رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"إسرائيل" ليست "فاتيكان للديمقراطية"

لم تكتم بعض الأوساط الغربية شعورها بالقلق من جراء صعود الإخوان المسلمين، ووصولهم إلى مواقع الحكم والسلطة في الدول العربية.

وربطت الأوساط إياها بين هذه المخاوف، من جهة، وبين الانطباعات السائدة عن نظرة الإخوان السلبية تجاه الغرب وتجاه “الديمقراطية الغربية”، من جهة أخرى . وفي السياق نفسه، عَدّت هذه الأوساط أن موقف الإخوان تجاه “إسرائيل” هو سبب رئيس من أسباب القلق .

وبدا هذا التفسير بديهياً في ضوء العلاقة الوثيقة بين الأوساط الغربية المعنية وبين “إسرائيل”، وفي ضوء المتغيرات المتوقعة في المنطقة العربية . فمن الأرجح أن تتبدل موازين القوى في المنطقة بعد سقوط حسني مبارك، حليف “إسرائيل” الأقوى في المنطقة، وبعد تشكيل حكومات يقودها الإخوان في مصر والمغرب وتونس، تضاف إليها المقاومة في لبنان . وهذا التبدّل جدير بأن يؤثر، ولو جزئياً ولغير مصلحة الغرب و”إسرائيل”، في مجرى الصراع العربي - “الإسرائيلي” . يبدو هذا التفسير منطقياً وواضحاً، إذ إن الأوساط الغربية التي رعت المشروع الصهيوني وساندته، ومكّنت الحركة الصهيونية من تحقيق الانتصارات المتوالية على العرب، تخشى أن تؤدي التطورات الأخيرة في المنطقة العربية إلى انتكاس المشروع الصهيوني إياه .

إلى جانب هذا التفسير للمخاوف الغربية تجاه صعود الإخوان، قدمت تفسيرات أخرى تنطلق من اعتبار الموقف من “إسرائيل” محكاً لديمقراطية الحركات والأحزاب السياسية العربية . ووفقاً لهذه النظرات، فإن موقف الإخوان من “إسرائيل” لا يعدّ مؤشراً إلى موقفهم تجاهها، ولا تجاه الغرب والتحالف الغربي- “الإسرائيلي” فحسب، ولكن تجاه الديمقراطية نفسها أيضاً . هذا ما أكدته فيكتوريا نولاند، الناطقة بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، وبصورة غير مباشرة، عندما وضعت في مطلع هذا العام الأنباء الواردة من القاهرة عن  احترام الإخوان لحقوق الإنسان وللمعاهدات الدولية - أي كامب ديفيد - في سلة واحدة . وهذا ما تشدد عليه أيضاً أوساط سياسية وإعلامية نافذة ومؤيدة ل “إسرائيل” في دول الغرب . أليست “إسرائيل” - في نظر أصدقائها الغربيين - “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط؟ أليست حمايتها وترسيخها وضمان أمن “الإسرائيليين” وحريتهم ورفاههم مكسباً للديمقراطية - كما يصورها أصدقاء “إسرائيل” - وواجباً على الديمقراطيين أينما كانوا وإلى أي بلد انتسبوا؟

إن هذه النظرة إلى الديمقراطية وإلى معانيها وحملة رسالتها تنطوي على عسف كبير، وإهدار للمبادئ الديمقراطية، وتعويق لنهوضها في المنطقة العربية، هذا إن لم يكن خارجها أيضاً . لماذا؟

لأن التعاطف مع شعب فلسطين وتأييد حقه في إقامة دولته المستقلة على أرض بلاده المحررة، يُعدّ أولوية لدى الأكثرية من المواطنين العرب . إن قضية فلسطين هي ليست “قضية العرب القومية الوحيدة”، فهناك مسألة الوحدة بين العرب التي تحتل مكانة عالية من بين تطلعاتهم وآمالهم . ولكن من المؤكد أن قضية فلسطين هي من بين أولى القضايا المركزية القومية التي تلقى تأييداً شعبياً عظيماً في كل بلد عربي . على النقيض من هذه الآمال والتطلعات، يواصل “الإسرائيليون” من دون كلل ورغم كل النداءات والقرارات الدولية، تطبيق سياسة قضم الأراضي الفلسطينية، وإقامة “إسرائيل” الكبرى على أرض فلسطين والأجزاء المحتلة من الأراضي السورية واللبنانية .

لقد وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نداء قبل أسابيع قليلة إلى الحكومة “الإسرائيلية” لوقف أعمال الاستيطان - المتنافي مع القانون الدولي - وأشار إلى أن هذه الأعمال تتم بينما اللجنة الرباعية الدولية تجتمع بقصد استئناف مسيرة الحل السلمي، منبهاً إلى أن نجاح هذه المساعي يقتضي “توقف الأطراف المعنية عن القيام بالأعمال الاستفزازية” . والحقيقة أن “الإسرائيليين” لا يقيمون وزناً

للجنة الرباعية ولا لمسيرة السلام . وهم يهتمون باجتماعات اللجنة الرباعية كحفلات علاقات عامة وكفرص فوتوغرافية لتأكيد استعدادهم لمفاوضة الفلسطينيين، وهم يعملون على “تغيير الحقائق على الأرض” . إن العرب يعرفون حق المعرفة هذا الواقع، ولا يسع أي حاكم عربي أن يخاطبهم اليوم كما خاطب نيفيل تشمبرلن، رئيس الحكومة البريطانية، شعبه العام 1938 يوم وافق على ضم جزء من أراضي تشيكوسلوفاكيا إلى ألمانيا، وشرح للبريطانيين مزايا المعاهدة التي جنّبت بلادهم “الانغماس في صراع على بلاد بعيدة وبين أناس لا نعرف عنهم شيئاً” . ف “إسرائيل” تمارس هذه الأعمال في وسط المنطقة العربية، وبفضل الثورة الإعلامية العالمية أصبح العرب يتابعون دقائق الصراع مع “الإسرائيليين” . تأسيساً على ذلك، فإن الرأي العام العربي في كل بلد من البلدان التي وصل فيها الإسلاميون إلى الحكم سوف يَعُدّ نصرة الفلسطينيين، أحد معايير مشروعية الحكومات الإخوانية . إذا لم يقم الإخوان بهذا الواجب، سوف يدفعون الثمن من رصيدهم الانتخابي، وإلا دفعته الديمقراطية هي نفسها كنظام يسمح للشعب بأن يحكم نفسه بنفسه .

* لأن من يرى أن الموقف تجاه “إسرائيل” هو محك لديمقراطية صاحبه، يقفز فوق الطابع العنصري للحركة الصهيونية . إن سجل هذه الحركة بما فيه ظروف ظهورها على المسرح العالمي كفرقة من فرق الإمبريالية العالمية، وجذورها الفكرية التي تكمن في الداروينية الاجتماعية، وصلاتها الحميمة بالنازية والفاشية، واستيلائها على أراضي الفلسطينيين والمجازر التي ارتكبتها ضدهم، كل ذلك ينطق بذلك الطابع . وتحويل “إسرائيل” إلى “فاتيكان ديمقراطي” في المنطقة العربية لا يعدّ موقفاً غير مقبول تجاه “إسرائيل” فحسب، وإنما هو أيضاً معبر عن تعاطف مكبوت مع النزعة العنصرية، ومحاولة لإعادة الاعتبار إليها ولنظرياتها .

إن الذين خسروا حرب الدفاع عن نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا، يحاولون خوض آخر موقعة لهم دفاعاً عن العنصرية في “إسرائيل” . ومادام الكيان الصهيوني يتمتع بالمناعة والازدهار، ومادام قادراً على التوسع في الأراضي العربية، فإن هناك أملاً للعنصريين، ولاسيما في الدول الأطلسية في إحياء الأفكار والممارسات العنصرية . في هذا السياق فإن إضفاء واجهة ديمقراطية على النظام العنصري، بل اعتبار الموقف من هذا النظام في “إسرائيل” محكاً للديمقراطية، لهو من قبيل تمكين العنصرية والعنصريين، وليس انتصاراً للديمقراطية في المنطقة العربية أو في غيرها .
نقلا عن صحيفة الخليج الاماراتية