رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مأمون فندي يكتب : «رعد الشمال»: من الصغير إلى الكبير

مأمون فندي
مأمون فندي

 

اللعبة التي تحدث في منطقتنا العربية اليوم، لعبة شديدة التعقيد وعالية

التكلفة، ومخاطرة من أجل جائزة كبرى فيما يعرف بالـ(high stake game).

المشهد العربي يجذب إليه، وربما يغري الكثيرين في المنطقة والعالم بالتدخل

في الشأن العربي من قوى عظمى مثل الولايات المتحدة، وروسيا التي تقوم

بمناوراتها العسكرية في سوريا، إلى قوى غير عربية طامعة فيما تظنه لبعض

لحظة وهنًا عربيًا لتشكيل المنطقة العربية على هواها أو ما يتخيلونه قد يعزز

من مكانتهم فيها. تحارب على لوحة الشطرنج الإقليمية قوى كثيرة، تحاول تحريك

قطع الشطرنج لمصلحتها، ولما بلغ الوهم مداه وصدق اللاعبون أن لهم فرصة في

منطقتنا، ظهر في المشهد لاعب قوي يملك من الثقل الاستراتيجي والمالي

والروحي، ليدعو لمناورات «رعد الشمال» ليرسل بها رسائل واضحة للقريب

والبعيد. مناورات بدا كل ما فيها محسوبًا وَذَا مغزى، من صغير الأشياء إلى كبيرها.

من زجاجة الماء يتسلمها ملك السعودية من يد ولي عهد أبوظبي، إلى عرض

الطائرات المقاتلة، بدت مناورات «رعد الشمال» عملا عسكريا متكاملا يحمل

رسائل سياسية مهمة، أولها بزوغ قيادة إقليمية للمملكة العربية السعودية

بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، قيادة تحظى بقبول واحترام كل المشاركين

في هذا العمل العسكري الضخم، وكان ذلك واضحا في أبهى صورة، ليس في استعراض

القوة، ولا في أزيز الطائرات ودوي المدافع، التي لا تخطئها عين العدو قبل

الصديق، بل في حركة بسيطة كان صانعها هو الفريق أول محمد بن زايد ولي عهد

أبوظبي. ورغم هامشية الحركة في خضم مناورات عسكرية كبرى فإنها حظيت باهتمام

غير مسبوق في إعلام التواصل الاجتماعي، لما بها من رمزيات مكثفة جسّدها محمد

بن زايد، الذي كان لحظتها منهمكا في حديث جانبي مع ملك الأردن، ومع ذلك،

وبعين ثالثة، لاحظ أن الملك يحتاج إلى رشفة ماء، فنهض سريعا ومنحه زجاجة

الماء، حركة تقول شيئًا مهمًا للمراقب البعيد، وأنا كلي ثقة أن هناك الكثير

من المراقبين في المنطقة والعالم، الذين تابعوا هذا العرض بكل تفاصيله، لما

به من رسائل ودلالات لطبيعة التوجه الاستراتيجي الجديد، في منطقة على برميل

بارود، كما يقول المثل الغربي. الحركة كما قال لي صديق غربي، متخصص في

السياسة الدولية، تقول بأن قيادة المملكة ليست فقط مقبولة لدى محمد بن

زايد، بل لا يتردد في أن يظهرها علنا. وأن قيادة الملك سلمان محل قبول وإجماع.

حدث صغير يكشف عن تلك العلاقة الخاصة بين قيادات الخليج، التي يحار الغرباء

في فهمها، إذ رسمت الإطار الأخلاقي العام لتحالف ضخم لمواجهة تحديات

إقليمية كبرى تقليدية وغير تقليدية، وبه من التعقيدات العسكرية (من مشاكل

التنسيق بين القوات والعتاد interoperability) والسياسية التي يتمنى الجميع

أن تكلل بالنجاح في مواجهة تحديات الإرهاب والحروب غير المتكافئة

(asymmetrical warfare) أو الحروب التقليدية (symmetrical).

المناورات العسكرية بالحجم الذي رأيناه فيها تأكيد أيضا على قيمة السعودية

كقيادة للعالم الإسلامي، وأن العالم الإسلامي أيضا يرى في أمن المملكة قيمة

كبرى لا تضاهيها قيمة، فالذود عن

بلاد الحرمين فرض عين، أو هكذا كانت الرسالة.

قدرة المملكة العربية السعودية أن تحشد لهذا العمل الكبير كل هذه الدول،

تكشف عن أن الدبلوماسية السعودية هي دبلوماسية ناجحة تستوعب أهمية المملكة

كمركز للثقل الإقليمي والإسلامي، ثقل يحظى باحترام وقبول معا.

تاريخ الملك سلمان بن عبد العزيز كله لمن يعرفه، يكشف عن قائد ذي رؤية

متكاملة، رؤية عقلانية صارمة لا مجال للأهواء فيها، عندما يكون أمن المملكة

وأمن الخليج والأمن القومي العربي برمته على المحك. بدا الملك سلمان، وكذلك

المملكة، في تلك المناورات محل إجماع عربي وإسلامي كبير.

«رعد الشمال» رغم ضخامتها، فإنها مناورات جاءت ضمن سلسلة من المناورات

الثنائية والجماعية في المنطقة، من المناورات الإسرائيلية التركية في

المتوسط، إلى المناورات الإيرانية المنفردة، إلى المناورات المصرية

الإماراتية (زايد 1)، وكلها مؤشرات على أن المنطقة هي منطقة تحديات كبرى.

الغرب لم يخطئ في رؤيته للمناورات على أن جزءا كبيرا منها كان استعراضا

للقوة، يحمل رسالة مباشرة موجهة في الأساس إلى حالة التغول الإيراني في

المنطقة، وأن العرب ومعهم الكثير من الدول الإسلامية يؤكدون على أهمية وجود

نواة لأي عمل عسكري قد يلوح في الأفق.

كانت هناك شكوك كبيرة، خصوصا في الغرب، عندما طرحت المملكة العربية

السعودية مبادرتها لبناء تحالف إسلامي ضد الإرهاب، ولكن حجم المشاركة وحجم

القوات في هذه المناورات يكشفان عن جدية في بناء هذا التحالف، رغم كل ما

يواجهه من تحديات ضبط التنسيق بين قوات مختلفة ذات عقائد عسكرية مختلة

(different military doctrines) وعتاد عسكري مختلف.

الدور الذي تقوم به المملكة العربية السعودية اليوم بقيادة الملك سلمان،

دور لا غنى عنه (indispensable) لضمان الحد الأدنى من الأمن العربي في

مواجهة تحديات إقليمية كبرى. «رعد الشمال»، عمل عسكري متقن، من زجاجة الماء

إلى اشتباك الطيران في الجو، وهذه بداية إن تبعها تأسيس لهذا التحالف، نكون

في لحظتها نتحدث عن توجه استراتيجي جديد في المنطقة وتدشين قيادة جديدة.

نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط