عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«المرزوقي» رئيساً.. و«البرادعي» مطارداً!

شريف عبدالغني
شريف عبدالغني

مع احتفال تونس بالذكرى الأولى لثورة «الياسمين» التي أطاحت بـ «نظام» زين العابدين بن علي، وحلول ذكرى ثورة «25 يناير» في مصر التي أطاحت بـ «رأس نظام حسني مبارك»، بينما بقي النظام حياً يرزق ويحكم.. تختلف أحوال البلدين،

استقرار سياسي في تونس يهيئ الأرض أمام حل المشكلات الاقتصادية.. وتخبط في مصر يزيد معاناة الحياة في «أم الدنيا». هناك سببان واضحان لهذا الاختلاف.. الأول أن «العسكر التوانسة» لم يطمعوا في السلطة، بينما «العسكر المصريون» يريدون واجهة يحكمون من خلالها. السبب الثاني يبدو عند المقارنة بين ما فعلوه في تونس بالمناضل اليساري العتيد «المنصف المرزوقي»، وما فعلناه في مصر بالشخصية الدولية المرموقة الدكتور «محمد البرادعي».
«المرزوقي» أجلوه وأنصفوه وصعدوا به لكرسي الرئاسة. أما «البرادعي» فحاربناه وهزمناه وأجبرناه على عدم خوض السباق الرئاسي.
منذ يوم الجمعة الماضي تاريخ نشر مقالي السابق: (بعد انسحاب «البرادعي»: هل تغزو أميركا مصر؟)، تصلني رسائل كثيرة، كما توقعت معظمها يهاجمني لدفاعي عن الرجل، ويكرر نفس الاتهامات التي روجها إعلام مبارك ويعيد إنتاجها إعلام «المجلس العسكري الحاكم». أحدها قال نصا: «بالله عليك أنت وأمثالك كفاية لعب بالألفاظ، وعيب عليك.. برادعي مين ده اللي راضع ديمقراطية الغرب.. الغرب اللي دمر العراق وأفغانستان.. إنت بتضحك على مين بكلامك المعسل قوي عن البرادعي.. يا حبيبي البرادعي انسحب (من الترشح لانتخابات الرئاسة)، لأنه كان هياخد أصوات قليلة.. إنما العملية الديمقراطية والعسكر والهكس فكس اللي بتكتبوا إنت وأمثالك معدش حد هايصدقوا.. معدش ياكل عيش.. ولا هو ده الكلام اللي بتاكل منه عيش.. إن لم تستح فاصنع ما شئت.. أنا كنت باحترمك.. إنما تكتب غزل عن البرادعي اللي دمر العراق.. ابقى سلم لي على البرادعي.. نفسي أعرف مين اللي كان هينتخبوا أصلا». أما من وقعت باسم «المروة» فكتبت بعنوان «يا عيني»: «قرأت مقالك وكنت بعيط من كثر ما تنوح على البرادعي!! يا أستاذ شريف حبيت أسألك من رشح البرادعي لوكالة الطاقه الذرية؟ ألم يكن مرشح أميركا! إذا كانت الإجابة نعم.. فكلامك كله كذب».
هذه مجرد نماذج. كما ذكرت كلها تكرار لما ورد في حملة الهجوم الفاجرة التي تعرض لها الرجل، منذ قدم إلى مصر وطالب بالإصلاح الحقيقي وليس المسرحيات الهزلية التي كان يؤلفها مبارك وخدمه، ويواصلها «العسكر» ومنافقوهم.
«يا بني كن على حذر من الفاجر إذا خاصمته».. تلك إحدى وصايا لقمان لابنه. لم يأخذ «البرادعي» حذره وهو يدخل في خصومة سياسية مع نظام فاجر. في بيئة نحو %30 من سكانها أميون فعليا، و%60 من المتعلمين أميون سياسيا، تجد الشائعات حضنا ومأوى ومستقرا وانتشارا. هجمت فيالق وعبيد مبارك على الرجل، ولعبوا على هذه النقطة. استغلوا حب بسطاء المصريين لـ «عراق صدام حسين»، حيث كانوا يذهبون ويعملون ويعودون بالدنانير. قالوا إن «البرادعي» هو من «دمر» العراق عبر تقاريره حينما كان على رأس وكالة الطاقة الذرية.
«ماسحو جوخ» المجلس العسكري واصلوا الهجوم: أميركا تحرض العرب على عدم مساعدة مصر، نكاية في «المجلس» لأنه لم يكلف البرادعي برئاسة الحكومة.
حينما قرأت رسائل الهجوم التي وصلتني على الرجل، تذكرت «محمد علي إبراهيم» أحد أوائل من تلقوا أوامر تشويه الرجل. نفس هذا الكلام الفارغ سبق وروجه كثيرا. لم لا وهو كان يصحب مبارك في كل رحلاته الخارجية ويعود «لينتعنا» بمقالات من الحجم العائلي يعدد فيها فوائد «لحم البعرور» الذي التهمه مع سيادة الرئيس في الخليج.
الأميون معذورون في تصديق الإشاعات، فهم لا يتكلمون كثيرا. لكن المشكلة في «الأميين سياسيا». يتلقون الإشاعة ويعيدون تلحينها وغناءها. لا يكلفون خاطرهم عناء البحث عن المعلومة الصحيحة. لكني ألتمس لهم العذر. من نما وترعرع في مدارس «الحفظ والتلقي» دون «التفكير والإبداع» يجد صعوبة في تشغيل العقل، والتنقيب عن الحقيقة. استمرؤوا الكسل. لكل هؤلاء أقدم لهم شهادة الصحافي والإعلامي «خالد داوود» عن حكاية عمالة «البرادعي» لواشنطن وسعيه لتدمير الدول العربية والإسلامية. أهمية شهادته تكمن في أنه عمل في الولايات المتحدة ثماني سنوات، منها أربع سنوات كان يقوم فيها بتغطية أنشطة البيت الأبيض والخارجية الأميركية لصحيفة «الأهرام» من واشنطن، والبقية مراسلا لقناة «الجزيرة» في مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
يقول داوود: «طوال هذه السنوات لم أسمع كلمة ثناء واحدة في حق الدكتور البرادعي من أي من المسؤولين الأميركيين، سواء من قبل أعضاء إدارة الرئيس السابق سيئ الذكر جورج دبليو بوش، أو من خلفه الذي كان من المفترض أن يكون أكثر موضوعية وعدالة، باراك أوباما. وكذلك الحال بالنسبة إلى الدبلوماسيين البريطانيين والفرنسيين، والذين يتولون مع واشنطن عملية صياغة الغالبية العظمى من القرارات في الأمم المتحدة وبقية المنظمات الدولية. وفي اليوم التالي مباشرة لتولي السيد أمانو (الياباني يوكيا أمانو خليفة البرادعي في رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية) المعروف بقربه الشديد من الولايات المتحدة لمنصبه قبل نحو عامين، تحدثت مع مسؤول بريطاني كبير طلب عدم ذكر اسمه في مقر الأمم المتحدة. وكاد الرجل يرقص طربا لخروج الدكتور البرادعي من الوكالة الذرية، قائلا

إن تلك الخطوة ستمهد لبدء الضغوط الحقيقية على طهران لوقف برنامجها النووي. الدبلوماسي البريطاني المحنك لم يقلها صراحة، ولكنه ألمح إلى أن الأصول المسلمة للدكتور البرادعي وانتماءه إلى جيل نما في ظل الأفكار القومية العربية لعبدالناصر، ربما كانت عائقا أمام قبوله الضغوط الغربية الساعية لتضييق الخناق على طهران».
يضيف داوود: «ما أعرفه شخصيا هو أن الدكتور البرادعي كان يحاول القيام بمهمته الصعبة بأقصى درجة من التوازن والموضوعية. فكأي مدير لمنظمة دولية تضم دولا كبرى كالولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية الحائزة على السلاح النووي، لم يكن من الممكن أن يتحكم البرادعي في القرارات الصادرة عن الوكالة الدولية بمفرده، خصوصا في ضوء أن معظم المعلومات التي ترده بشأن البرنامج النووي الإيراني هي من مصادر المخابرات الغربية والإسرائيلية في الأساس. ولكن ما كان يصر عليه الدكتور البرادعي هو تقديم أدلة قاطعة تتمتع بالمصداقية الكاملة».
ويؤكد خالد داوود أن البرادعي نال جائزة نوبل للسلام في عام 2005 بعد أن «واجه إدارة بوش الابن ورفض ترويج خرافاته بشأن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل»، مشددا على أنه «لم يكن ليقبل كذلك بشن حرب على بلد مسلم آخر (إيران) خصوصا في ضوء الكارثة العراقية والثمن الهائل في عدد الضحايا».
ويستطرد: «لكن ليس هذا هو الجانب الوحيد الذي يهمني في هذه القضية. فالجانب الأهم بالنسبة إلي هو فشلي في العثور حتى الآن على أي مبرر لاستمرار الترويج للتقارير المغلوطة التي تتهم الدكتور البرادعي بأنه عميل أميركي، كان من المفهوم ترديد هذه المقولات في ظل نظام الرئيس المخلوع مبارك. فهو كان نظاما قائما على الكذب البواح والتزوير والفساد في كل أوجه الحياة. وبالتالي لم يكن مستغرَبا أن يسعى لتشويه صورة الرجل الذي حرك مياه السياسة الراكدة في مصر وأفسد مخطط توريث الحكم للنجل الأصغر، وأكد للمصريين أن هناك بديلا ثالثا ما بين حكومة أسست الفساد وقمعت الحريات، أو نظام يتحكم فيه متشددون متطرفون يهدفون إلى إقامة إمارة مصر الطالبانية ويهدمون تماثيل حضارتنا الفرعونية التي نفخر بها. أما الاستمرار في ترديد مثل هذه الاتهامات الزائفة الآن، والزعم كذلك بأن الرجل لا يعرف مصر جيدا نتيجة إقامته لسنوات طويلة خارجها، فلا يوجد له معنى سوى أن هناك قوى في مصر تخشى وترفض أن يتولى البرادعي رئاسة مصر ليقينها بأنه سيمثل تهديدا حقيقيا للمصالح التي قامت بترسيخها وبنائها على مدى عقود عدة، فالرجل معروف عنه النزاهة والتواضع والابتعاد عن شبهات الفساد، وهو يأمل بالفعل في تغيير حقيقي للنظام في مصر، لا مجرد التخلص من مبارك ونجله. كما أنه معروف أيضا بعلاقاته الدولية المتشعبة، وهو الأمر الذي لا يروق كذلك بالطبع لنظام اعتاد أن يحتكر التعامل مع العالم الخارجي بمفرده ويتهم أي طرف آخر يمتلك أي اتصالات مشابهة بالعمالة».
ويختتم داوود شهادته بالتأكيد على أنها «فرصة لذكر حقائق من حق الشعب المصري أن يعرفها ويطّلع عليها، وشهادة عيان من طرف سمحت له ظروف عمله بالاطلاع على ما كان يقال في حق الدكتور البرادعي في دوائر صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة والغرب».
بعد هذه الشهادة: هل يراجع من يرددون -بحسن نيّة- ادعاءات الإعلام الفاجر، أنفسهم.. أم إنهم سيفعلون مثل الحمقى ويعتبرون أن الاعتراف بالخطأ عيب و «ما يصحش»؟!
نقلا عن صحيفة العرب القطرية