رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مناهجنا وهويتنا.. مخاطر ومحاذير

بوابة الوفد الإلكترونية

يرى كثير من المفكرين التربويين وعلى رأسهم الإمام أبو حامد الغزالي ضرورة الاهتمام بالطفولة لأن المتعلم في هذه السن يكون مستعدًا لقبول العلم بمجرد الإيمان به ولا يطلب عليه برهانًا أو إثباتًا.

وعلى ذلك فإن التعليم الناجح في تلك المرحلة هو الذي يعكس ملامح الثقافة في الدولة التي نشأ فيها والذي يعزز التفرد الثقافي من خلال محتواه. كما أنه يساعد المتعلمين على تمثل القيم والمعتقدات والمهارات الاجتماعية والثقافية لمجتمعاتهم ويعمل على تنمية القيم السائدة فيها ورفع مستوى وعي المتعلمين بثقافتها. كما أنه يثري قيم المواطنة والمشاركة الفعالة في مجتمعاتهم.
وتأسيسًا على ذلك فإنه يتوجب على واضعي المناهج الدراسية أن يضعوا في حسبانهم هذه المعايير للتعلم الناجح ويضعوا نصب أعينهم أهداف المجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية فلا يجب التركيز على نوع واحد من الأهداف وإغفال الأنواع الأخرى.
ورغم اعتراف المسؤولين بأهمية تطبيع أطفال المرحلة الابتدائية بثوابتنا الثقافية التي تمكنهم من المشاركة الإيجابية في مجتمعاتهم وتكوين اتجاهات إيجابية نحو هويتهم الثقافية؛ إلا أن هذه الفكرة لا تزال غير مطبقة عمليًا في مناهج هذه المرحلة.
فالمناهج الدراسية هي مناط تقدم الأمم ومناط تخلفها والبحث فيها جزء لا يتجزأ عن البحث في أسباب التخلف وأسباب التقدم أيضًا. وإذا كان دور المناهج له فاعلية في الأوقات العادية فإنه يصبح أكثر فاعلية في أوقات التغيير الثقافي.
وقد أكدت دراسات تربوية عدة أن للمدرسة دورا مهما في تنمية الوعي بالمخاطر التي تهدد الثقافة العربية بوصفها المسؤولة عن النمو الثقافي واللغوي والتأكيد على معرفة الذاتية الثقافية وتنمية الانتماء والولاء والحفاظ على القيم والعادات لدى الطلاب.
كما أكدت دراسات أخرى ضرورة تضمين المناهج التعليمية التراث الثقافي والإنجازات الثقافية وبصورة مقبولة ومفهومة، فالمناهج الدراسية هي الإدارة الأكثر تأثيرًا على البنى الثقافية للأجيال القادمة من أبنائنا، لأن وظيفتها تحولت من مجرد أداة لتلقين المعرفة إلى وسيلة لصناعة البشر.
وعلى قدر أهمية المناهج الدراسية تعظم الأخطار التي تواجهها ومن أهم هذه الأخطار خطر العولمة الثقافية حيث تسعى الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية إلى قولبة الثقافات العربية والإسلامية وصبغها بملامح الثقافة الغربية لضمان تبعيتها لها.
ولا يخفى على أحد أن الهوية الثقافية العربية تواجه هجمات غربية متتالية للتشكيك فيها ومحاولة طمس معالمها ودفع المسلمين والعرب إلى التنكر لها والسعي نحو إحلال الهوية الثقافية الغربية محل العربية وتهدف أيضًا إلى وضع تحديات تربوية تهدم كيان المجتمع العربي حتى يدور في فلك التبعية.
وقد وجهت الدول الغربية أسلحتها صوب المؤسسات التعليمية والعربية والإسلامية تحت ذريعة أن مدارس هذه الدول هي البيئة الخصبة التي ينمو فيها الإرهاب الذي يهدد سلامتها وأمنها فبدأت هذه الدول خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تعقد مؤتمرات وتطرح مبادرات تملي من خلالها المسؤولين في الدول العربية والإسلامية أفكارًا وأطروحات تعكس تدخلاً سافرًا في مناهجنا التعليمية خصوصا فيما يتعلق بمناهج الدراسات الاجتماعية والتربية الدينية وغيرها من المناهج التي تظهر فيها ملامح هويتنا الثقافية وترسخها.
وساعد التطور التكنولوجي المتسارع على ذلك فقد أصبحت الثقافات القومية منفتحة على بعضها البعض وازدادت قابليتها للتغيير وأصبحت جميعها تسعى نحو ثقافة القرية الكونية مما قد يؤدي إلى ذوبان الهويات الثقافية لبعض من بلادنا في مقابل طغيان ثقافات الدول الأكثر قوة ويعتمد هذه على مدى قوة الثقافة وقدرتها على مقاومة التغير وإيمان أبنائها بها.
وتعد العولمة الاقتصادية من أهم أسباب التغريب الثقافي في المجتمعات الشرقية وتحليل الهوية الثقافية بها، وآثار العولمة والتغريب الثقافي تظهر من خلال ما تمارسه القوى الدولية المهيمنة من ضغوط مباشرة وغير مباشرة على الدول العربية فيما يخص تعليم أبنائها والمناهج المقدمة لهم وأنواع

الإنتاج الثقافي.
وكان من أهم نتائج العولمة الاقتصادية في بلادنا ظهور فكرة الخصخصة وبروز الدعوة إلى تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي وتخليها عن بعض وحدات القطاع العام إلى القطاع الخاص، وساعد على ذلك انتشار الشركات العالمية عابرة القارات - والتي تعمل بمبادئ النظرية المادية الدارونية التي ترى الحياة ميدانًا للتنافس والصراع يحاول فيها القوى السيطرة على الضعيف والبقاء للأقوى في ذلك الكون.
وهذا ما أدى إلى ازدياد الإقبال على المدارس الخاصة والتي تدرس فيها اللغات الأجنبية بكثافة خصوصا اللغة الإنجليزية، ويرجع ذلك إلى اعتقاد أولياء الأمور بأنها تقدم تعليمًا مطورًا لأبنائها وتساعدهم على تعلم اللغات الأجنبية ومن ثم تزيد من فرصة حصولهم على وظائف مرموقة في المستقبل.
ومع تحول أهداف مالكي هذه المدارس إلى الاستثمار والربحية أصبحت المناهج فيها تعكس الرغبة في جذب أكبر عدد من الملتحقين ويكون ذلك عن طريق تحسين الخدمة التعليمية عن تلك التي تقدمها المدارس الحكومية، وتقديم مناهج إضافية في اللغة الإنجليزية تهتم بالأهداف المعرفية على حساب هويتنا الثقافية. مما نتج عنه قصور في الاهتمام بالجانب الثقافي بمناهجنا التعليمية وإصابتها بحالة من الاجترار الفكري الثقافي للغرب حتى وصلنا إلى مشارف مرحلة من الإفلاس الفكري والثقافي والمعرفي واكتفينا بكل ما هو مستورد من الغرب وتضمينه في مناهجنا.
وقد أثبتت دراسات تربوية أجريت في الغرب أن من آثار تغريب المناهج في الشرق الأوسط إدخال ألفاظ غربية على اللغة العربية الفصحى خصوصا الكلمات التي تتعلق بمجالات التكنولوجيا والأعمال والاقتصاد والسياسة كما أثر ذلك على الحديث بين عامة الناس وخاصتهم من خلال استجلاب كلمات غربية أثناء حديثهم اليومي مع بعضهم البعض.
ويعتقد الأفراد الذين ينتمون إلى النخبة الاقتصادية والاجتماعية في أن ذلك درب من دروب الأرستقراطية والتمدن.
كما أكدت دراسات أخرى أنه مع ارتفاع المستوى الاجتماعي والاقتصادي يميل الأفراد إلى تقليد أنماط الحياة الغربية الاستهلاكية ويميلون إلى شراء الكماليات بشكل مفرط.
ورغم ذلك فلا تزال الطفولة هي التربة الخصبة لكل بذرة نفيسة لم تمسسها كيماويات العصر ولم تتغير جيناتها الوراثية وبإمكاننا أن نجعلها تتشبع بالمبادئ والقيم الأصيلة حتى نستطيع مواجهة هذه الهجمة الشرسة على ثقافتنا العربية بعقل واع وهوية راسخة، ويكون ذلك من خلال مراجعة المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية خصوصًا، والتدقيق فيما تحويه من مكونات أخلاقية وثقافية نظرًا لما تحدثه من تأثير غائر على البنى الأخلاقية والثقافية لأبنائنا.
نقلا عن صحيفة الشروق القطرية