رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مشروع مصر النووي

بوابة الوفد الإلكترونية

لم يعد ممكناً، في الأسابيع القليلة الماضية، ومصر تستعد لاستكمال أول خطوة على طريق الحكم لسلطة مدنية منتخبة، توقع من أين تأتي المشكلات والأزمات المتلاحقة، وكلها، أي المشكلات والأزمات لها علاقة مباشرة بفساد واستبداد نظام حسني مبارك الذي شاء محاميه فريد الديب أن يتعمد إشعال فتيل تجدد انفجار التظاهرات التي قد تتحول إلى اشتباكات دامية بين شباب الثورة وقوات الجيش والشرطة، لإفساد فرحة المصريين بمرور عام على انطلاقة ثورتهم، وتشغلهم عن التكاتف من أجل إكمال هذه الثورة حتى تحقيق أهدافها . المحامي تعمد ذلك عندما أعلن في مرافعة ظهر يوم الأحد (22 يناير/كانون الثاني الجاري) أن “مبارك مازال حاكماً شرعياً لمصر وأنه لم يتقدم باستقالته مكتوبة، وأنه من سيحاكم من يريدون محاكمته” .

فعلى الرغم من سطحية هذه المزاعم، لأن فترة الحكم الدستورية لمبارك قد انتهت فعلياً في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حتى في حالة بقائه واستمراره في السلطة، إلا أن مزاعم المحامي جاءت لتكمل بقية المشاهد الدرامية لعهد هذا النظام، التي كان أكثرها سوداوية وإهانة لحاضر مصر ومستقبلها وحقوق شعبها، تعمد إفساد وإفشال المشروع النووي المصري، الذي يعود عهده إلى السنوات الأولى من عقد الستينات من القرن الماضي، وكان أحد أبرز قضايا المواجهة بين مصر (الجمهورية العربية المتحدة) وزعيمها جمال عبدالناصر وكل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وكان في مقدمة محفزات عدوان يونيو 1967 كحل نهائي للقضاء على المشروع المصري للنهضة، خشية أن يقود ويؤسس إلى مشروع عربي أوسع للنهوض بما يهدد المصالح الأمريكية وفي مقدمتها الكيان الصهيوني .

كان المشروع النووي المصري واحداً من سبع أزمات مثارة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، وبالتبعية الكيان الصهيوني، جرت مناقشتها في المقابلة الشهيرة بين الزعيم جمال عبد الناصر والمستر فيليبس تالبوت مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ومعه السفير الأمريكي بالقاهرة لوشيوس باتل يوم 18 إبريل/ نيسان ،1965 وكلها أزمات تتمحور حول التوازن العسكري القائم في الشرق الأوسط، وتضمنت بالترتيب أولاً: الخطر الذي تحس به “إسرائيل” من جراء إنشاء القيادة العربية الموحدة نتيجة لقرارات مؤتمري القمة العربيتين في يناير/ كانون الثاني 1964 وسبتمبر/ أيلول من السنة نفسها، وما أعقب إنشاء هذه القيادة العسكرية من صفقات أسلحة للعرب أدت إلى تعزيز القوة العربية، ثانياً: الجهود الكبيرة التي تبذلها مصر (الجمهورية العربية المتحدة) في مجال الأسلحة غير التقليدية وخاصة الصواريخ، ثالثاً: انخراط مصر في مشروع امتلاك قدرات نووية، رابعاً: الحرب في اليمن ودور مصر فيها، خامساً: دور مصر الداعم للثورة في الجنوب اليمني، سادساً: المساعدات التي تقدمها الجمهورية العربية المتحدة لحركات التحرر في العالم، وأخيراً واردات مصر من المواد الغذائية الأمريكية وعلى الأخص القمح .

كان جوهر الخلاف المصري مع الولايات المتحدة حول القدرات النووية الناشئة لمصر هي رفض القيادة المصرية المطالب الأمريكية بالتفتيش على هذه القدرات والمنشآت النووية المصرية التي كانت في طور التأسيس، فقد تحدث جمال عبدالناصر عن أنه “يعارض في أن تقوم الولايات المتحدة بالتفتيش باعتبار ذلك عملاً من طرف واحد، وأنه يوافق على العمل الدولي، وأنه لا يستطيع أن يسمح للولايات المتحدة، منفردة، بامتياز كهذا” . وقتها ذكر عبدالناصر أن “الجمهورية العربية المتحدة تملك مفاعلاً صغيراً في حين أن لدى “إسرائيل” مفاعلاً ضخماً، وأن ذلك في حد ذاته، مشكلة تثير القلق” .

حدث هذا عام ،1965 وكانت هذه هي مصر الثورة الناهضة، وبسبب الخلاف مع واشنطن حول تلك المشكلات الأربع كان عدوان يونيو 1967 هو الحل، ولكن العدوان لم يكسر عزيمة ولا كرامة وعزة الشعب المصري وقتها الذي رفض الهزيمة، ورفض الاعتراف بها، وخرج بعد ساعات من علمه بالنكسة يطالب بالحرب ويصرّ عليها من أجل إزالة آثار العدوان وتحرير الأرض المحتلة، وكان له ما أراد، في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 وعبر إعداد وتجهيز وخوض حرب استنزاف طويلة مع العدو، استرد بها معنوياته وقدراته على المواجهة .

والآن وبعد مرور خمسين عاماً على بداية التأسيس المصري للمشروع النووي حدث ما حدث من كوارث درامية لهذا المشروع أكملت 31 عاماً من الإمعان في تدمير هذا الحلم المصري، أي منذ صدور القرار الجمهوري رقم 309 لسنة 1981 (في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات) بتخصيص مساحة 60 كيلومتراً مربعاً في منطقة “الضبعة” لمصلحة إنشاء محطة نووية على الساحل الشمالي الغربي، لكن جرى في الواقع التآمر من أعلى، إذ لم تتخذ أية إجراءات فعلية لإنشاء هذه المحطة النووية بذريعة رغم نزع ملكية هذه الأرض من

أصحابها والاكتفاء بإعطاء بعضهم تعويضات شكلية مجحفة، وابتداء من عام 2003 صدر قرار جمهوري بتجميد المشروع بذريعة الخوف من تكرار حادثة التسرب الإشعاعي في مفاعل تشيرنوبيل السوفييتي، وبعدها اتجهت أنظار كبار الفاسدين من رجال الأعمال المصريين من نظام مبارك للاستيلاء على أرض المشروع وتحويلها إلى منتجعات سياحية، وما كشف عنه أهالي الضبعة مؤخراً من مستندات تؤكد إمعان نظام مبارك في تسويف المشروع توطئة للتخلي نهائياً عنه، وتسليم الأرض للفاسدين الكبار من أركان النظام من طبقة رجال الأعمال الجدد . فقد جرى الكشف مؤخراً عن مستندات عبارة عن مراسلات من هيئة الطاقة النووية والمنطقة الشمالية العسكرية بتاريخ عام 2006 تبيّن أن المشروع لم يعمل نهائياً، حيث كتب في محضر التنسيق بين الهيئة والمنطقة العسكرية أن غرف (البينرومترات) وهي عبارة عن وحدات قياسية يتم توصيلها بشاشات عرض بأسلاك لقياس الاهتزازات الأرضية وتحديد قياسات الزلازل والانفجارات التي تقع في قاع البحر، وجدت مغلقة ومشمعة بالشمع الأحمر، حسب ما اتضح من نص البند التاسع في محضر التنسيق بتاريخ 27 يونيو 2006 .

يبدو أن ثورة 25 يناير 2011 وإسقاط رأس النظام قد حال دون الإجهاز على مشروع المحطة النووية، إذ لم يكن النظام قد أعطى الترخيص بتصفية مشروع محطة الضبعة وتحويلها إلى منتجعات سياحية، إرضاء لشهوة التملك الطاغية لدى أعوان النظام من كبار رجال الأعمال، ما دفعهم إلى استغلال الفراغ الأمني الذي فرض نفسه طوال الأشهر الماضية في محاولة منهم للاستيلاء على الموقع من خلال تحفيز الأهالي لاقتحام موقع المحطة تحت دعوى فشل المشروع النووي نهائياً، بعدما تحوّل إلى “أكذوبة” من جانب النظام وتشجيعهم على استرداد ممتلكاتهم التي انتزعت منهم منذ عام 1981 .

بدأت الأحداث تتصاعد منذ منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول، الفائت باحتجاجات واعتصامات وقطع الطريق الساحلي من دون أي تحرك من جانب المسؤولين، وتصاعدت حدة الأحداث يومي الخميس والجمعة (10 و11 يناير/ كانون الثاني الجاري) عندما تم هدم أسوار موقع المحطة النووية بتحريض من عدد من كبار رجال الأعمال، وهم ذاتهم رجال نظام مبارك: من أصحاب المنتجعات الملاصقة للمحطة، وبعدها جرى تفجير المعامل والاستراحات ومراكز تدريب العاملين، وتخريب البنية الأساسية باستخدام الديناميت و”اللوادر”، وسط تأكيدات بأن أشخاصاً بعينهم من رجال أعمال النظام السابق هم من وجّهوا بطمس معالم المحطة وتدميرها على أمل الاستيلاء عليها في غفلة من اهتمام المسؤولين الحاليين .

حدث هذا كله تحت سمع وأعين الجيش والشرطة في خطوة شديدة الدلالة والخطورة، تكشف مدى عدوانية ذلك النظام وإمعانه في تدمير كل قدرات مصر ونهب كل شيء، وإفساد ما لم يستطع الاستيلاء عليه، ليضيف هذا النظام إلى سجله جرائم جديدة حتماً ستكون شاهداً على ما قام به من تخريب متعمد لقدرات مصر الاستراتيجية، وهو تخريب لم يكن يوماً بعيداً عن التنسيق الأمني والاستراتيجي مع العدو الصهيوني الذي قدم بحقه شهادة ستبقى هي الأخرى عنواناً بارزاً وشاهداً حياً بأنه كان “كنزاً استراتيجياً” لهذا العدو .

نقلا عن صحيفة الخليج الاماراتية