رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مرة أخرى.. يحرقون المصحف

بوابة الوفد الإلكترونية

حادثة حرق المصحف الكريم بيد جنود أميركيين في قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، حتى وإن كانت خطأ غير مقصود كما يقال.

فإنه فعل مستفز، أثار حنق المسلمين وتسبب في حالة غليان في الشارع الأفغاني، حتى إن خطاب اعتذار الرئيس الأميركي ووعده بالتحقيق ومحاسبة المسؤولين لم يفلح في تخفيف حدة غضبة الناس. بالتأكيد لا تصدر مثل هذه الأفعال عمدا إلا من ذاهب عقل، لأنها رعناء، تؤلب وتستنفر الناس على قضية محسومة سلفا؛ وهي أن الإساءة لأي دين هي جريمة بحق أمة كاملة، خاصة أن الجنود الأميركيين في الأصل غير مرحب بهم في أفغانستان، وشعور النفور متبادل، فلم تكن الحالة بحاجة إلى حادثة إضافية لتعبير كل طرف عن شعوره للآخر.
وهذه الإساءة ليست الأولى ضد ما يمس معتقدا دينيا سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي، ولكن فيما يخص المسلمين، فقد شهد العالم منهم ردود أفعال قوية في بلدان كثيرة تجاه إساءات للنبي الكريم، كما في كاريكاتير المجلة الدنماركية التي نشرت رسوما غير لائقة بمقام النبي محمد عليه الصلاة والسلام في 2006، أو في إنتاج أفلام تستهدف الإسلام، أو التهديد بحرق القرآن، كما حدث من قس أميركي في 2010. ولكن المستغرب أن غضب المسلمين هذه المرة كان محدودا في أفغانستان، حيث لم تخرج التظاهرات والجماهير على الفور في أقطار البلاد الإسلامية تندد وتحتج وتطالب بالمقاطعة الاقتصادية كما جرى في الحوادث السابقة، حتى إن الرئيس الأميركي أوباما بعث باعتذاره عن هذا الفعل للرئيس الأفغاني حميد كرزاي، وكأن القرآن كتاب يخص الأفغان لا أمة بمليار نسمة. فلماذا اختزل المسلمون غضبتهم هذه المرة؟ ما يمكن أن نستنتجه أن انشغال العالم بأحداث الثورات العربية وخاصة في سوريا، حيث أصبحت ملفا دوليا شائكا، وكذلك سماع طبول لا نعرف هل هي طبول الحرب أم طبول التخويف بالحرب على إيران، أمران امتصا انفعال حادثة حرق المصحف وجعلاها لا تخرج عن حدود مكان حصولها رغم الاتفاق على أنها فعل مذموم. الإساءة للأديان وللأنبياء أمر لم يتوقف منذ أول نبي ورسول أرسله الله تعالى، هذه سنة كونية لا جدال في ديمومتها، فالجاحدون لله ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون‏، وستمضي هذه السُنة الثابتة إلى يوم القيامة لن يزحزحها

أي احتجاج أو غضب أو انتقام، ولن يكون حرق القرآن في القاعدة الجوية آخر إساءة له، بل إن لهذا الفعل بالتحديد تاريخا قديما وسيكون له عمر طويل. ولكن ما يمكن أن نجادل فيه هو ردود الأفعال التي قد تكون هي بدورها إساءة مضافة لهذه الإساءة تصدر من مسلمين متحمسين للدفاع عن معتقدهم، ولكن هذه الحماسة - جهلا منهم - تصيب في غير موقعها، خاصة أنها لم تظهر في حوادث كثيرة لا حصر لها لحرق المصحف الشريف في تفجيرات لمتطرفين مسلمين لمساجد في باكستان وأفغانستان.
لا أحد يستطيع أن يزايد على ما أقره الله تعالى بحكمة متناهية وفهم لنفوس الناس وعلم بالغيبيات حينما أمر نبيه الكريم بأن يتحلى بالحلم والصبر على الأذى، لأن المستقبل القريب أو البعيد سيحمل بين يديه الإنصاف وفيصل الحكم، خاصة التعدي الشخصي أو محاولة الامتهان أو الشتم، لأنه أذى صغير القيمة، الغرض منه الاستفزاز أكثر منه المقدرة على إيقاع الضرر، فكان التوجيه «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»، رغم أن خيارات التحفز للقتال أمر مطروح، ولكن التفاعل أكثر من اللازم مع مثل هذه الاستفزازات سواء كانت عمدية أو عن جهالة هو نقصان في الحكمة، ومزايدة على التوجيه الرباني.
كل الانفعالات التي قد تحصل نتيجة أفعال نشعر أنها مهينة أو فيها تعريض، هي مقبولة ما دامت في ذاتها ليست تعديا أكبر، فإن كانت كذلك، أصبحت تنافسا على الشر وتسابقا على إلحاق الضرر بالقيم العليا.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط