عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الحياة اللندنية - « أخلاقنا مقطعة بعضها»

بوابة الوفد الإلكترونية

لم يتحرج ريتشارد نيكسون أن يصرح في أول خطاب رسمي له بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة بقوله: «إننا نجد أنفسنا أثرياء في البضائع، ولكن ممزقين في الروح، ونصل بدقة رائعة إلى القمر، وعلى الأرض نتخبط في متاهات ومتاعب كبيرة»، وهو انطباعنا العام نفسه عن الغرب، فكلما جئنا على ذكرهم في أحاديثنا اليومية، يحلو لنا أن نختمها بعبارات الخواء الروحي والتخبّط في دهاليز ارتكاب الخطايا التي يغوص فيها الغرب، فنعزِّي أنفسنا ونرتاح، فهم المتقدمون معرفياً وتقنياً، لكنهم الضائعون روحياً، ما يعني أننا قد نكون أقل معرفة وتقنية هذا صحيح، ولكننا أكثر امتلاء في الروح والأخلاق.

حسناً، لن أعترض على التردِّي الغربي الأخلاقي في مقابل تقدمه المادي الباهر، فهذا رئيس بلدية كليفلاند الأميركية ينبّه إلى المفارقة بقوله: «إذا لم نكن واعين، فسيذكرنا التاريخ على أننا الجيل الذي رفع إنساناً إلى القمر بينما هو غائص إلى ركبتيه في الأوحال والقاذورات». لقد شهد شاهد من أهلها قبل شهادتي، فكما ذكرتُ، تلك هي أحوالهم، ولكن سؤالي لا يتعلق بالإنسان الغربي، إنما هو عن الإنسان العربي إن تخلى عن أخلاقه؟ فما يعزّينا ويقلل من فداحة تقصيرنا المادي، إحساسنا بالقرب أكثر من الله وتعاليمه السماوية، وشعورنا بالتفوق المعنوي، ولكن ماذا إن كنا حتى في هذه قد خسرنا الجولات؟ يعني لا تقدمَ أخلاقياً، ولا غيرَ أخلاقي؟ صعبة.
سيقرأ المقالة أكثر من قارئ، وقد يشعر أحد القراء بالحمية، ولا أدري إن كانت حمية الجاهلية التي لا تزال تسري في العروق، وسيعترض وينتقد، بحجة أننا أصحاب الحقوق الحصرية للأخلاق، ولا نرضى أن نُتهم في حقوقنا، وكلام وكلام من هذا القبيل، وكله تنظير، فأين هي الأخلاق «اللي مقطعة بعضها» في عالمك العربي؟ انظر حولك وتمعّن، ثم استرجع مواقف عامة الناس معك، القريب منهم قبل البعيد، ثم ارجع إلى نفسك وتذّكر سلوكها وقراراتها، فماذا ترى بعد رحلتك الاستطلاعية تلك؟ ولا تقل: لكن نظل أفضل منهم (وتعنى الفرنجة بمنطقك)، لأن المعادلة كانت أن تحلق بأخلاقك كي تكسب الرهان، فمادياً أنت أقل، لكن المفروض أن تكون أخلاقياً أعلى، أما أن تصبح مادياً أقل وأخلاقياً «نص نص»، فالمحصلة أن الغربي هو الذي يفوقك، لأنه ببساطة قد حصل على الجائزة الكبرى مادياً، وأخلاقياً هو مثلك «نص نص»، فكفته هي الأرجح.
يقول الجابري: «من الظواهر اللافتة للنظر

في الفكر الأوروبي المعاصر، وبالتبعية في الفكر العربي، الاهتمام المتزايد بمسألة الأخلاق والقيم، وترجع أسباب العودة للأخلاق لتلك التطورات العلمية الهائلة التي عرفتها البيولوجيا والطب، والمعلوماتية والصناعة العسكرية، فضلاً عن آثار الصناعة والتكنولوجيا على البيئة الطبيعية من جهة، والخطر الذي تشكّله أسلحة التدمير الشامل على البشرية من جهة ثانية، فهذا التقدم العلمي في هذه المجالات، كما في غيرها، قد أدى –أو من شأنه أن يؤدي- إلى نتائج تتعارض مع القيم الأخلاقية التي تكرّست منذ فجر التاريخ البشري، الأمر الذي أدى إلى انبعاث التفكير في الأخلاق والقيم وتزايد الميل إلى إخضاع العلم ونتائجه لها، وبالتالي تأسيسه عليها، مما سمح بالحديث عن عودة الأخلاق»، فرحم الله المفكِّر الكبير، فلو عاش إلى عام الفصول الأربعة العربي، لربما ذكر سبباً آخر يبعث على نبش موضوع الأخلاق هذا!!
هل الإنسان العربي سعيد؟ فلو كانت وصفة السعادة أن تكون متذمراً، مقهوراً، محبطاً، دائم الشكوى لكنت من أسعد مخلوقات الكون، لأنها من صفات المواطن العربي الغالبة عليه، أمّا الغربي، فقد أفهمونا أنه من أتعس الكائنات الأرضية بسبب فراغه الروحي، ولكنه تحليل غير دقيق، فالإنسان الغربي ليس تعيساً كما صوروه لنا، وكعادتي لا أقصد الاستثناءات القاتمة. أتدري ما يصون للمرء توازنه واطمئنانه؟ أن تحفظ له كرامته ويشعر بالعدل في معاملته، فنكون من العبطاء لو فوجئنا بفساد البشر، فهي محسومة منذ قابيل وهابيل، ولن نتركها لضمير الإنسان ومستواه الأخلاقي، ولكن للقانون الذي يعاقب حتى على تعنيف طفل في مدرسة، فهل وصلنا بـ «وعينا» عملياً إلى هذا؟