رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الديمقراطية التي تشهّتها الثورة

نعرف حتى النخاع أن مصر بلد اسلامي، لكن يبدو مخالفاً واستفزازياً ولنقل غريباً الى حدّ التعسّف، ما نراه ونسمعه على الشاشات.

فأبجدية النقاشات للقوى الإسلامية المتصارعة في الإنتخابات من أخوان وسلفيين مع الليبراليين والعلمانيين، ليست بالتأكيد الأبجدية المصرية الإسلامية التي نعرف، ولا هذه مصر بالطبع، ولا هؤلاء رجالاتها. المداخلات والنقاشات وأحياناً المهاترات التي يخوضها هؤلاء، نوع من أبجدية بدائية من دون روح، أبجدية مهجورة وأقرب الأبجديات إليها ما تُنذر بالخطر.
نعرف ايضاً ما لحق الإسلاميين من إضطهاد فعلي، نعرف تاريخهم المزدحم بالعسف والسجون والإغتيالات ما جعل نبرة الناس العادية متعاطفة معهم، تلك النبرة البسيطة.
و'إبنة البلد' التي تنتصر للمقهور أنىّ كان. لامناص إذن وفي ظل الديمقراطية التي تشهّتها الثورة، أن يكون لهؤلاء نوابهم ومجلس شورتهم وبرلمانهم، وناسهم الذين انتخبـــــوهم ولا أخوض هنا في الكيفيات. أسجل فحسب ما اسمعه من حوارات! وأبدي دهشتي ممّا أســـــمع. وعلى الرغم من هدوء بعض المستضافين الإسلاميين في البرامج الحــــوارية على التلفزة، وحرصهم على الظهور بمظهر الإنفــــتاح على كافة الخلق، فإننا لا نجد في حديثهم ما يعد أو يغوي البتة. لا نجد مصر التي نعرف، لا نجد تسامحها وسعة صدرها وبالطبع ليس مستقبلها.
ما نسمعه، مجرد استشهادات ملتوية متصلبة، منفصلة عن الواقع، ومتقاربة ما بين الأخوان والسلفيين في الشكل الى حد التكرار، مع بعض التمايز في الإجتهاد وفي النبرة إليه، كذلك في تتالي الوجوه ما بين ملتحية كما نرى في الملتحين، وبالغة 'الإلتحاء' حتى ليساورك الرعب على الأقل من الناحية الجمالية. هل هذا هو إختيار عموم المصريين فعلاً في انتخاباتهم؟ من حق الإسلاميين تربية لحاهم في كنايات عن الأشكال المشهدية الماضية لكن ليس من حق أحد بعد، بلحية او بدونها، قهر هذا الشعب الصابر. هل هذا إختيار عموم المصريين أم هي المرحلة التي تدخل في ذائقة أخرى وفي فهم آخر للدين، للاسلام خصوصاً؟
هل هي فلسفة اخرى للتقرّب من الخالق؟ ما نراه ونسمعهُ هو إختيار الوعر الصعب غير الليّن على حاضر مصر المثخنة بالجراح ومستقبلها، او الطيّع الناقص عن فهم راهن العالم وما وصل إليه، مع العلم أن ليست هذه الإختيارات في مصر وحدها، فهذه ظاهرة بانت في البلاد التي حدثت فيها ثورات فمن الطبيعي أن نقترب في الموت من الله مباشرة أو عن طريق وكلاء، وإذا إختار أهل مصر ما إختاروه فلأنهم حوصروا في وعود غير دنيوية، تكفل لهم الآخرة ما دامت الحياة غير مكفولة وقد بدّدها الفساد والظلم:
يندر ان يُطرح على مصر سؤال الإيمان، فالعالم كله يعرفها على كمالها الإسلامي، ومدخل السلفيين الى وعود نهضة مصر، مجانب لجمالياتها الناجزة ورفعة ثورتها التي كلّفت الكثير من الدماء.
لا أحد يطرح على مصر الحضارة وشعبها الطيب المؤمن بالفطرة، والمُحب بالفطرة أيضاً السؤال في الإسلام لمّا لا يتجافى هذا مع الحياة، ففي التنظير السلفي الآخذ مداه على الشاشات، وصاية غير أليفة، وتعسّف وشراسة أحياناً، وجهل يُرخي الكثير من التهيّب، فالوساطة بين مصر ودينها، بين مصر وربّها غير ذات حاجة

الى الاخوان ولا الى السلفيين، فالإسلام ليس غالباً من إغواء، ولا القسوة والصرامة والجفاف أحياناً، من عناصره.
قد يبدو هذا تبسيطاً، وإفتراء على الإسلاميين ولنقل في اسعد الأحوال أن مصر في اختيارها الإنتخابي قد وجدت اخيراً من يحبها ومن يجعل منها أحسن المدن لا سرقة ولا فساد الى حد هي المدينة الفاضلة ما يجعلنا نندم على سوء ظننا وتخوّفنا. قد يبرر حضور الأخوان والسلفيين في راهن الحكم في مصر، أبجدية عنف الذين سبق أن تعاقبوا على حكمها، فهذه الإشارات أوتاد مغروسة في صدرها وجسدها، وهي نصال تكاد تمزقها، وهي الآن في تحدّيها الأخرس وفي رفضها المضمر لكل الذين سرقوها وأهانوها وجوّعوها.
العنف، نعم العنف الذي مورس عليها رماها عند اول منعطف إنتخابي في أيدي 'رجالات الله'. نشعر أن في ذلك العنف الذي حكمها وأدماها ما استنبت نوعاً لا من الإرتماء في أحضان الأخوان والسلفيين ولكن مقاومة أيّ سيىء عدا هؤلاء الذين تجد فيهم تعويضاً في الآخرة عن دنيا فاسدة.
يُشبه الإنسان المصري الحياة نفسها في توزّعها ما بين هزل وجدّ الى حدّ لا يعود يتضح فيه تماماً حد التسلية من حد الجدّ، ولسنا نعرف الإنتخابات الأخيرة التي إنتصرت للإسلاميين إن كانت من جدّه أو لهوه.
يبدو كل كلام عن مصر الآن، ان حاضرها ينطلق من هنا، من هذه الإنتخابات، من شبهتها، أمّا تاريخها السحيق فشاراته أرواح الناس الساخرة التي نجت من الذبح، بل هي تزيد جرعة سخريتها كلما زادت همومها.
المفارقة ليست هنا فحسب. انها في كل خطوة تخطيها مصر، وهي كبيرة الى درجة أننا نشعر أن هذه الإنتخابات ونتائجها حتى اللحظة، غير مفهومة، ويزداد حرجنا من ذلك وأحياناً غضبنا. ما ينقص مصر أنها تحتاج الى صورتها العالمية التي صنعتها لها ثورتها وشبابها وكل أهلها. استطراداً لكن من الجهة المعاكسة، لا نعتقد أن مصر تنقص شيئاً أنىّ أو كان من حكمها، فمصر تتابع حياتها خارج حسابات نتائج الإنتخابات، ذلك أنها .. مصر.

نقلا عن صحيفة القدس العربي