رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

في المسألة المصرية - الأمريكية

العزب الطيب الطاهر
العزب الطيب الطاهر

ليس ثمة شك في أن أزمة حقيقية تواجه العلاقات بين مصر والولايات المتحدة أخذت تجلياتها في البروز والتصاعد على مدى الأشهر الأخيرة. منذ أن أبدت هيلاري كلينتون وزير الخارجية الأمريكية وغيرها من مسؤولي الكونجرس بعض الملاحظات التي لم تتقبلها

الحكومة المصرية فيما يتعلق بأسلوب تعامل قوات الجيش وقوات الأمن مع محتجين من شباب مصري مما أسفر عن مقتل بعضهم فضلا عن الإصابات العديدة التي طالتهم بيد أن هذه العلاقات تعرضت لنوع من التردي الفادح في أعقاب قيام السلطات القضائية بما وصف بنه اقتحام لمقار منظمات ومؤسسات المجتمع المدني ثم الإعلان أخيرا عن متهمين أجانب وفيهم أمريكيون إلى جانب نشطاء مصريين متهمين بالحصول على تمويل أجنبي غير مشروع والقيام بنشاطات غير مسموح بها من منظمات أجنبية لم تحصل على التراخيص القانونية لممارسة أنشطتها في الأراضي المصرية ولعل وضع نجل وزير النقل الأمريكي المدعو "صامويل آدم لحود "مدير فروع المعهد الديمقراطي بمصر وغيره من شخصيات أمريكية ضمن قائمة المتهمين في القضية التي كشف النقاب عنها قبل أيام بالأسماء والوقائع والوثائق هو الذي أضفى المزيد من الاحتقان على الأزمة بين القاهرة وواشنطن وذلك رغم أن صامويل وزملاء له سارعوا بالاختباء في المقر المحصن من الداخل والخارج للسفارة الأمريكية بمنطقة جاردن سيتي بوسط العاصمة المصرية مما دفع دوائر في الكونجرس إلى التهديد بقطع المعونات التي تحصل عليها مصر سنويا من الولايات المتحدة وتتجاوز مليارا ونصف المليار دولار أغلبها يوجه لتسليح القوات المسلحة المصرية
واللافت في هذه المسألة أن واشنطن لم تصدق بعد أن مصر باتت تعيش في رحم ثورة منذ تفجرها في الخامس والعشرين والتي حظيت بترحيب واسع داخل الأوساط الأمريكية وعلى أعلى المستويات وفي صدارتهم الرئيس باراك أوباما الذي أدركت إدارته أن نظام مبارك فقد القابلية للحياة مرة أخرى فسارعت بالتخلي عنه رغم أنه كان كنزا استراتيجيا لواشنطن ولحليفتها الاستراتيجية الحقيقية والوحيدة في المنطقة وأعني به الدولة المسماة بإسرائيل وإن كنت أحبذ إطلاق مسمى الكيان الصهيوني عليها.
ولعل المسؤولين الأمريكيين يتذكرون أن تحول بوصلة مصر باتجاه واشنطن بدأ منذ 36 عاما تحديدا بعد حرب أكتوبر عام 1973 والتي جاءت نتائجها السياسية متوافقة بالتمام والكمال مع المتطلبات الاستراتيجية لها في منطقة الشرق الأوسط وللأسف فإن الرئيس الراحل أنور السادات هو الذي قدم مصر المكانة والقيمة والدور على طبق من ذهب للولايات المتحدة عبر إعلانه أن 99 في المائة من أوراق القضية الفلسطينية في أيدي أمريكا ثم تخليه عن الحليف الاستراتيجي لمصر في ذلك الزمان البعيد وهو الاتحاد السوفييتي ووضع مصر في خانة الارتباط بالاستراتيجيات الأمريكية على مختلف الصعد السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية وأظن أن مذكرات مستشاره للأمن القومي حافظ إسماعيل كشفت على وجه اليقين الشروط الأمريكية لإبقاء مصر ضمن المنظومة الأمريكية وكان من بينها التخلي عن كل سياسات سلفه عبد الناصر وهو ما تجلى في بدء سياسة الانفتاح الاقتصادي على أسس فهم مغلوط للتوجه الرأسمالي استند إلى إتاحة بروز طبقة جديدة تؤازر النظام الجديد بتوجهاته المغايرة وهو ما كشف عنه بوضوح أشد الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه الجديد عن مبارك والذي ينشر مسلسلا بصحيفة الشروق المصرية اليومية والذي كشف عن التدخل الأمريكي في أدق تفاصيل السياسات المصرية الداخلية إلى الحد الذي وصل إلى تحديد أسس حماية النظام ورئيسه وهو ما لم يفلح في إنقاذ السادات من الاغتيال في السادس من أكتوبر من عام 1981 الأمر الذي مهد الطريق لنائبه حسني مبارك للوصول إلى مقعد الرجل الأول في مصر مستمرا في تطبيق التوجهات ذاتها على نحو رفع من سقف التخبط والارتباك وتكريس حالة التبعية للولايات المتحدة وللكيان الصهيوني فبدت السياسات المصرية طوال الثلاثين عاما من حكمه باهتة ولم تخرج عن كونها ظلا لما تريده واشنطن ظنا منه أن ذلك يفتح أبواب واشنطن للقبول بنجله وريثا لعرش البلاد غير الملكية ويبدو أن دوائر عدة في كواليس صناعة القرار الأمريكي باتت على قناعة بأهمية استمرار نظام مبارك الأب عبر مجيء مبارك الابن (جمال مبارك) لضمان استمرارية التحالف المصري الأمريكي وفي الوقت نفسه المحافظة

على مصالح الكيان الصهيوني.
ويبدو أن النخب السياسية الأمريكية ما زالت تنظر إلى مصر الثورة باعتبارها امتدادا لزمن مبارك وأنه يمكن ابتزازها الآن مثلما كان يتم في الماضي وتتعامل معها باعتبارها مجرد دولة تابعة تتلقى معونات ومنحا ومن ثم فإنه يمكن التأثير على توجهاتها عبر التهديد بقطعها أو تقليصها وبالرغم من خلافي مع بعض سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارته للمرحلة الانتقالية خاصة على صعيد لجوئه إلى العنف مع الثوار سواء من خلال استخدام قوات الجيش أو الشرطة في المواجهات معهم فإنني أحيي خياراته فضلا عن خيارات حكومة الدكتور كمال الجنزوري رئيس حكومة الإنقاذ الوطني في التعامل مع الضغوط والتهديدات الأمريكية لجملة من الاعتبارات:
أولا: أنه يتعين أن تدرك واشنطن أن مصر أضحت دولة مستقلة وليست تابعة أو جمهورية من جمهوريات الموز في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة والتي نهض العديد منها متحديا السياسة الأمريكية.
ثانيا: إن الثورة الشعبية المصرية لن تتنازل عن استعادة دور مصر في المنطقة. وبالضرورة رفض الوصاية أو التبعية التي انحرف إليها النظام السابق الذي أسقطه الشعب المصري وذلك يعني بوضوح أن السياسة الأمريكية ينبغي أن تعدل من آليات تعاطيها مع الشأن المصري فثمة ثورة فرضت حضورها وهي تحقق كل يوم تحولات نوعية رغم محاولات الثورة المضادة التي يقبض بعض رموزها على مفاصل مهمة في الدولة المصرية وكان آخر تجليات محاولاتها ما جرى في مدينة بورسعيد.
ثالثا: إن العلاقات الاستراتيجية مع مصر الثورة لن تكون إلا في إطار المصالح المتبادلة وليست لطرف دون الآخر، ومصر لن تُبتز أو تُذل، فمن يريد صداقتنا طبقاً لأعرافنا وتقاليدنا فأهلاً به، ومن لا يريدها فطبقاً لأخلاقنا أيضاً أهلاً به.. أما الأذرع الخفية فقد بدأت تتساقط ونحن كفيلون بها والنهاية باتت قريبة (اقتباس من بيان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على صفحته بالفيس بوك).
رابعا: لست من الرافضين للعلاقات المصرية الأمريكية ولكن يتعين تطويرها على أسس من الندية بعيدا عن تعالي واشنطن وانسحاق القاهرة غير أن ذلك يتطلب بعد أن تنتهي مصر من استعادة عافيتها الأمنية والسياسية عبر استكمال مؤسسات جمهوريتها الجديدة أن تبدأ في تطبيق سياسات اقتصادية تعظم من قدراتها الإنتاجية بما يوفر إمكانية الاعتماد على نحو أوسع على الذات حتى تمتلك القدرة على استقلالية قرارها الوطني ولا يجعلها عرضة للتهديد أو الضغط أو الابتزاز
السطر الأخير:
في المسافة بين عينيك
تورق شقائق النعمان
تركض الخمائل بين ضفافها
تسكن الحدائق والنخيل وشجر الرمان
يترنح بسواحلها فؤاد الفتى
تطاله سهامها
يتبدد عشقا بين الأفنان
هي – المسافة – قمر
أم فتنة للروح وعناقيد من مرجان
جئتك من أقصى بلاد الشعر
مقدما قرابيني وليلي ونطقي وصمتي
لأبوء بمنازلها
فتحيطني نوارس وغزلان
بوحي بأشواقها الكبرى
اهبطي علي برطبها
كي تنالني حقولها
تغزلني شمسا
ترسل عافيتها تسكبها بهاء في عمري
فتسافر عني جروح وأشجان

نقلا عن صحيفة الشرق القطرية