رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بنديكتوس.. والحروب الصليبية الجديدة

الظاهرة الاستعمارية ليست هي نظرية للمؤامرة ولا هي محض خيال أو تبرير فشل أو مداراة تخلف ولكنها نظرية سياسية واقتصادية واجتماعية . وهي نتاج للإحساس بالقوة واستغلال الآخر لإشباع الأطماع الإنسانية والإحساس بالتمايز والتفرد كما أنها على المستوى الإنساني تركيبة نفسية غير سوية لا تتسق مع القيم ولا تعرف الأخلاق.

كما أنها لم تبدأ فقط إبّان سيطرة الإمبراطورية الإسبانية والبرتغالية على العالم خاصة بعد الاكتشافات الجغرافية واكتشاف الأمريكتين واستراليا ولكنها كانت أيام سيطرة دولتي الفرس والروم على كثير من مقدّرات العالم حينذاك وكم عانت منطقتنا وكم عانت مصر الوطن من تلك الظاهرة على مدى التاريخ المصري.

فمن المعروف أن مصر قد أتت عليها اثنتان وخمسون غزوة حربية وثلاث هجرات بشرية. ولكن والحمد لله. كانت مصر دائماً متميزة ومتفردة بخاصية لا يماثلها فيها أحد وهي خاصية صهر المحتل وتفتيت الغازي حتى يصبح مصريّ الهوى والهوية، ولأن مصر قد حباها الله بموقع فريد وبإمكانات طبيعية متعددة لذا كانت دائماً مطمعاً للغزاة وموضع صراعات للإمبراطوريات.. مع العلم أن تلك الظاهرة لم تأخذ شكلاً واحداً دائماً ولكنها تتشكّل وتتلون حسب الواقع وتأثراً بالمتغيرات التاريخية والجغرافية من حيث الشكل والأداة والأسلوب ولكن تظل ظاهرة الاستعمار كما هي من حيث الهدف والمضمون، فمن استعمار استيطاني عسكري مباشر احتلالي إلى استعمار ثقافي يسعى لتغيير الهوية الوطنية الثقافية.

ويعد هذا من أهم مصادر القوى الناعمة إلى ذلك الاستعمار الاقتصادي الذي يسيطر على المقدرات الاقتصادية للأوطان ثم يعيدها مرة أخرى في شكل منح ومعونات؛ وصولاً إلى ذلك الشكل من الاستعمار المبطّن الذي يدّعي الدفاع عن مجموعة قيم نبيلة الهدف تستغل أسوأ استغلال مثل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

ولكن هناك قضية دائماً وأبداً كانت ومازالت موضع استغلال استعماري على مرّ الزمان وهي قضية ما يسمى بحماية الأقليات الدينية؛ تلك الفِرية التي أخذت أبعادها الهائلة منذ أن كانت كنيسة روما تسيطر على أوروبا دينياً وسياسياً فكانت هذه الكنيسة الكاثوليكية هي التي تعطي للبشر صكوك الغفران وتمنح الملوك والسلاطين أبّهة السلطان، وذلك عندما ضعفت تلك الدولة بل قُل الكنيسة اقتصادياً وكادت أوروبا أن تفقد مكانتها.

تحولت أنظار بابا روما عام 1095 إلى تلك المنطقة الهامة جغرافياً والغنية مادياً والتي يوجد بها أكبر أقلية عددية مسيحية في العالم، والأهم هي تلك المنطقة التي كانت مهداً للأديان السماوية وفيها بيت المقدس ذلك المكان المقدس لدى مسيحيي العالم. فكانت الحُجّة المعلنة هي حماية بيت المقدس وحماية الأقلية المسيحية من أيدي المسلمين ورفعت في ذلك ومن أجل ذلك شعار الصليب، وأمر البابا بإطلاق تلك الحملة من مدينة كليرمونت Clermont في اتجاه بيت المقدس لاحتلال المنطقة استعمارياً بكل ما تعني الكلمة وباسم الصليب وبحجة حماية المسيحيين والأماكن المسيحية.

ومع ذلك دحرت الحملة على مدى سنوات ولم تحم الحملة المسيحيين ولم تكن تقصد ذلك، بل مَن تصدّي للحملة هم أصحاب المنطقة من العرب مسيحيين ومسلمين، وظلت آثار تلك الحملة الصليبية حتى الآن من حيث أنها رمز لكل من يرفع شعاراً دينياً لاستغلاله لهدف سياسي استعماري، كما ظلت تلك الحملة قابعة في الضمير الجمعي العربي عنواناً لتلك الهجمة الاستعمارية الغربية التي مازالت تتكرر في أشكال متعددة وبطرق متباينة، كما أنها قابعة في الضمير الغربي المسيحي إسماً والاستعماري مضموناً.

وهنا لا ننسى بوش الابن، وبعد أحداث سبتمبر 2001 بوقت قليل عندما أعلن أنها حرب صليبية وكان بعدها احتلال أفغانستان وتفتيت العراق، وفي هذا الإطار لم تسلم مصر على مدى التاريخ من تلك الحملات، والأهم هنا هو استغلال تلك الورقة القديمة الحديثة وهي "ورقة الأقلية الدينية" وما يسمى بمشكلة الأقباط، فقد بدأ استغلال تلك الورقة منذ مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر، وحاولت الحملة استمالة بعض الأقباط الذين تعاونوا مع الحملة في مواجهة المصريين بحجة مواجهة الاستعمار العثماني في ذلك الوقت.

ثم كان الاستعمار الإنجليزي والذي استغل تلك الورقة بصورة أكبر وأعم حتى كان مبدأ فرق تسد وقد ظهر هذا التدخل الإنجليزي من خلال تلك الورقة في تصريح 28 فبراير 1922 والذي كان أهم بنوده وأحدها حماية الأقلية الدينية، ومازلنا حتى الآن نعيش تلك المشكلة ويتم ممارسة تلك اللعبة وأن تغيرت الأدوات وتبدلت الأساليب ما بين مخطط صهيوني معلن 1979 بتفتيت المنطقة على اسس طائفية باستغلال الأقليات الددينية بمختلف مسمياتها. إلى تلك المصالح الاستعمارية الأمريكية المتحالفة مع الصهيونية والتي مازالت تستغل تلك الورقة، وقانون الحماية الدينية الصادر من الكونجرس الأمريكي والذي يحمل ست عشرة عقوبة ضد الدول التي تضطهد الأقليات الدينية. وتلك التقارير المغلوطة من عملاء أمريكا في مصر وخارجها الذين يعملون على تنفيذ تلك الأجندة الأمريكية وتقرير الخارجية الأمريكية نصف السنوي في هذا الإطار ليس ببعيد، والتدخل هنا يتم من خلال استغلال مشاكل الأقباط والتمييز الذي يقع ضدهم نتيجة لتراكم تاريخي من الاضطهاد الذي كان يقع عليهم من بعض الأنظمة الحاكمة على مدار التاريخ ونتيجة لتراكم اجتماعي وثقافي

فيه خلل جسيم ونتيجة لعدم تفعيل ما يسمى بالمواطنة والحقوق المتساوية لكل المصريين والأهم هو استغلال الحوادث والأحداث التي تقع بين مصريين يدينون بالإسلام ومصريين يدينون بالمسيحية ويتم تحويل تلك المشاكل إلى مشاكل طائفية وتأخذ أبعاداً طائفية وتحل على أرضية طائفية، الشيء الذي يكرس ويؤكد ويصعد المناخ الطائفي بين المصريين وذلك لتأكيد أن هناك اضطهاداً وليست مشاكل حتى يمكن تبرير وطلب التدخل الأجنبي حسب الأجندة الأمريكية. وأكبر دليل على ذلك هو استغلال حادثة الإسكندرية التي تمت أول ساعات الأول من يناير 2011 تلك الحادثة الإرهابية الحقيرة وغير الإنسانية والتي تمت على أرضية طائفية حيث استهدفت الأقباط من حيث الزمان ليلة رأس السنة الميلادية وحددت المكان إحدى الكنائس بالإسكندرية والتي سبق لها أن شهدت أحداثاً  طائفية وحتى تكون تلك الحادثة شرارة لإطلاق فتنة حقيقية وإن كانت نتائج تلك الحادثة وأهدافها الكبرى هو المساس بأمن مصر القومي الذي لا يفرق بين مصري وآخر. وهنا فقد انطلقت تلك الحملة المسعورة نحو الهدف التاريخي للغرب عامة وهو التحجج بحماية الأقلية الدينية (الأقباط)، فعلى غير العادة فلم يكن التحرك هذه المرة من طرف أمريكا وخارجيتها فقط، ولكن أضيف له الاتحاد الأوروبي وإيطاليا وفرنسا والأهم هو تدخل البابا بنديكتوس بابا الفاتيكان وقد سبق هذا التدخل والإدعاء بحماية الأقباط في مصر عقد سيمنار للكرادلة الكاثوليك لمناقشة وحماية المسيحيين في الشرق الأوسط. فما نقول: لاشك أن هناك مشاكل تصل إلى حد الاقتلاع للأقلية المسيحية خاصة في العراق والقدس وهنا فالهدف معروف، فالعراق ما يتم هو ما كانت تهدف إليه أمريكا من احتلال العراق وتفتيته إلى ثلاث دول لا يجد فيها وبينها المسيحي نفسه ناهيك عن ممارسات القاعدة الإرهابية ضدهم. أما مسيحيو القدس فالدور الصهيوني في اجتثاثهم وغيرهم من الأرض فهذه خطة صهيونية معلنة ومطبقة على أرض الواقع ولا نعلم دور أمريكا وفرنسا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي والبابا في هذا الإطار، أما مصر يا سادة: فالأقباط لم يصل بهم الأمر إلى حد الاضطهاد كما تزعمون، كما أنهم لا ولن يحتاجوا إلى تدخل من أحد. فالتدخل على مدى التاريخ أثبت العكس وزاد المشاكل وفاقمها وعقدها، حيث إن مشاكل الأقباط لها خصوصية مصرية فهي مشاكل لمصريين وعلى أرض مصرية ولا ولن تحل بعيداً عن هذه الأرض ولا من طريق غير طريق جميع المصريين وغير ذلك وتدخلكم سيزيد المشاكل اشتعالاً، فعلى بابا روما ألا يتدخل فلن تكون هناك كليرمونت أخرى ولن نقبل نحن المصريين والمسيحيين حروباً صليبية من أي نوع ولا بأي شكل. ونحن في القرن الحادي والعشرين ولسنا في القرن الحادي عشر، وإذا كانت أمريكا تسير وبسرعة في إحداث فوضاها الهدامة باحتلال العراق وأفغانستان وتفتيت السودان والصومال ولبنان واليمن، نقول لن تنالوا من مصر شيئاً ولن تكون شرارة تلك الفوضى هي الطائفية إن شاء الله، ولذلك ولذا على كل المصريين على كل المستويات العمل والعمل فوراً وبأقصى سرعة على حل المشاكل والقضاء على التمييز بكل صوره وأشكاله وتفعيل الديمقراطية والمواطنة والمساواة بين كل المصريين والعمل على المشاركة في اتخاذ القرار والقضاء على الفساد والمحسوبية حتى تصبح مصر لكل المصريين وحتى نرد الخنجر إلى صدر المستغلين ومتاجري الحروب وبقايا الاستعمار.

نقلاً عن مجلة المصور الصادرة بتاريخ 20-1-2011