عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل من ثورة إعلام؟

أمجد عرار
أمجد عرار

لم تحظ ثورة الإعلام، سواء كانت بوجهها الإيجابي أم السلبي، بالاهتمام الذي تستحق ارتباطاً باضطلاعها بدور المشكل الرئيسي للرأي الفردي والجمعي إزاء قضايا الكون، وبخاصة الحاسمة والمفصلية منها، وأيضاً ارتباطاً بالموضوع الديمقراطي الذي بات أكثر العناوين استخداماً في مرحلة العولمة التي تؤسس لعالم جديد يصغر شيئاً فشيئاً.

ومثلما يتم التعاطي مع الديمقراطية كأنها وصفة شاملة صالحة لكل زمان ومكان بلا تمحيص ولا ربط بالظروف الخاصة ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للشعوب متفاوتة التطور، وباعتبار الصياغة الغربية لها نهاية الصياغات المقدسة، فإن الإعلام يجري إنزاله من فوق باعتباره أيقونة لا تمس ولا هي جديرة بالفكفكة والإخضاع لجدلية العقل وملحمة الحقيقة .

أين الإعلام من قضية الديمقراطية؟ سؤال جوهري في زمن ثورة المعلومات، وهو لا يتعلق فقط بموقف الإعلام من الديمقراطية المزعومة هنا أو التي يجري نضال لأجلها هناك، لكنه يتعلق بالفعل الديمقراطي ودوره في بناء الإعلام نفسه كإمبراطورية بلا حدود . في بلد ما توضع مواصفات لنظام الحكم تتحدد بموجبها حاجته للديمقراطية المطروحة كشرط للبقاء والرحيل، ذلك ببساطة لأن النظام المعني يتحكم بحياة الناس الواقعين تحت ولايته وحكمه، وبالتالي يجب أن تكون السلطة منتخبة حتى تعبّر عن إرادة غالبية شعبها . لكن وسائل الإعلام تتحكم بعقول الملايين في حدود اللغة التي تتحدث بها وأبعد منها قليلاً، ولا تخضع وسيلة إعلام واحدة لمبدأ الانتخاب .

في هذا الخضم والزخم نجد مملكة إعلام “شعبها” بالملايين متعدد الأعراق والطوائف والأديان والشرائح والطبقات، مفروض على هؤلاء جميعاً إدارات إعلامية معيّنة وسياسات إعلامية تحددها هذه الإدارات من دون أن تعرف الرعية أية خلفية لهذه السياسة، وإن عرفت الأهداف يكون ذلك بالتوازي مع ضخ يبرر الأهداف ويسبغ عليها هالة من الطهارة وبراءة المقصد .

إذا كانت الأدوات المستخدمة في الإخراج الإعلامي هي ذاتها المستخدمة في الإخراج السينمائي والتلفزيوني، أداة التصوير والعرض والصوت والصورة والطاقم البشري، فكيف لي كمشاهد أن لا افترض التداخل في صناعة كل من هذه المواد؟ . كيف لي أن أطمئن إلى أن

مطبخ “هوليوود” لا يتسلّل إلى مطبخ الإعلام ويقدّم خدماته في الصناعة الإعلامية؟ . المشاهد يبكي لمشهد حزين وهو يعلم مسبقاً أنه أمام حالة تمثيل يعيشها فتؤثر فيه فيذرف الدموع، فكيف به يتعامل مع المشهد نفسه في نشرة أخبار؟ .

من يشاهد وسائل الإعلام يجدها ليست معزولة عن الصراع الطبقي والاجتماعي والدولي، بل هي صورة لهذا الصراع في البناء الفوقي، وكجزء من منظومة الثقافة والفن والتعبير السياسي متعدد الوسائل . وإذا كانت المنظومات السياسية تخضع لآليات الديمقراطية ومعاييرها، فيجب أن تخضع وسائل الإعلام كذلك إلى هذه الآليات والمعايير مضافاً إليها البعد الأخلاقي بما هو أشد وضوحاً .

إذا كانت الصحف المكتوبة مطالبة بالتحقق من مصادرها وبالاحتفاظ بأسمائهم تحسباً للحظة مساءلة، فكيف تترك الفضائيات لتعتمد في تسعين بالمئة من مادتها على مصادر لا يمكن التحقق منها ولا التأكد من صحة المادة نفسها؟ . هذا الانفلات غير الديمقراطي جعل من بعض وسائل الإعلام وجهة مغرية لانتهازيين يقدّمون أوراق اعتمادهم بطريقة ترغبها وتدفعها لاستقدامهم .

ثمة حاجة لثورة ديمقراطية في الإعلام، ولتأسيس أدوات للمحاسبة المهنية معيارها قدسية الحقيقة وتجريم التضليل . ولعل نقطة الانطلاق تكون بتأسيس لجنة تابعة للأمم المتحدة يؤدي أعضاؤها قسم المهنة مثل الأطباء، قسم ينسحب على كل العاملين بالمهنة حتى تبقى نظيفة، وتبقى الحقيقة بلا تشويه .

نقلا عن صحيفة الخليج الاماراتية