمتلك الحكومة العراقية فوق ذلك مطلق الحرية في توجيه وتوظيف هذه الموارد ضمن خطط التنمية وفق برنامجها الذي صادق عليه مجلس النواب.
مقابل ذلك ما الذي لدى قوى

الظلام التي تعبث بأمن البلد من موارد مالية وبشرية، فهي مهما امتلكت من أموال فهي ليست بالشيء الذي يذكر، ومهما بلغ عدد منتسبيها فهو رقم صغير جدا، وهي تعمل في أجواء سرية تفرض عليها قيودا كثيرة، سواء في التواصل مع بعضها أو في الحصول على المعلومات الاستخبارية، أو في الحصول على المواد التي تساعدها في تنفيذ عملياتها.
أسباب الفشل الأمني الحكومي رغم إمكانياته الكبيرة وأسباب نجاح الإرهاب رغم قدراته المتواضعة تكمن في كيفية استغلال الموارد المتوافرة لدى كل منهما. فعلى الرغم من غزارة ووفرة ما لدى الحكومة إلا أنها عاجزة تماما وغير قادرة على توظيف هذه الموارد والقدرات في الأطر الصحيحة.
أحد أبرز عوامل النجاح لأية مؤسسة في عملها، حكومية أو خاصة، هو وجود فلسفة واضحة لها وتوافر رؤى تخدم هذه الفلسفة واستراتيجية للبدء بتحويل الرؤى إلى واقع، وكوادر بشرية قيادية مؤهلة تنسجم في تفكيرها مع فلسفة المؤسسة وتتماهى مع رؤاها وتمتلك القدرات والرغبة على تنفيذ استراتيجياتها.
وما ينطبق على المؤسسة من شروط للنجاح ينطبق إلى حد بعيد على الدولة نفسها، والحقيقة أن من الصعب رؤية أن ذلك ينطبق بأوهى خيوطه على مختلف المستويات مع ما يجري في العراق من ممارسات تفتقر إلى التخطيط العلمي من جانب، وتفتقر إلى الكوادر التي تجمع بين الكفاءة والنزاهة من جانب آخر.
لقد قتلت العملية السياسية الشوهاء التي بنيت على أسس المحاصصة العرقية والطائفية كل أمل في النجاح بإعادة بناء الدولة العراقية على أسس عصرية حضارية. فقد حرمت هذه العملية العراق من الاستفادة من كفاءاته، فالمناصب القيادية في أجهزة الدولة وحتى ذات الأهمية الثانوية أصبحت تشغل بصفقات سياسية بين الفرقاء الذين تقاسموا المغانم حين صعدوا إلى مواقع صناعة القرار، وتوافقوا على الانتفاع منها وتوافقوا على حماية المفسدين وتوافقوا على التستر على مخالفات وربما جرائم بعضهم البعض، وتوافقوا في نهاية المطاف على إيصال العراق إلى هذه الحالة البائسة.
لقد صنعت سياسة المحاصصة شقوقاً كبيرة في جسد الدولة العراقية ومنافذ يتسلل إليها كل من يريد إلحاق الضرر بالعراق، ويتسلل منها المفسدون بسهولة. كلمة أخيرة نقولها للمسؤولين عن أمن المواطن العراقي: إن ما تسمونه خروقات أمنية أيها السادة هو فشل سياسي بكل ما تعنيه كلمة «فشل» من معنى.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية