رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لكي تستمر زهور الربيع العربي في نموها ونضجها!

مرسي عطا اللّه
مرسي عطا اللّه

لست أريد أن أكرر كلاما سبقني إليه الكثيرون حول الآفاق الرحبة لربيع الثورات العربية وما يمكن أن يتركه ذلك من انعكاسات إيجابية على مستقبل هذه الأمة بوجه عام ومستقبل مصر على وجه الخصوص.

ولعل هذه الأجواء التفاؤلية تكون مدخلا للحديث عن قضية بالغة الأهمية في استراتيجية التعليم والبحث العلمي في مصر وضرورة الانتقال بها من دوائر الحفظ والنقل والتلقين وأساليب قياس التفوق بآليات الامتحانات والاختبارات التقليدية إلى الدائرة الأوسع وهي دائرة التفكير والتأمل والقدرة على الخيال والابتكار والإبداع.

وهذا الذي أتحدث عنه بشأن أهمية الدخول إلى دائرة التفكير ليس بدعة جديدة وإنما هو حقيقة أزلية، فالإنسان لم يصل إلى ما وصل إليه من امتياز وتفوق على سائر الكائنات الأخرى في الوجود إلا بحسن تفكيره ورجاحة عقله.. فليس الإنسان أقوى الكائنات ولا أضخمها جسما ولا أرهفها حسا ولكنه أشدها قدرة على التفكير والتأمل.

ولا شك أن التفكير هو أساس الحضارة التي تحققت تباعا على مر الزمن ومازالت طموحات التقدم الحضاري مرشحة للمزيد طالما بقي الإنسان قادرا على التفكير الذي ساعد الجنس البشري على كشف أسرار هذا الكون وتمكين الإنسان من اكتشاف القوى المحركة بدءا من البخار والكهرباء ووصولا إلى الذرة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات من أجل تذليل ما تواجهه البشرية من صعوبات وتحديات.

إن ميزة التفكير التي يتمتع بها الإنسان هي التي أفرزت تلك الطفرات الهائلة في ساحة الاكتشافات البحثية والاختراعات العلمية في جميع مجالات الحياة، مما أسهم في تشييد صروح الحضارة الإنسانية على مسار التاريخ.

وفي اعتقادي أن رايات الديمقراطية التي ترتفع في سماء ربيع الثورات العربية تعني إعادة إطلاق حرية التفكير كمقدمة ضرورية لحرية البحث العلمي والإبداع التي لا يمكن بلوغها إلا من خلال إدراك سياسي لأهمية التعليم والبحث العلمي ومن خلال نظم تعليمية وبحثية حديثة ومتطورة ومواكبة لروح العصر.

المطلوب هو تهيئة الأجواء وتغيير الأساليب وتعزيز روح الرغبة في التعامل مع كل شيء بمنطق التفكير والبحث والتأمل والثقة في القدرة على الابتكار.

ومع كل الاحترام والتقدير للأهداف والمقاصد السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ترتفع راياتها هذه الأيام يظل التحدي الحقيقي لهذه الأمة مرتهنا بمدى القدرة ومدى الجدية على الشروع باتجاه إحداث تغيير جوهري في فلسفة العملية التعليمية بكل مراحلها.

إن كل أهدافنا ومقاصدنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشروعة يصعب بلوغها في غيبة من نظام تعليمي متكامل قادر على توفير رأس المال البشرى المؤهل لمجاراة عصر المعرفة والمعلوماتية بكوادر بحثية تقود مهمة التحديث المجتمعي والتطوير العلمي المنشود تحت رايات الديمقراطية التي لا تكتمل إلا بإطلاق حرية التفكير والتأمل والخيال العلمي .

ومع التسليم بصحة ما يقال من عدم قدرة بعض الدول العربية في الوقت الراهن على توفير التمويل اللازم لإحداث ثورة تطوير التعليم في شكل زيادة عدد المدارس والمعاهد والجامعات وتجهيزها بالمعامل الحديثة مع تحسين أوضاع هيئات التدريس في المراحل التعليمية فإن روح الوطنية المتأججة منذ اندلاع ربيع الثورات العربية يمكن توظيفها في استنهاض همم القادرين في هذه الأمة على إعادة استنساخ إسهامات العظماء من أجدادنا الذين أنشأوا المدارس بأموالهم الخاصة على طول البلاد وعرضها خصوصا في مصر حيث كان لهم فضل إنشاء أول جامعة مصرية قبل أكثر من 90 عاما .

ولعل ذلك ما يدفعني لطرح اقتراح متواضع يمكن أن تتبناه وزارات التعليم والبحث العلمي لإقامة حوار قومي واسع تحت لافتة «تطوير التعليم والبحث العلمي» لا تقتصر المشاركة فيه على الأساتذة من خبراء التعليم فقط وإنما بمشاركة النخبة المستنيرة من رجال الأعمال كخطوة ضرورية على طريق إيجاد قنوات اتصال سهلة وشرعية بين مؤسسات التعليم والبحث العلمي وبين القلاع الصناعية حتى يمكن مواجهة المشكلات الإنتاجية ببحوث ذات تكلفة اقتصادية معقولة .

إن مثل هذا التواصل يمكن أن يشجع على طرح ما أعتقد أنه مهم وضروري وملح في المرحلة المقبلة من أجل تخفيف عبء الإنفاق الحكومي على البحث العلمي بحيث تتحمل الصروح الصناعية والزراعية في المدن الصناعية والمجتمعات الزراعية نصيبها من ميزانية التعليم والبحث العلمي التي ستعود بالفائدة على هذه الصروح بشكل مباشر وغير مباشر.

وليس خروجا عن سياق ما أتحدث عنه أن أقول بكل الصراحة والوضوح إنه على ضوء المشهد الراهن الذي يعج بمظاهرات واحتجاجات تعم أرجاء العواصم العربية بحيث لم يعد هناك قطاع واحد يخلو من المطالب الفئوية التي يمكن فهمها في ظل غياب التوازن الضروري بين الأجور والأسعار والتفاوتات الحادة في الدخول يتحتم أن نطرح على أنفسنا سؤالا هو: هل الديمقراطية هدف أم وسيلة؟

أعتقد - ولست وحدي - أن الديمقراطية ليست هدفا في حد ذاتها وإنما هي المدخل الصحيح لبناء الدولة الحديثة التي تفتح كل أبواب وجسور العبور نحو المستقبل الأفضل حتى تنفتح كل أبواب وجسور الأمل نحو حرية الوطن وحرية المواطن تحت رايات العدالة الاجتماعية وتحت مظلة سيادة القانون التي يقف الجميع أمامها دون تمييز ودون استثناء.

إن الطريق إلى الديمقراطية يتطلب مجموعة ضمانات أهمها ضمان أمن المواطن على حياته وحريته وسمعته وممتلكاته من خلال شعور بهيبة الدولة وقدرتها على التصدي لكل خروج على الشرعية والنظام العام لأن غياب الخط الفاصل بين الديمقراطية التي تضمن حرية الرأي وحرية الاعتقاد وبين الفوضى التي تتمسح برداء الديمقراطية هو الذي يفتح الأبواب على مصاريعها لحرية غير مسؤولة وفوضى مدمرة وهدامة!

ومع التسليم بأن الديمقراطية ترتبط ارتباطا وثيقا بالأجواء النقية التي تخلو من أية قيود تحد من حرية النقد وحرية إبداء الرأي وحرية الرقابة الكاملة على المصلحة العامة فإن من الضروري التسليم أيضا بأن الديمقراطية ينبغي أن تكون عنوانا للأمن والاستقرار لأنه ليس هناك ما هو أخطر من أن تتحول الديمقراطية إلى نوع من الفوضى يؤدي بالبلاد إلى ما هو أبغض وأسوأ من الديكتاتورية!

إن الخطر كل الخطر هو محاولة استخدام الحق الديمقراطي في غير موضعه وعدم الالتزام بالضوابط التي تحدد وسائل التعبير الراقي لدعم حرية الرأي وحرية النقد وحرية الرقابة الكاملة على المصلحة العامة لأن إساءة استخدام الحق الديمقراطي يوفر المبررات الموضوعية لإطالة أمد العمل بقانون الطوارئ باعتباره شرا لابد منه أو نوعا من الدواء المر الذي يتحتم مواصلة تعاطيه لفترة قد تطول أو تقصر!

وأعتقد أن إسقاط مبررات استمرار العمل بقانون الطوارئ في كافة الدول العربية مرتهن بالقدرة المجتمعية على حماية الديمقراطية من محاولات توظيفها في غير الاتجاه الصحيح من خلال ترشيد منابر التحريض وشاشات التهييج التي

تعتمد لغة السب والقذف وتجريح الرأي الآخر بدلا من إضاءة شموع الأمل بكلمات الحق والنور!

 

وإذن ماذا؟

إذا كان سجل التاريخ يقول لنا إن كل شيء كان قابلا للهزيمة والقهر إلا العلم فليس ذلك إلا لأن العلم يعتبر في حد ذاته قوة قاهرة تفوق في إمكاناتها أية قوة أخرى عرفها الإنسان.

بوضوح شديد أقول: إن الاستثمار الحقيقي للعلماء لا يتحقق إلا من خلال رؤية واضحة للمجتمع في أسلوب التعامل معهم لكي تختفي تلك الازدواجية بين فريق من العلماء يتلهفون كالأطفال لأن يتركوا معاملهم ويتحدثوا عن أشياء لا يفهمونها، وفريق آخر ممن يؤثرون التخندق التام في معاملهم ولا يقبلون حتى مجرد الحديث أو الكتابة عما يفهمونه تمام الفهم في مجال أبحاثهم.

ولعل ذلك ما يدفعني إلى القول بحاجتنا كمجتمع مدني - علميين وغير علميين - أن نعمل على سد هذه الهوة الناشئة عن ازدواجية التعامل مع العلماء، وأن نعيد العلم إلى حظيرة الحياة كمشروع إنساني يحوي في باطنه اليقين وعدم اليقين والمرونة والذاتية والاعتماد على القدرة الإبداعية والإيمان الذي يسمح للعلماء بأن يأخذوا مكانهم الملائم في المجتمع.

ومعنى ذلك أن العلماء الحقيقيين هم الذين ينبغي أن يأخذوا مكان الصدارة في عملية الإطلال الدائم على الرأي العام عبر وسائل الإعلام لقطع الطريق على المدعين والدجالين الذين يتسلل البعض منهم بين الحين إلى صفحات الصحف وشاشات التليفزيون فلا يقدمون شيئا مفيدا، وإنما تكشف أقوالهم عن شعور بالعظمة الكاذبة وادعاء العبقرية واتهام الآخرين بالجهل والغباء وعدم الأمانة، ولا مانع من عبارة أو جملة للإيحاء بأنه مضطهد دون وجه حق، ثم استخدام اصطلاحات وجمل مركبة ومعقدة يؤكد بها أنه فريد عصره وفارس زمانه لولا حقد الآخرين عليه وغيرتهم الشديدة من عبقريته.

وعندما نقول إن العلم لا ينتعش ولا يزدهر إلا إذا استنشق المجتمع نسيم الحرية، وإن العلم في المقابل يقدم أكبر دعم ومساندة للروح الحرة للإنسان فإننا - في ذات الوقت - لا بد أن ندرك أن هذه الروح الحرة ليست موهبة طبيعية ولكن موهبة علينا أن نغذيها وأن ندافع عنها حتى لا نفقدها... فالعلم والحرية لا يفترقان!

ثم لعلي أقول صراحة إنه إذا كان العلم - أساسا - هو عمل ووظيفة العلماء حيث من النادر أن يجد الإنسان علما صادرا عن غيرهم فمن المؤكد أن هؤلاء العلماء قد بلغوا من المهارة والحكمة قدرا يمكنهم من عمل أي شيء... وإن هذه المهارة وتلك الحكمة ليست مجرد موهبة تولد مع الفرد فقط وإنما هي نتاج مناخ عام يسمح للموهبة بأن تنمو وأن تعبر عن نفسها.

وأي دولة متقدمة لا بد وأن تستند إلى ثروة من العلماء الموهوبين، ولا بد أيضا أن تمنحهم الدولة الفرصة لإبداء الرأي وتقديم المشورة في شتى مجالات الحياة، ولكن دون أن تجاري تطلعات البعض منهم لخلع معاطف المعامل البيضاء وارتداء زى الوعاظ في الندوات السياسية والدينية والغوص كلية في وحل العمل العام لأن المكان الطبيعي للعلماء هو المعامل.

ولا شك في أنه عندما يأخذ العلماء مكانهم الصحيح ويصبح للعلم قيمته ومكانته وهيبته في أي مجتمع سوف يختفي الدجل ويتراجع مروجو العلم الكاذب الذين يجدون سوقا رائجة في الدول التي يتوارى فيها صوت العلماء وتتكدس فوق أرفف المكتبات أنواع هزيلة من الكتب التي تنسب ظلما للتصنيف العلمي مع أنها في حقيقة الأمر ليس لها وصف دقيق سوى «العلم الكاذب».

وخلاصة القول: إن أفضل وسيلة لمحاربة الدجل ومحاصرة «العلم الكاذب» تتحقق من خلال دور مؤثر للعلماء الحقيقيين في توجيه الرأي العام عبر قنوات الاتصال الشرعية والأوسع انتشارا مثل التليفزيون والإذاعة والصحف الكبرى، الأمر الذي يؤدي إلى توسيع مساحة وحجم الاستنارة عند الرأي العام بحيث يكون قادرا على التمييز بين «العلم الصادق» و«العلم الكاذب».

أريد أن أقول بوضوح: إن بعض ما يعرض هذه الأيام على شاشات الفضائيات من خزعبلات فكرية ودينية وطبية وجنسية وإشغال لعقول الناس بتفاسير الأحلام وقراءة البخت يمثل كارثة مجتمعية ويتناقض تماما مع فلسفة الانفتاح الإعلامي كأحد روافد الحرية التي تمثل أحد أهم إفرازات الربيع العربي.

ولقد قلت أمس إن العلم والحرية لا يفترقان وأؤكد اليوم أن الدجل والفوضى أيضا لا يفترقان... وتلك كارثة ينبغي سرعة التصدي لها!

نقلا عن صحيفة الوطن القطرية