رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورة 25 يناير ولدت لتبقى

العزب الطيب الطاهر
العزب الطيب الطاهر

في الخامس من شهر مايو من عام 2008 أي بعد أسبوع إثر عودتي إلى القاهرة من فترة عمل أمضيتها بالدوحة كتبت في زاويتي اليومية آنذاك بالزميلة الراية التي كانت بعنوان "مرافئ" ما يلي:

مضى على عودتي إلى مصر أكثر من أسبوع بعد غياب عنها امتد حوالي 19 عاما وبضعة أشهر صحيح أنني كنت أتردد عليها أكثر من مرة في العام الواحد لكني كنت أقرأها من وضعية الضيف أو بالأحرى السائح أما بعد عودتي النهائية إليها بدأت أنظر إلى عمقها بدلا من سطحها أتوغل في مساراتها سعيا إلى فهم ما يجري فيها من تحولات تبدو معقدة ونوعا ما ملتبسة من فرط تراكمها وسرعتها وبطئها فضلا عن مساحة غموض تفرض حضورها في بعض الأحيان أو هكذا بدت لي ملامح المشهد، بالتأكيد لن يكون بمقدوري بلورة نتائج سريعة غير أن ما يمكن الإشارة إليه في عجالة هو التالي:
"ثمة حراك حقيقي باتجاه إحداث تحولات جوهرية في النظام السياسي لكن في المقابل ثمة جدار قوي ما زال يحول دون انطلاقها على نحو يرضي أغلبية القوى السياسية التي تشعر بأنها تعيش في دائرة التهميش يتمثل في المحافظة على استقرار الوطن بكل ما يعنيه ذلك من الإبقاء على شخصيات ورموز وسياسات وهو مالا ينال رضا قوى المعارضة التي تسعى إلى تغيير شامل قد يأخذ شكل القفز إلى أعلى في بعض الأحيان.
ولعل محاولات قوى المعارضة إلى انتزاع الشارع عبر الحصول على إسناده المعنوي والمادي عبر أشكال مختلفة من الاحتجاجات تأتي في هذا السياق، وقد بلغت ذروتها بالدعوة إلى الإضراب السلمي في السادس من شهر أبريل المنصرم وأمس الرابع من مايو ولكن مساحة التجاوب الشعبي مع هذه المحاولات لم تكن في مستوى طموحها وهو ما تجلى بالأمس في الرفض الذي كاد أن يكون شاملا للاستجابة لدعوة الإضراب.
ويعود ذلك في رأيي إلى غياب ثقافة الإضراب من مفردات الواقع المصري فضلا عن التوقعات بردود الفعل العنيفة من قبل الأجهزة الأمنية لمن يشارك فيه أو يدعو إليه أو يحرض عليه وربما لعب قرار حسني مبارك بزيادة رواتب العاملين في الدولة بنسبة %30 دورا في تهدئة النفوس فضلا عن بروز نوع من الانحياز إلى تبني سياسات حكومية أقرب إلى العدالة الاجتماعية أو هذا ما أتمناه شخصيا.
وبالصدفة وحدها أعدت قراءة هذا المقال وأنا أنقب عن بعض المعلومات في شبكة الإنترنت وما أدهشني فيه ليس التبوء بثورة الخامس والعشرين من يناير وهو ما كانت تتوقعه مختلف النخب السياسية والفكرية في مصر ولكن سرعة بلورة النتائج التي تقود بالضرورة إلى تفجير هذه الثورة شعبيا عقب عودتي بفترة لم تتجاوز الأسبوع وهو ما يؤشر إلى أن ما رصدته في هذه الفترة القصيرة كان من الخطورة بمكان، فقد لمحت على الفور حالة من الاكتئاب مهيمنة على البشر وقدرا كبيرا من الاحتقان المختزن بالأفئدة والعقول فضلا عن قبضة أمنية يحسها المرء تكاد تخنق الأجواء بالرغم مما يبدو أنه نوع من هامش ديمقراطي وحرية تعبير في بعض وسائط الإعلام ولكني قرأته على الفور ضمن نظرية إطلاق حرية الصراخ وهي سياسة هندسها مقربون من مبارك لتوفير نافذة يتنفس من خلالها البعض مما يساعد على بث مشاعر اطمئنان زائفة في جوهرها وكانت هذه النظرية تتم وفق مبدأ توزيع الأدوار والذي شاركت فيه نخب حزبية وصحفية وإعلامية خاصة سواء أكانت على علم أم لم تكن تدري وإن كنت شخصيا أنزع إلى أنها كانت جزءا من منظومة يديرها كيان أو جهة واحدة هي في أغلب الأحوال جهاز أمن الدولة الذي كان صاحب السطوة والكلمة الأولى في نظام مبارك خاصة على صعيد التعامل مع مفردات الواقع الداخلي بكل تجلياته"
وبعد ذلك بثلاث سنوات ونصف تقريبا انبثقت ثورة الخامس والعشرين من يناير حاملة الأمل لشعب المحروسة في تغيير الأحوال وبناء مشروع جديد لنهوض الوطن بعد فترة كمون وخمود امتدت في الحقيقة لمدة أربعين عاما وكانت بداية زمن الانحسار الحقيقي مع تولي الرئيس الراحل أنور السادات الحكم في أعقاب وفاة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر فقد مضى – أي السادات – في تبني سياسات تخاصم محددات ومسارات ثورة الثالث والعشرين من يوليو التي كان جزءا

من مكونها القيادي منذ تفجرها في عام 1952 لكن يبدو أنه أراد قلب المعادلة الوطنية والقومية لمصر ضمن قراءة خاطئة للوضع الداخلي والإقليمي والدولي قادت إلى أن تتحول المحروسة من دولة محورية تمتلك قرارها الوطني إلى مجرد دولة تابعة وهو ما كرسه مبارك الذي لم يكتف بسياسات السادات بل أضاف إليها منظوره الشخصي والمصلحي الضيق والذي يفتقر إلى الإبداع والخصوصية ويميل إلى المحافظة على الوضع القائم دون أي رغبة حقيقية في التميز والتفرد مقدما كل قرابين الطاعة والولاء للولايات المتحدة وللكيان الصهيوني الذي أبدى قادته كل الحزن من أجله بعد أن أجبره الثوار على الرحيل عن السلطة باعتباره كان يمثل له كنزا إستراتيجيا .
وبعد غد الأربعاء ستستعيد المحروسة وشعبها أجواء ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد مرور العام الأول على هدير مبادئها في ميدان التحرير بالقاهرة وغيره من الميادين الكبرى بالمحافظات المصرية المختلفة ولاشك أنه من حق هذا الشعب أن يبتهج لهذه الثورة صحيح أنها لم تستكمل كل ما رفعه الثوار من مطالب تتعلق بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لكنها بدأت خطوات نوعية في هذا الاتجاه تجلت في إجراء أول انتخابات نزيهة وشفافة وصادقة وحقيقية في تاريخ مصر الحديث غير أن النتيجة الأهم التي حققتها الثورة هي كسر حاجز الخوف لدى شعب المحروسة وهو الذي حفز الملايين إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع لاختبار ممثليهم في أول برلمان للثورة ستنطلق أولى جلساته اليوم معلنا بداية زمان مغاير تماما في مصر ملامحه سقوط حكم الفرعون والحزب الواحد المستبد بل سقوط أسرة حاكمة كانت تفرض سطوتها على رقاب العباد ومقدرات الوطن.
والمؤكد أنه لن يكون بمقدور ما يسمى بالثورة المضادة إجهاض ثورة الخامس والعشرين من يناير مهما بذلت من جهود ومارست من أفعال وأنفقت من أموال مثلما حدث خلال الأشهر المنصرمة فشباب المحروسة مدعومين بكل شرائح شعبها أجمعوا - ما عدا قلة محدودة - وقرروا المضي قدما باتجاه استكمال أهدافها وتطلعاتها التي تعكس أشواقنا الكبرى في حياة ملؤها العزة والكرامة واحترام حقوق الإنسان وتعزيز المواطنة وتكريس الدولة المدنية بعيدا عن تسلط قوى أو جماعة أو حزب بعينه واستعادة القدرة على التوزيع العادل للثروة والسلطة عبر آليات تقوم على التوافق لا التناحر والحرص على مصلحة المحروسة لا مصالح القوى والنخب السياسية وأظن أن الرسائل التي سيوجهها ثوار يناير بعد غد الأربعاء ستكون من القوة بمكان لكل الأطراف والجهات سواء بالداخل أو بالخارج وعنوانها الوحيد أن ثورة الخامس والعشرين من يناير ولدت لتبقى شامخة تفرد أشرعتها على كل السفينة وليس على جزء واحد منها .
السطر الأخير: لمن تدق أجراس بهجتي؟ للفجر الذي أطلق أشعته على روحي فسكنت أم للأقمار التي تدفقت أشواقها إلى القلب الذي استعاد عافيته؟
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية