رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اللهم نسألك رد القضاء

رغم أنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج إلا أن المستشار الحاج أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، آثر أن يجادل ويوقظ فتنة سكنت وهدأت، والحج رحلة إلى الله يغسل فيها العبد ذنوبه ويلقى عن كاهله شغل الدنيا وزخرفها، رحلة لا ينشغل فيها العبد سوى بعبادة الله وطلب المغفرة والتوبة

حتى يعود مبرور الحج مغفور الذنب وهى جائزة لا يمنحها الله إلا لمن رضى عنهم ورضوا عنه.. المستشار أحمد الزند أبى وهو فى رحلة الحج أن يرجم شيطان الفتنة بجمرات الصمت والانتظار حتى يعود إلى أرض الوطن بسلامة الله ويستأنف معركته مع المحامين.. أشعلها ناراً فى مصر وهو فى رحاب مكة المكرمة بتصريحاته الاستفزازية.
>> مشكلة «الزند» أن القضاة من وجهة نظره ليسوا بشراً وإنما ملائكة والشعب يريد قضاة «بشر» وليس مجموعة من كهنة «ماعت» يحترمهم بإجلال لا يصل إلى حد التقديس لأن منهم من يخطئ ومنهم من يصيب.
>> لا إعلام.. لا وقفات احتجاجية للقضاة.. لا خروج على الشرعية، هذه اللاءات هى أول ما صرح به المستشار الزند عقب فوزه برئاسة نادى القضاة عام 2009 وهو من قال إن القضاء ليس محتلاً حتى نطالب بالاستقلال، وقال أيضاً قبيل سقوط نظام مبارك فى ثورة يناير إن الموجودين فى ميدان التحرير ليسوا من القضاة ولا ينتمون إلى القضاء، والقضاء منهم براء، ومن يتابع تصريحاته ومواقفه بعد ثورة يناير لابد أن تصيبه الدهشة. إن الحديث عن أزمة العدالة فى مصر لا يعنى المساس بأصحاب المقام الرفيع ولا توجد مصلحة لأى طرف فى هدم صرح القضاء والانتقاص من هيبته لأن نتائجه خطيرة، وتطال الجميع ولعل أخطرها اهتزاز الثقة فى منصة القضاء، وتصحيح أوضاع العدالة يحتاج إلى قدر من المصارحة والمكاشفة وعلى أهل القضاء أن يكونوا أول المشاركين فى تصحيح أوضاع العدالة وأوضاعهم وصورتهم التى شوهها النظام السابق، حين استخدمهم فى تزوير الانتخابات وحين تعمد الإعلان عن قضايا وانحرافات بعض القضاة، رغم أن العرف السائد كان عدم النشر، حفاظاً على هيبة القضاء، وقانون السلطة القضائية لا يخص القضاة وحدهم لأن آثاره سوف تنعكس على الشعب ومن ثم يجب أن يكون الشعب طرفاً فى إعداده من خلال ممثليه ونوابه، لا ينبغى التعامل مع قانون يمس أداء السلطة الثالث فى الدستور بمبدأ «الخطيفة»، وإذا كان الشعب يرغب فى تعديل الدستور وقوانين انتخاب رئيس الجمهورية ومجلس الشعب فما هو المانع من اشتراكه فى تعديل قانون السلطة القضائية باعتبارها الضلع الثالث فى مثلث الدولة المدنية والمؤسسية ولماذا الخلط بين أشخاص القضاة ومؤسسة القضاء؟ ولماذا بدا الأمر وكأنه لا يعدو أن يكون مجرد مطالب فئوية؟ إن حصانة المحامى فى المحكمة تحقق التوازن المطلوب بين طرفى العدالة، وكما تحمى المحامى من عسف القاضى فإنها تحمى القاضى من نفسه أيضاً، إننى أكرر ما قلته فى مقال سابق منذ ثلاثة أسابيع من أن هناك فرقاً بين استقلال القضاء والاستقلال بالقضاء.
المواطن المصرى بعد ثورة يناير لم يعد يقبل أن يخطئ القاضى ويعاقب بعدم الصلاحية وحسب ويضع ذلك فى خانة التمييز، والمواطن المصرى يستاء من عدم التزام القاضى بقانون المرور ولا يدفع المخالفات ويضرب العدالة والمساواة فى الصميم.. المواطن يشعر بمرارة من انتخابات 2010 التى تم تزويرها فى رعاية القضاء ولم يشأ نادى القضاة أن يتنصل منها، القضاة مواطنون لهم ما لنا وعليهم ما علينا هم جزء من نسيج المجتمع بإنجازاته وانتكاساته.
>> توريث الوظيفة عادة فرعونية قديمة مارسها الفرعون والكاهن والقاضى والموظف.. واستمرت العادة على استحياء فى العصور الحديثة إلى أن أصبحت قاعدة وعرفاً فى عهد مبارك، ونجد البنوك مثلاً تخصص نسبة من التعيينات لأبناء العاملين بها، وفى عيد البترول عام 2008 أعلن المهندس سامح فهمى، وزير البترول الأسبق،

زيادة النسبة المخصصة لتعيين أبناء العاملين بشركات البترول من 15٪ إلى 25٪، وطلب العاملون أن يصدر قرار ملزم بذلك، إلا أنه رفض لمخالفته للدستور والآفة نفسها فى قطاع الشرطة، حيث يلتحق أبناء الضباط بكلية الشرطة حتى ولو كانوا من الحاصلين على المجاميع الضعيفة، وتم تبرير ذلك بالبيئة الشرطية التى يعيش فيها الابن الفاشل دراسياً، وأذكر عندما كنت فى الثانوية العامة أن زميلى التحق بكلية الشرطة بمجموع 51٪، لأن والده لواء بوزارة الداخلية، وهو الآن برتبة عميد ولعلنا جميعاً نتذكر الشاب الذى صدمنا بانتحاره لأن وزارة الاقتصاد رفضت إلحاقه بالعمل كملحق تجارى لضعف مستواه الاجتماعى ولم يشفع له تفوقه الدراسى ونجاحه فى الاختبارات للفوز بالوظيفة، وعدم المساواة والتفرقة تؤدى إلى نتائج خطيرة فى مقدمتها تهديد السلام الاجتماعى وتكريس الكراهية بين أفراد الشعب وضعف مستوى العاملين وما يعكسه ذلك من تراجع الأداء بقطاعات الدولة المختلفة وغياب الرقابة والمحاسبة وانتشار الإدارة العائلية.
والمستشار «الزند» لا يفتأ يستفز الناس حين يصر على توريث وظائف القضاء لأبناء القضاة، قائلاً: «بيئة قانونية + درجة مقبول = وكيل نيابة»، ويريد تقنين هذه المخالفة الدستورية. إن الخطوة الأولى فى إصلاح القضاء هى إلغاء نظام التوريث، وإذا كان الشعب قد ثار وأسقط مبارك رفضاً لتوريث ابنه الحكم فمن باب أولى أن يرفض التوريث فى مجال القضاء.
إن أعظم القضاة فى مصر لم يكونوا من أبناء القضاة وإنما من عائلات بسيطة أو متوسطة، وأتساءل كيف يعجز ابن القاضى عن التفوق فى دراسته القانونية ويفشل فى الحصول على تقدير مرتفع ونتوقع منه أن يتفوق فى تطبيق القانون، حين يعمل بالسلك القضائى. التوريث هو المسئول عن ضعف مستوى بعض القضاة وما يترتب عليه من تضارب فى الأحكام أو خطأ فى تطبيق القانون وبطء الفصل فى القضايا.
يا سيادة المستشار.. يا من تبرأت من زملائك الثائرين فى ميدان التحرير، أن تمنع أحداً من حقه.. ظلم، وأن تساوى بين متفاضلين.. ظلم، وتفرق بين متساويين.. ظلم، وأن ترفع أحداً فوق قدره.. ظلم، وأن تضع أحداً دون قدره.. ظلم. الظلم يثير الحقد ويضعف الانتماء ويزرع الشك، ويقتل الثقة ويقضى على الناجحين، ويستأصل المتفوقين، فكيف يبدأ قاضى المستقبل عمله بالظلم حين يحل محل من يستحق الوظيفة؟!
يا سيادة المستشار.. كنت أنتظر منك موقفاً جريئاً بعد نجاح ثورة يناير، وتعلن اعتذار القضاة للشعب عن تزوير انتخابات 2010 بدلاً من لغة الاستعلاء والوعيد لكل من يختلف معك فى الرأى وتجعلنا ندعو الهمَّ نسألك رد القضاء.