رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

النموذجان التونسي والمصري

خالد السرجاني
خالد السرجاني

من الأسئلة الحائرة التي تبحث عن إجابة، ما يتعلق باستقرار الوضع في تونس، وتوتره في مصر، على الرغم من أن نجاح الثورتين في البلدين فصل بينه أقل من شهر. ففي اليوم الذي عقدت فيه أولى جلسات المجلس التأسيسي التونسي، انطلقت المرحلة الثانية من الثورة المصرية. ويبدو أن دخول مصر إلى المرحلة التي دخلتها تونس في إنجاز ثورتها، ما زالت تقف دونه عقبات كبرى.

ويمكن القول إن هناك اختلافات في البلدين أدت إلى النتائج السابقة، في مقدمتها أن المؤسسة العسكرية في تونس، والتي ساهمت بدور كبير في نجاح الثورة التونسية، لم تفضل أن تتولى الحكم بنفسها، وإنما تركت المهمة للمدنيين لكي يديروها كما يتراءى لهم، بينما أصرت المؤسسة العسكرية في مصر على أن تتولى هي السلطة.
ورفضت تأسيس مجلس رئاسي، ورفضت أيضا تشكيل هيئة استشارية مدنية لها. والمؤسسة العسكرية في مصر محترفة، وبالتالي ليست لها الخبرات السياسية الكافية، وهو الأمر الذي تسبب في ارتباك المرحلة الانتقالية بصورة واضحة.
وثاني نقاط الاختلاف بين النموذجين، تتمثل في النخبتين التونسية والمصرية، فخلال حكم حسني مبارك تم تدجين النخبة أو تجريفها تماماً في مصر، وتحولت إلى نخبة هشة، ومن قام بالثورة ضد النظام يمثلون نخبة جديدة لم تتجذر في الشارع المصري. وهناك تنافس قوي بين الفريقين؛ أي النخبة القديمة المدجنة أو المجرفة، والجديدة التي تسعى لأن تصبح هي نخبة الشارع. وهذا الصراع فتت العمل السياسي.
وأدى إلى عدم وجود إجماع على أي نقطة مفصلية يمكن أن تدفع العملية الانتقالية إلى الأمام. على الجانب الآخر فإن النخبة التونسية في معظمها ظلت متماسكة، وفي نفس الوقت ظل بعض مؤسسات إفراز النخبة يعمل بكفاءة، ووجود البعض الآخر في المنافي الأوروبية، جعلها تعرف كيف تدار الثورات ومراحلها الانتقالية.
وعلى رأس هؤلاء منصف المرزوقي الذي أصبح رئيساً للجمهورية، وراشد الغنوشي زعيم حزب النهضة. كذلك ظلت اتحادات الشغل تعمل وتحافظ على مصالح أعضائها، مثلها مثل بعض النقابات المهنية المهمة. وكل ذلك أدى إلى وجود توافق عام على خطوات متماسكة للمرحلة الانتقالية، على عكس الوضع الذي جرى في مصر.
فخريطة الطريق في تونس واضحة، وهناك اتفاق عام عليها من كافة عناصر النخبة، وهم استقوها من التجارب السابقة في الدول التي شهدت تغييرات جذرية، سواء في شرق أوروبا أم في آسيا أم في أميركا الجنوبية. أما في مصر فالمؤسسة العسكرية الحاكمة، لم تكن لديها الخبرة في عملية التحول.
وليست لديها سيناريوهات متعددة لها حتى تختار الأمثل منها، وكانت في بداية الأمر تريد إنهاء المرحلة بسرعة حتى تعود إلى مهمتها الأصلية، واستمعت لرأي الإسلاميين الذين يريدون إنهاء الحكم العسكري، ويدركون أنهم المؤهلون للوصول إلى السلطة في الوقت الراهن. وكل ذلك أدى إلى الارتباك الذي نراه حالياً في التجربة المصرية، لأنه لم يكن هناك اتفاق عام على مراحل وأولويات المرحلة الانتقالية.
ومن الاختلافات المهمة بين النموذجين التونسي والمصري، الحالة الإسلامية. ففي

تونس هناك حركة رئيسية في العمل السياسي هي النهضة، أما باقي الحركات أو التنظيمات فهي إما ترفض العمل السياسي أو أنها هامشية بما لا يجعلها رقماً في المعادلة الإسلامية السياسية. أما في مصر فهناك الإخوان الذين انشقوا إلى عدة أحزاب؛ مثل «الحرية والعدالة» والنهضة، والتيار المصري، وكل منهم يعبر عن توجه مختلف تماماً.
وقد وجد السلفيون، الذين كانوا يرفضون من قبل العمل السياسي ويعتبر بعض فصائلهم أن الديمقراطية كفر، أنه لا مناص من العمل السياسي لمنافسة الإخوان أو للتنسيق معهم في مواجهة التيارات المدنية.
كذلك دخل الجهاديون العمل السياسي وأسسوا أحزاباً، وقد أغرى ذلك جماعات صوفية وأخرى شيعية بأن تقوم بالفعل ذاته، الأمر الذي أدى إلى تفتت العمل السياسي الإسلامي، وأيضاً إعطاء انطباع بأن الإسلاميين يسعون إلى تأسيس دولة دينية، الأمر الذي أدى إلى توتر في الحياة السياسية.
وفي ما يتعلق بالحالة الإسلامية أيضاً، فإن إسلاميي تونس يدركون خوف المجتمع المدني منهم، وخوف الغرب أيضاً، وهذا الأمر دفعهم لتبني خطاب تطميني للفريقين، يؤكد أنهم يسعون إلى دولة علمانية تعددية، ولتأكيد ذلك رشحوا سيدات غير محجبات على قوائمهم الانتخابية. أما في مصر فقد كان الخطاب الإسلامي يتميز بالمزايدة بين الفرق المختلفة، وهو الأمر الذي زاد من خوف التيار المدني، بما أدى إلى حدوث ارتباك آخر للمرحلة الانتقالية.
ورغم الفارق الواضح بين النموذجين التونسي والمصري، إلا أن حركية الشارع المصري تؤكد أن هناك فرصة لأن تصحح الثورة ذاتها مع مرور الأيام. فما زال صراع القوى غير محسوم داخل الخريطة السياسية، كما أن عدم إنجاز الجوانب الاجتماعية للثورة، جعل قطاعات عديدة من المجتمع المصري غير راضية عن أداء السلطة القائمة حالياً، لكن هذه القطاعات تنتظر تبلور صراع القوى لتحسم خياراتها النهائية، وهو ما يعني أن النموذج المصري ما زال في مرحلة البلورة، في الوقت الذي تبلور فيه النموذج التونسي بصورة نهائية وواضحة.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية