رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر: التزام بالديمقراطية!

بوابة الوفد الإلكترونية

المشهد السياسي المصري الراهن يثير التساؤل حول مدى جدية المصريين في الالتزام بالديمقراطية، أو فهمهم لها، كبيئة تتيح البقاء على قيد الحياة لجميع الكائنات التي تتكون منها الدولة القومية الناضجة حسب تعريف العلوم السياسة والتاريخ لـ«Nation State».

الدولة، ورأسها ملك أو رئيس، تتبعه مؤسسات ثابتة لا تتغير، كوعاء بداخله حكومة تنفيذية منتخبة محددة الملامح دستوريا، وتمثيل نيابي لكل من يدفع ضرائب للدولة (لا للحكومة فهي تنفيذية لجمع الضرائب وإنفاقها)، يقوم بدور مراقب ومحاسب السلطة التنفيذية، وقضاء مستقل، وصحافة حرة لم تسم سلطة رابعة لمجرد البلاغة بل لأنها ضمير الرأي العام كمراقب نهائي لكل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.
العديد من حلقات النقاش التلفزيوني في الذكرى الأولى لغروب هليكوبتر حسني مبارك شرقا تضمنت عدة تيارات اشتركت جميعها في نسيان تاريخ مصر، إما عن جهل أو عن فقدان جماعي للذاكرة أو للوعي أو الاثنين، كمن تعاطى مخدرا يوهمه بأنه لا ينتمي إلى الأرض التي ولد ويعيش فوقها، بل يحلق في كيانات وهمية ودخان الشعارات.
الثوار، أو الليبراليون، والعلمانيون (يخجلون من التسمية اتقاء لبطش التكفيريين وسكاكين ورصاص قتلة الأدباء والسياح) ينتحبون على سرقة ثورتهم بانقلاب عسكري، وحصد الإسلاموجية لما زرعوه «وروته دماء شهدائهم» في ميدان التحرير.
ضباط الجيش المتقاعدون يحاولون إيجاد موازنة بين مطالب الثوار، والتقدم نحو إصلاح المؤسسات والدولة، مع الاحتفاظ بسيادة المؤسسة العسكرية فوق المحاسبة الدستورية.
المثقفون اليساريون والقومجية العروبيون ليسوا فقط مثل شباب الثورة الفاقدين الذاكرة (بخرافة أن الفساد والديكتاتورية وفقدان الحريات بدأ بحكم مبارك 1981 وليس بكارثة انقلاب يوليو/ تموز، 1952)، بل يتفوقون عليهم بفقدان الوعي بفضل الأفيون الناصري الذي يبدو أن الجسم المصري محصن ضد علاج الإدمان للتخلص منه.. فقدان وعي الانتماء لمصر ونمو سرطان عداوة الآخرين والجيران بربط الفساد والديكتاتورية بالسلام مع إسرائيل (وهل كانت الدولة البوليسية للكولونيل ناصر المعادي لثلثي سكان الأرض جنة في حقوق الإنسان؟) رغم خلو التاريخ من فصل واحد أدى فيه استبدال الحرب بالسلام إلى ديمقراطية أو رخاء، وليس العكس.
معلقون وأكاديميون وأساتذة علوم سياسية - حتى من الجامعة الأميركية المفترض ارتفاع مستواها - يشاركونهم أكثر هذه التخريفات. وإلى جانب بديهية الحفاظ على حياة الإنسان كأثمن ما في الوجود، لم يذكر أي من جهابذة العلوم السياسية أرقام ما وفره السلام لمصر من ميزانية الإنفاق العسكري منذ 1977 (ما يفوق 68 مليار دولار)، والذي تم توجيهه إلى استثمارات وإنشاءات وخلق وظائف؛ بجانب الدعم الأميركي (73 مليارا و300 مليون دولار حتى اليوم)؛ و35 عاما من جذب الاستثمارات العالمية.
بدا أثر الإدمان على الذاكرة الجماعية في النقاش حول الدستور، وحتى أنضجهم ممن اعترفوا بحماقة إجراء الانتخابات قبل صياغة دستور تتوقف ذاكرتهم عند دستور 1971، ولم يذكر أحدهم مرة دستور 1923 (الذي يؤسس الشرعية البرلمانية كنظام حكم) مما يثير الشك في قدرة التيارات السياسية المصرية على فهم الأسس الديمقراطية وبالتالي التزامهم بها. فدستور انقلاب العسكر في الخمسينات، ودستور 1971 لا علاقة لهما بالديمقراطية. فإلى جانب مناقضة مواده لبعضها بعضا وللقوانين فإن 1971 يجعل البرلمان خاتما مطاطيا للتصديق على قرارات يصدرها صاحب منصب غير شرعي أصلا، إذ جاء فوق دبابة وليس بانتخابات قانونية.
التيار الآخر، أصحاب المرجعيات الدينية والإسلامويون منهم، هم الآن أغلبية من تيارين في البرلمان. وهم يشاركون التيارات الأخرى إدمان فقدان الذاكرة والوعي (مع اختلاف «الصنف») وأدوات التحليل السياسي العلمي، ويفوقون الآخرين جهلا بمفهوم الدولة القومية، بمقولة زعيمهم الروحي الشهيرة «طز في مصر وأبو مصر».
وهذا يقود إلى ملاحظة ما حوّل البرلمان المصري في شهره الأول إلى مصدر تسلية كوميدية على الـ«يوتيوب»، بما لا يليق بمصر منذ عهد مينا (3200 ق.م) حتى

ميدان التحرير.
عضو برلمان يقاطع الجلسة صائحا بأذان العصر كأنه فوق مئذنة. العضو يتجاهل توجيهات رئيس المجلس بأنه ينتهك قدسية ومكانة البرلمان بالمقاطعة (أما استهانته بقدسية الأذان واستغلاله الدين لغرض دعائي لنفسه، فمسألة نتركها لعلماء الأزهر)، ثم يدخل في ما لا يمكن وصفه إلا بمباراة «ردح» مع رئيس المجلس (وكأنك تشاهد كوميديا ماري منيب وزينات صدقي في مشهد «ردح» نساء الحارة من الشبابيك)، رافضا التوجيهات.
والاسم «speaker» لرئيس أي برلمان في العالم من الفعل «تحدث» (to speak) أي لا حديث يعلو أو يسبق حديث الرئيس بلا إذنه أو بعده. رئيس البرلمان مثل حكم المباريات يوجه الحديث ويعطي الكلمة أو يمسكها، وقراره نهائي كرئيس لممثلي الأمة.
من المسؤول عن جهل العضو المؤذن (وصفه رئيس البرلمان في تأنيبه بأنه محب للظهور ومتعطش للدعاية وجذب الانتباه بأي ثمن ولو على حساب قدسية أذان الصلاة «ويزايد على إسلام بقية المسلمين من النواب») باللوائح البرلمانية؟
الفيديو يبين عضوا آخر أخرج من جيبه التليفون الجوال ليجري مكالمة، مخالفا لوائح البرلمان.
من يراجع لوائح الأداء وإدارة الجلسات واللجان المختارة في البرلمان المصري (وضعت في عشرينات القرن الـ19، ثم تعدلت مرتين في 1845 و1866، وآخر التعديلات دستور 1923 في برلمان الاستقلال 1922) سيسجل ملاحظة ربما هي الأهم في هذا المقال: عدم تطبيق رئيس البرلمان لنص اللوائح، والبرلمان لم يكمل من عمره شهرا بعد كي يضرب مثلا على جدية الجلسات (قارن ذلك برئيس مجلس العموم البريطاني وهو أقصر نواب البرلمان قامة لكن صيحته «order ..order» أي «انضبطوا.. انضبطوا» كمعلم يعنف تلاميذه تجبرهم على السكوت، بمن فيهم رئيس الحكومة الذي أحيانا ما يسكته الرئيس إذا أطال الحديث).
لوائح البرلمان المصري تمنح الرئيس صلاحية طرد النائب الذي قاطع الجلسة. وإذا رفض التعليمات، تطبق الخطوة التالية بأن يأمر الرئيس حاجب القاعة (من الحرس البرلماني المسلح) باصطحابه خارج المبنى، ويأمر بمنعه من حضور الجلسات لمدة محددة (أو مستمرة حتى يعتذر النائب للمجلس علنا)، يحرم أثناءها من صرف مكافآت الحضور ومصاريف الانتقال ومن الحصانة.
فإذا كان رئيس المجلس لا يعلم بصلاحياته وما كان يجب عليه اتخاذه تجاه مخالفة نائب للائحة البرلمانية التي تحدد سلوكيات وآداب الممارسات تحت القبة التي جلس تحتها زعيم الأمة سعد زغلول باشا ومن تبعه من عمالقة الوطن، فهي مصيبة؛ أما إذا كان الرئيس يعرف باللائحة واختار ألا يطبقها فالمصيبة أعظم والكارثة أفدح، وهذا حديث آخر.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط