رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

2011 عام العرب المدنية أو البربرية

كان العام المنصرم حافلاً بالأحداث الجسيمة والتحوّلات العاصفة، سواء على الصعيد العالمي أو العربي. عربياً، لا مبالغة في القول بأن عام 2011 حمل توقيع العرب وختمهم بوقائعه وأحداثه. قد يقال بأن عام 2001 كان أيضاً عاماً عربياً، إذ العرب فاجأوا يومئذٍ العالم وشغلوه، بتفجيرات سبتمبر التي كانت بمثابة حدث عالمي كبير شكل مفصلاً بين حقبتين وزمنين. ومع ذلك فأنا لا أسمي عام 2011 عام العرب. الأحرى أن يسمّى عام الإسلاميين من عرب وأفغان وباكستانيين وسواهم، ممن فجّروا برجي التجارة في نيويورك.

ولكن شتّان بين الحدثين. فالأول هو حدث وحشي صنعته منظمة دينية أصولية تحرك عقول أصحابها المفخخة ترسانة من التهويمات النرجسية والشعوذات الفكرية والدعوات المستحيلة. ولهذا، فإن هذا الحدث أسس لعقد من الإرهاب والحرب عليه، مع ما خلفه ذلك من المآسي والكوارث، دماءً ودماراً، سيما في المجتمعات العربية الإسلامية.
أما الحدث الثاني، كما تمثل في اندلاع الثورات الشعبية السلمية، فإنه حدث خارق فاق التصوّرات والأحلام ليجعل المستحيل ممكناً، فكان أشبه بمعجزة، ولكن ليس بالمعنى الغيبي، إنما معجزة صنعتها الشعوب العربية التي ثارت وكسرت طوق الاستبداد، فخرجت من عجزها لكي تحمل المسؤولية عن نفسها وتمارس حيويتها الخلاقة في قود مصائرها في ما يخص اختيار أنظمة حكمها وبناء مجتمعاتها.
فكانت ثورة النساء كما هي ثورة الرجال على السواء، وكانت ثورة المعارضة للأنظمة، بقدر ما كانت ثورة الإنسان العادي الذي لا صفة له ولا سلطة ولا ثروة، والذي شعر لأول مرة بأن له رأيه وصوته ودوره الفاعل.
ولكن الثورة هي أولاً ثورة الفاعلين والناشطين في الميادين ممن استثمروا على نحو خلاّق وبنّاء فتوحات عصر العولمة والمعلومة والشبكة. إذ هم الذين أشعلوا الشرارة وكانوا أصحاب المبادرة الفذّة لكي ينبلج عصر عربي جديد وينفتح أفق غير مسبوق للعمل السياسي والتحوّل الديمقراطي.
وهكذا فتحوا أمام الجميع إمكانات هائلة للتفكير والتعبير والتغيير، لكي ينخرطوا في صناعة الحدث، ويكتشفوا أن هناك شكلاً جديداً من العمل الثوري يجترح، وأن صيغة جديدة للديمقراطية تخترع، هي الديمقراطية الحيّة واليومية، الميديائية والميدانية، التشاركية والتواصلية، وهي صناعة عربية أخذت تستلهم أساليبها في أماكن أخرى من العالم، من وول ستريت في واشنطن إلى ساحة الكرملين في موسكو. ولا غرابة، فإذا كان ثمة فاعل جديد يظهر على المسرح بنمطه ونماذجه، فلكل نمط أسلوبه وصيغه.
ومع ذلك لا يجدر أن نغرق في التبسيط أو نحلم بالفردوس الليبرالي. إذ لا فردوس على هذه الأرض. فالثورات الجارية بدأت سلمية، مدنية، ولكن بعض الأنظمة حوّلتها إلى بحور من الدماء.
في الداخل تواجه الثورات الثالوث المضاد، كما يتمثل أولاً في النخب الثقافية الباحثة عن واجهة أو دور، وثانياً في قوى النظام الاستبدادي الفاسد، وكما يتمثل خاصة في التيارات السلفية البربرية التي تتقن لغة الفتوى والتكفير.
وبعد فوز الأحزاب الإسلامية في الانتخابات التشريعية، في غير بلد عربي، ازدادت المخاوف على مصائر الحريات الديمقراطية والمدنية التي رفعت شعاراتها الثورات العربية. أياً يكن، لا عودة إلى الوراء.
فالأجدى بمن يتصدّون لحلّ المشكلات وقود المجتمعات، أن يعترفوا بالمتغيّرات ويأخذوها بعين الاعتبار، لكي يحسنوا الفهم والتشخيص وابتكار المعالجات الناجعة. أما العودة إلى الماضي القديم أو البعيد، لاختيار ما جُرِّب وفشل أو استُهلِك وصدِئ أو فسُدَ وخرِب، فإنها ستكون عودة مرعبة وصادمة تولّد الكوارث والعدَمية والبربرية، بقدر ما تؤول إلى انتهاك المبادئ في معرض الدفاع عنها.
في الخارج العالم ليس أحسن حالاً من ذي قبل. فالأحداث هي أيضاً استثنائية، بقدر ما هي مقلقة وخطيرة، من حيث أثرها على سلامة الناس ومصادر رزقهم، كما تشهد الأزمات على غير مستوى وفي غير مجال.
هناك على المستوى البيئي الكارثة التي تمثلت في تسرّب إشعاعات نووية سامة، بعد التصدّع الذي

حصل في طوكيو، في أحد المفاعلات النووية المولّدة للطاقة الكهربائية، وعلى النحو الذي عرّض حياة الناس الذين كانوا يعيشون في محيطه إلى الخطر، بقدر ما أحدث الفزع والقلق في اليابان والعالم. الأمر الذي طرح التساؤلات حول جدوى إنتاج الطاقة النووية ولو لأغراض سلمية، وحمل الكثيرين على التفكير بإلغائها من الأساس، أياً كانت وجهة استخدامها.
ومن المفارقات الفاضحة أن تدمير المفاعلات يكلّف أضعافاً مضاعفة لأثمان بنائها. فيا لحمق الإنسان وغبائه. هناك على المستوى الاقتصادي والمعيشي الأزمات المالية المتلاحقة، والتي بدأت مقدماتها في خريف 2008، وقد بلغت الذروة بأوروبا في العام المنصرم: البطالة، ازمه اليورو، ازمه الدين، إفلاس بعض الدول. على المستوى الأخلاقي توالت الفضائح في غير مكان من العالم، سيما في دنيا المال والإعلام والجنس.
وهي مجالات تشكل شبكة يتبادل نجومها وأبطالها المساوئ والمنافع على السواء، كما تمثلت في الفضيحة الجنسية المدوية التي أطاحت برجل سياسي فرنسي مرموق هو دومينيك ستروس/ كان الذي كان مرشحاً للرئاسة في فرنساٍ ومديراً عاماً لصندوق البنك الدولي، أو في الفضيحة الإعلامية التي هوت إلى الحضيض بروبرت مردوك صاحب الإمبراطورية الإعلامية المشهورة في بريطانيا.
ولكني أتوقف عند فضيحة بشرية بكل المقاييس الخلقية والاقتصادية والثقافية، كما تجسّدت في المجاعة التي حلّت بالصومال بعد موجة الجفاف، فيما العالم بقواه وأحزابه، الدينية والعلمانية، الإسلامية والعربية، مشغولة بصراعاتها الطاحنة من أجل الوصول إلى السلطة أو الحفاظ عليها.
هناك استثناء، لأنه لو خَلَت الدنيا من مصلح لعمّ الخراب، هو بيل غيتس الذي فكر بالاستثمار في الصومال لإنقاذ سكانه.
وأنا ادرج هذه الأزمات التي تتراكم ولا تجد لها حلولاً، تحت داء عظيم تتفرّع منه: فقدان الإنسان السيطرة على نفسه وعلى أدواته، على صنائعه وأسواقه، على أهوائه ونزواته. وكأن البشرية باتت تنوء بحاجاتها ومطالبها المترفة والمتزايدة والتي تولد كل هذه الصراعات والحروب، والتي سوف تفضي إلى تلويث الأرض ونضوب الموارد. فنحن ننتج ونستهلك بصورة وحشية مآلها الهلاك أو البربرية. فهل ثمّة إمكان لإعادة النظر في نمط الإنتاج والاستهلاك؟ هل نتقي ونتواضع أم أننا سائرون نحو الهلاك والخراب؟
وذلك يطرح السؤال الكبير على الثورات العربية: هل تتمكن من التغلب على القوى المضادة ومجابهة التحديات الكبيرة، لكي تتمكن المجتمعات العربية من صنع نماذجها في التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية، والبيئية أيضاً، لكي تساهم في تجديد الرؤى والمفاهيم والمعايير في ما يخص المصير العربي والمستقبل البشري على السواء. نحن على المحك.
نقلا عن جريدة البيان الاماراتية