رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عام العرب

يمكن أن نطلق على العام الذي انصرم للتو وهو العام 2011 عام العرب، أو بأكثر دقة عام الثورات العربية وربيعها الذي لف المعمورة وحل أخيراً في ديار العرب بعد أن تحولت

معظم أقطار العالم إلى النظام الديمقراطي. ولعل النفط والصراع العربي الإسرائيلي كانا العاملين اللذين أبطئا حركة التغيير بدءاً من أميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا في تسعينات القرن الماضي وشرق أوروبا ثم الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا لاحقاً فالجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطي.
قطار التغيير قد توقف كثيراً في المحطة العربية لينطلق من إحدى دولها، وكانت أحسن من غيرها حالاً، أما شرارتها فكانت حالة البطالة التي يعيشها جمهور الخريجين من الشباب، وهؤلاء الشباب لا يعيشون في جزيرة معزولة عن العالم، بل يرتبطون بأقرانهم في شتى بقاع الأرض عبر تقنيات التواصل الحديثة التي مكنتهم من إسماع أصواتهم بعضهم لبعض وإسماعها أيضاً لأقرانهم في الدول المتقدمة الذين ينعمون برغد العيش. إذن، تشكلت شبكة من التضامن العالمي من شباب يتواصلون في فضاء رحب عصي على المراقبة الحكومية.
والتقنيات الحديثة هذه مكنت أيضاً هؤلاء الشباب من كسر الاحتكار الحكومي لوسائل الإعلام وبالتالي نقل الأخبار «المفلترة». وهذه ثورة بحد ذاتها، فكسر الإعلام الرسمي المملوك للدولة وخلق إعلام مواز له جعل من «كل الأخبار» وليس «بعضها» أو «ما ترضى عنه السلطة» هي أخبار يستطيع من شاء أن يطلع عليها. فما قيمة خبر شاب يحرق نفسه محتجاً في بلد مغلق الأسوار وتكتم فيه كل الأنفاس؟! لكن في عالم فتحته الوسائط الحديثة على مصراعيه للتواصل، أصبح خبر كهذا شرارة لثورة امتدت شرقاً وغرباً في الوطن العربي.
وبلاد العرب هي بلاد النفط، تلك المادة العجيبة التي طالما تصارع حولها المتصارعون والتي هي عصب الحياة الحديثة ومحركة لآلة الاقتصاد العالمي. وبالطبع، فإن أي خبر عن «قلاقل» أو اضطرابات تحدث فيها سرعان ما يمتد خبرها إلى جميع أرجاء العالم ويحظى باهتمام الساسة وصناع القرار على وجه الخصوص. ولطالما تجاهل هؤلاء ما يجرى في الشارع العربي ابتغاء مرضات النخب الحاكمة، ولطالما أيضاً تجاهلت كبريات وسائل إعلامهم من صحف ومحطات تلفزة وإذاعة ما كان يختمر في عقول الشباب العرب.
أما وقد كُسر الاحتكار وأضحت الأخبار على ألسن ومرأى الجميع، فلم يعد بإمكان ساسة العالم، وعلى وجه الخصوص من المؤثرين على النخب الحاكمة العربية السكوت، وخاصة ساسة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية. فصار هؤلاء يناصرون الثورة العربية (ظاهراً على الأقل) أو يركبون موجة تأييدها، بل أضحوا يطلقون عليها الربيع العربي.
وهكذا أمست أخبار «القاع العربي»، إن جاز التعبير، تتصدر صفحات كبريات الصحف العالمية وتهيمن على شاشات فضائياتها. وهي بهذا قد وضعت «الإعلام الرسمي العربي» في مأزق، حيث فقد هذا الإعلام وتحديداً في دول الربيع العربي مصداقيته عند الجمهور العريض من الشعب، والجميع يتذكر

كيف أن الآلاف كانوا يتجمعون تحت مبنى التلفزيون المصري على النيل وكان العشرات من مراسلي وكالات الأنباء العالمية يغطون أحداث الثورة المصرية في حين كان هذا التلفزيون الرسمي يتجاهل ما يجري أمام مبناه!!
وعلى ذلك سيكون العقد القادم هو عقد الإعلام الحر واضمحلال، وربما أفول الإعلام الرسمي مع موجة التغيير التي ستستمر لمدة ليست بالقصيرة، إذ إن مسبباتها لاتزال قائمة في كثير من الدول العربية. وهذه تطرح على الأنظمة القائمة تحديات سياسية واقتصادية لا يمكن الاستهانة بها، فالنظام الذي لا يستطيع مجاراة الزمن والتكيف مع متطلباته سيواجه مصير تلك الأنظمة البائدة التي استطاعت الجماهير العربية اقتلاعها، أو التي تناضل هذه الأيام في سبيل الوصول إلى ذلك. أما الأنظمة «الواقعية» والتي باستطاعتها التكيف مع متطلبات العصر ومعطيات الواقع الجديد، فإنها ستقود شعوبها إلى التطور التدريجي متجنبة مخاضات الثورة وآلامها.
ولقد أثبتت الأنظمة السياسية في دول الخليج العربي انها الأقدر على الاستجابة والتكيف مع تحولات العالم والمنطقة بما تحمل من شرعية في عيون أبنائه تكونت عبر أكثر من ثلاثة قرون، ولعل تجربة الوحدة بين دوله ــ وإن كان المنجز منها أقل من طموحات شعوبها ــ إلا إنها التجربة الوحيدة التي استطاعت أن تصمد في منطقتنا وهي مرشحة لمزيد من التطور أمام التحديات الجديدة.
وختام القول ان عام 2011 كان عام العرب بحق، أو بالأحرى عام الشعوب العربية، حيث رأى العالم لأول مرة ومنذ زمن طويل ما يطمح إليه الجيل الصاعد في هذه الأمة المترامية الأطراف، وتفاعل معهم كما تفاعل مع شعوب أخرى نهضت لنيل حقوقها وإرساء نظم ديمقراطية تحترم رأي المواطن وتصون كرامة الإنسان وتدافع عن حقوقه. وهي موجة لن تتوقف إلا إلى بلوغ شاطئها وتحقيق أهدافها.
ولقرائنا ككلمة أخيرة نقول: كل عام وأنتم بخير مع تمنيات التوفيق والنجاح للجميع.

نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية