رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الثورة وعودة الغائب

مع اقتراب الذكرى الأولى لثورة يناير في مصر، يبدو «الأزهر الشريف» وقد استعاد الكثير من دور غاب عنه طويلاً وأصبح في قلب الحياة العامة، وفي صلب المشهد الوطني.

وقبل أيام كان الأزهر الشريف يستضيف رئيس الوزراء الدكتور الجنزوري وبابا الأقباط الأنبا شنودة وكل أطياف العمل السياسي من مرشد الإخوان المسلمين وقيادات الجماعات الإسلامية إلى مرشحي الرئاسة إلى رؤساء الأحزاب إلى ممثلي شباب الثورة، ليخرج الجميع ببيان تلاه شيح الأزهر الدكتور أحمد الطيب تتعهد فيه كل القوى باستكمال اهداف الثورة وبتأسيس الدولة الديمقراطية المدنية وبتسليم السلطة في الموعد المحدد (نهاية يونيو القادم) ومنع المحاكمات العسكرية للمدنيين والإفراج عن المتعقلين وسرعة محاكمة القتلة والفاسدين من المسؤولين في العهد السابق.
وقبل ذلك بيومين كان الأزهر الشريف يصدر وثيقة في غاية الأهمية والخطورة عن الحريات الأساسية التي يجب أن يتضمنها الدستور القادم.
وكان كل ذلك تتويجاً لحركة دائبة على مدار العام الماضي لم تكن بدايتها على ما يرام بالنسبة لهذه المؤسسة الدينية العريقة وبالنسبة لشيخ الأزهر شخصياً. كان شيخ الأزهر قد تولى موقعه قبل أقل من عام من الثورة بعد رحيل شيخ الأزهر السابق الشيخ طنطاوي في مارس 2010. وبدأ الدكتور الطيب عهده بأزمة.
فقد كان الرجل قبل تعيينه في موقعه على رأس المؤسسة الدينية العريقة رئيساً لجامعة الأزهر، وكان في نفس الوقت عضواً في المكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم الذي لم يكن يتمتع بسلطة حقيقية، حيث كانت السلطة في يد رئيس الحزب ثم في يد رئيس لجنة السياسات الذي كان يعد لوراثة الحكم.
وكان مفاجئاً أن الدكتور الطيب لم ير بأساً في أن يستمر بعد تعيينه شيخاً للأزهر في عضوية الحزب الوطني الحاكم يومها في مكتبه السياسي. وكتبت يومها مع آخرين نطالب باحترام الموقع المهم على رأس أكبر مؤسسة إسلامية وترك العمل الحزبي. وهو ما حدث بعد تردد طويل من الإمام الأكبر.
ومع قيام الثورة حاول الإمام الأكبر أن يتخذ موقفاً متوازناً كان يتطور مع الأحداث، ولكنه الطبع كان مقيداً بطبيعة موقعه الرسمي وبميراث طويل من ابتعاد الأزهر عن الحياة العامة بالنظام أياً كانت طبيعته. وهو ما دعا أحد أبرز مستشاري الإمام الأكبر (السفير السابق محمد رفاعة الطهطاوي حفيد رائد النهضة الفكرية الحديثة رفاعة الطهطاوي) إلى الاستقالة من موقعه والانضمام إلى ثوار التحرير اعتراضاً على ما رأى أنه موقف متحفظ تجاه الثورة.
الأمر الذي دعا الإمام الأكبر إلى تقديم استقالته التي رفضها المجلس العسكري مجدداً الثقة في الشيخ الطيب.
مع تطور الأحداث بعد ذلك ظهرت قدرات الإمام الأكبر في التعامل مع الأزمات المتوالية، وفي تطوير دور الأزهر، وفي مد خيوط الحوار مع كل الأطراف.
مع صعود جماعات الإسلام السياسي وخاصة الإخوان المسلمين والسلفيين استطاع شيخ الأزهر، الذي لم تكن علاقته جيدة مع هذه الأطراف في السابق أن يبادر للتفاهم مع هذه الجماعات، مستغلاً الصراع العنيف بين هذه الجماعات نفسها ليقدم نفسه جسراً لإقامة هامش من التوافق بينها.
لكن الأهم أن شيخ الأزهر استطاع في نفس الوقت أن يقيم حواراً مهماً ومستمراً مع جماعات المثقفين التي روعت بعدد من التصرفات الطائشة من متشددين إسلاميين، ووجدت في رفض الأزهر لهذه التوجهات سنداً لها. كما استطاع أن يفرض وجود الأزهر في الأزمة حول مدنية الدولة والصراع حول مبادئ أساسية للدستور تمنع الاتجاه عند البعض لإقامة دولة دينية لم يعرفها الإسلام من قبل.
وهنا قدم الأزهر مع المثقفين الوثيقة التي ركزت على إقامة (الدولة الوطنية الديمقراطية

الحديثة) والتي مازالت هي الوثيقة التي نالت توافق غالبية الأطراف حتى الآن، وبعد فشل مشروع وثيقة الدكتور السلمي نائب رئيس الوزراء الأسبق.
الآن يتبنى الأزهر الشريف الوثيقة التي أعدها علماؤه مع مجموعة من المثقفين حول «الحريات الأساسية». إنها الوثيقة الأخطر والأهم لأنها تحسم الكثير من الجدل الدائر الآن حول موقف الإسلام من قضايا كثيرة تتعلق بطبيعة الحكم وحقوق المواطن، ليس في مصر فقط بل في عالمنا العربي والإسلامي.
تشدد الوثيقة بشكل قاطع على حرية العقيدة وما يرتبط بها من حق المواطنة الكاملة للجميع مع المساواة في الحقوق والواجبات. وترد الوثيقة على الدعاوى الجاهلة بتكفير المخالفين في الرأي والتي وصلت في الشهور الماضية عند البعض إلى اعتبار الديمقراطية كفراً والليبرالية إلحاداً.
وفي وجه دعوات تصاعدت في الفترة الأخيرة للتضييق على حرية التعبير وعودة التهديد بحبس الصحفيين. تؤكد الوثيقة ان حرية الرأي هي أم الحريات جميعاً، وتطلب تحصينها بالنصوص الدستورية. وبعد ما رأينا من دعوات جاهلة لمصادرة أعمال نجيب محفوظ والمطالبة بمحاكم تفتيش على الإبداع الفني والأدبي، والتهديد بتحطيم التماثيل، كما فعل أئمة التنوير في أفغانستان، تأتي وثيقة الأزهر لتعلي من شأن الإبداع الفني والأدبي باعتباره وسيلة «لتنمية الوعي بالواقع أو تنشيط الخيال، وترقية الإحساس الجمالي وتثقيف الحواس الإنسانية وتوسيع مداركها وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع»، وتجيء الوثيقة لتدعو «للبحث العلمي الجاد في العلوم الإنسانية والطبيعة والرياضية وغيرها».
تبقى ملاحظتان في هذا الشأن:
الملاحظة الأولى، أن التيار الأساسي في المجتمع المصري مازال يرفض تدخل المؤسسات الدينية في السياسة، ولكنه يرى أن الجهد الذي يبذل من أجل تحقيق التوافق الوطني في هذه المرحلة عمل يعلو على السياسة، وبشرط ألا تتحول المؤسسات الدينية إلى أطراف في الصراعات السياسية.
الملاحظة الثانية: ان البيان الذي صدر عن اجتماع القوى الوطنية في رحاب الأزهر، والذي أكد على توافق الجميع من أجل استكمال أهداف الثورة، لم يتبن «وثيقة الحريات» باعتبارها أساساً لوضع الدستور. وهو ما يعكس ان بعض القوى مازالت على موقفها المناهض للحريات، ولكن هذا لا ينتقص من الوثيقة التاريخية، بل يؤكد أهميتها في حسم معركة سوف تستمر طويلاً، ولكنها مهما طالت لابد أن تنتهي لما يفرضه صحيح الإسلام، وما يفرضه قانون الثورة الذي لا يمكن أن يسمح بالتقدم إلى الخلف.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية