رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من الفتنة والفوضى إلى الانقسام والتقسيم!

بوابة الوفد الإلكترونية

مع انتهاء الحرب العالمية الأولى بهزيمة الدولة العثمانية، آخر أشكال الوحدة الإسلامية، بافتعال الانقسامات بين العرب والترك بخديعة إنجليزية، تم تقسيم الأمة قومياً ومذهبياً وطائفياً، وبدأت الحقبة الاستعمارية الجديدة تفرض سيطرتها على الشرق العربي الإسلامي، وتوالت خطوات التقسيم للوطن العربي طبقاً لمناطق النفوذ الاستعماري..

وما نشهده حالياً من تحركات استعمارية مشبوهة في المنطقة، هو تقسيم للدول طائفياً ومذهبياً، بعد تمام تقسيم الأمة بافتعال تناقض مصطنع بين القومية والدين، بوضع البعد العروبي في مواجهة البعد الإسلامي من خلال "الثورة العربية الكبرى"، والبعد "الطوراني" في مواجهة العروبة والإسلام معاً من خلال الثورة العلمانية الأتاتوركية في آسيا الصغرى.
لقد حققت بريطانيا وحلفاؤها هدفها بهزيمة تركيا، عبر وعدها الزائف للشريف حسين، ففصلت العالم العربي عن العالم الإسلامى، وبعد القسمة الصغرى، جلس وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا "سايكس وبيكو"في عام 1916، لتنفيذ القسمة الكبرى بتمزيق الجسد العربي إلى عشرين جزءا، بين المنتصرين في هذه الحرب. وتحقق لقوى الاستعمار لأول مرة احتلال العالم العربي، تحت لافتات زائفة للشرعية الدولية بقرارات عصبة الأمم.
وفي عام 1917 مع إعلان الوعد المشؤوم بزرع إسرائيل في قلب الوطن العربي، بهدف فصل المشرق العربي عن المغرب العربي، وتأسيس قاعدة عسكرية دائمة للقوى الاستعمارية على الأرض العربية الفلسطينية. وكان الأولى أن تكون عامل توحيد بين العرب والمسلمين، باعتبار أن القضية الفلسطينية قضية قومية وقضية إسلامية ومسيحية، إلا أن سيطرة الاستعمار نصبت الجدار العازل الوهمي، بين الوطن العربي المجزأ، والأمة الإسلامية المحاصرة!
إن ما يجري الآن لاستكمال مؤامرة التقسيم الاستعمارية الكبرى، هو محاولة لوضع المسلمين في مواجهة المسيحيين ليخسر الاثنان ويكسب الصهاينة، ووضع العرب في مواجهة الكرد ليخسر الطرفان وتكسب أميركا، أو في مواجهة الفرس ليخسر الطرفان وتكسب إسرائيل!
وتتطلب التحديات الدولية الراهنة من العرب والمسلمين، أقصى درجات اليقظة وأعلى مستويات الحذر، في ظل الحالة العربية والإسلامية الواهنة، التي تغري كل متربص أو متآمر بالهجوم لمواصلة تفكيك العرب والمسلمين وإخضاعهم، ووضعهم ضمن مناطق النفوذ الدولي الجديد..
لكن حال بعض العرب يستدعي التساؤل وحال بعض المسلمين يثير التعجب، في ظل حالة التردي والتشتت والتبعية، وفي ظل قصر النظر وضياع البوصلة وغياب الرؤية، خصوصا بعدما أصبح.
واضحا "الفيتو الصهيوني الأميركي" على أي مشروع اتحادي أو وحدوي لمنطقة، هي في الأصل واحدة قبل أن يمزقها المستعمرون إلى دول في "سايكس ـ بيكو" الأولى. وهذا الفيتو المسلح بالقوة لم يعد يكتفي بالاعتراض على أي اتحاد أو حتى تكامل عربي، بل اتجه إلى محاولة تمزيق أي نوع من الاتحاد الوطني في كل بلد عربي بـ"الغزو من الداخل"!
ولا يسمح بنمو أي قوة وطنية إقليمية عربية أو إسلامية، علمياً أو تكنولوجياً أو اقتصادياً، وبالتالي سياسياً وعسكرياً، لإحداث الفراغ في هذه المنطقة بما يسمح للمشاريع الاستعمارية الجديدة بالتمدد فيها، لإبقاء إسرائيل هي الكيان الأقوى مما حوله، ولضمان تحقيق الهيمنة الأميركية الراعية لها على هذه المنطقة الحضارية والاستراتيجية المهمة، كمدخل لتحقيق "مشروع القرن الأميركي" للهيمنة على العالم، على حساب روسيا

والصين والقوى الصاعدة.
ومن هذا المشروع الرئيسي تفرعت مشاريع فرعية، كمشروع الشرق الأوسط الصهيوني الجديد، ومشروع الشرق الأوسط الأميركي الكبير، بهدف تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ، بسيناريوهات جديدة مثل سيناريو الفوضى والفتنة والحرب الأهلية داخل كل دولة عربية على حدة، بوقود طائفي ومذهبي وعرقي وسياسي، أو بدعاوى زائفة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان!
وبإثارة الفتن والاضطرابات العرقية والدينية والسياسية في الدول العربية أو الإسلامية، تحت دعاوى مختلفة وشعارات براقة تخفي وراءها أجندات تستهدف الإضعاف بالإنهاك أو التقسيم بالفتنة بين الجيوش والشعوب، والسيطرة بكل وسائل الاختراق والتدخل، بالقوة الناعمة حيناً، ثقافياً وإعلامياً واقتصادياً، وبالضغوط السياسية، وبالقوة العسكرية الخشنة الفجة أحياناً.
وأظن أن المؤامرات الشريرة لنشر الحروب الأهلية في الشرق العربي الإسلامي بتخطيط أميركي وبإملاء صهيوني، ما هي إلا امتداد لمؤامرات استعمارية سبقتها تتكشف تباعا، رغم محاولات إخفائها من قبل المتآمرين وأتباعهم ومنظماتهم المدنية والاستخبارية وأبواقهم وفضائياتهم، وذلك بالتصدي لكل من يكشف عنها، بسلاح مستهلك اسمه "نظرية المؤامرة"، وبقنابل صوتية للإرهاب الفكري.. لكن بعض الباحثين الأميركيين أنفسهم يكشفون اللعبة القذرة.
فقد كشف تقرير نشرته مؤخرا مجلة "إكزكيتف إنتلجنس ريفيو" الأميركية، أن هناك لعبة دموية قذرة لزرع الحروب الأهلية في المنطقة العربية، تمهيدا لسايكس ـ بيكو جديدة تقودها دوائر أميركية صهيونية يديرها ديك تشيني نائب الرئيس السابق، وينتهي التقرير بالقول:
"ويتضح في حقيقة الأمر، أن الصراع الداخلى الذي نراه الآن في أكثر من بلد عربي، يتم تحريكه من خارج المنطقة، تاركاً اللاعبين المحليين يؤدون أدوارهم التراجيدية.. إن دور أبرامز وتشيني اللذين يديران صندوقا سريا للعمليات القذرة، بات ساطعا في ظهور الحروب الأهلية في الشرق الأوسط، كصيغة جديدة لاتفاقية سايكس ـ بيكو الأولى"!
سيناريوهات الفتنة والفوضى والانقسام والتقسيم، لا تزال تجري فصولها المأساوية الدامية أمامنا مرئية ومقروءة ومسموعة، في أكثر من دولة عربية وإسلامية بالتوالي، والبقية تأتي كنماذج واضحة لهذه المخططات الاستعمارية التقسيمية الجديدة.. فهل نفقأ عيوننا بأيدينا وننتحر خدمة لأعدائنا، أم نستيقظ قبل فوات الأوان؟
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية