رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

البرادعي.. جوكر الأوراق الأمريكية

لم تتعرض شخصية سياسية للهجوم من كافة الأطياف السياسية أكثر من الدكتور محمد البرادعي.. ولكنه هجوم موسمي مبني علي تكتيكات الموقف.. وسرعان ما ينتهي إلي تأييد أو مديح من جانب من هاجموه.. لكن «البرادعي» نفسه كان ينفض عن نفسه هذا الهجوم ليبدأ مهمة سياسية جديدة في وقت معين..

فالبرادعي أو كما يحلو لأنصاره أن يسموه «البوب» لعب أدوارًا عدة، أنه يظهر فجأة ليملأ فراغاً ما مثل جوكر الكوتشينة.. إنه ضمير الثورة في أواخر عهد المخلوع الأول مبارك، والمبشر بالتغيير.. ثم يتحول دوره إلي تأسيس حزب معارض ليبرالي يضم تحت لوائه كثير من الثوريين الذين يعانون من التشرذم في ظل حياة حزبية أنهكها فترة الدولة البوليسية بقيادة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وجهاز أمن الدول المتغلغل في العمل العام، ثم يلعب البوب أخيرا دوراً تنفيذياً في الحكومة المؤقتة ليسد فراغ التعامل مع العالم الخارجي بعد سقوط حكم الإخوان.. كل ذلك وسط إصراره الذكي علي أنه لا يسعي إلي السلطة أو علي الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فالبوب الجوكر يدرك جيداً المواقع الفارغة التي يستطيع أن يشغلها لعدم وجود أوراق بديلة علي منضدة اللعبة السياسية، وهو يعلم أنه لم يحن الوقت ليشغل أماكن فارغة أهم، وأنه لم يتمكن من التسلل إلي قلوب المصريين لأنه بالنسبة لهم مازال طيرا مهاجرا عاد بعد رحلة طويلة من اللعب مع اللاعبين الكبار، أو الدول الكبري وعلي رأسها أمريكا وحلفائها.. واقترب خلالها كثيراً من لعبة تقسيم النفوذ وتدمير الأمم من خلال موقعه رئيساً لهيئة الطاقة الذرية العالمية المؤثرة علي عديد من قرارات مجلس الأمن المهمة الخاصة بالصراعات الدولية..و يشيع أعداء البوب أنه كان سبباً في العدوان الدولي علي عراق صدام، ويؤكد أصدقائه أنه رفض في لحظة ما الخضوع لنزوات أمريكا بإدانة صدام بتهمة امتلاك أسلحة دمار شامل، مما تسبب في غضبة أمريكية أدت لاستبعاده من منصبه، ليعود إلي مصر، ولكن ما بين رأي أعداء البوب وأصدقائه، هل توجد مساحات أخرى من التفكير، وهل يمكن أن يكون انتهي دوره في أزمات أسلحة الدمار الشامل، ليبدأ دوراً جديداً ومهمة جديدة في مصر.
الحقيقة أن مواقف البرادعي تفرض في حد ذاتها بعض الغموض علي أجندته، فهناك غيابه المتكرر عن المشهد السياسي وسفره إلي الخارج في أوقات الأزمات السياسية، وهناك تصريحاته التي تنطوي علي خطوط عريضة للديمقراطية والاستقرار وبناء الدولة دون الدخول في مأزق محاسبة الآخرين علي دورهم المشبوه سواء خارجياً أو داخلياً، لقد تجنب البرادعي الدخول في مواجهة مع إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما اللاعب الأكبر ، رغم أخطائها المتكررة والمتعددة، وهي المواقف التي اعتبرها غالبية الشعب المصري عدائية لأنها تتضمن تأييداً سافراً لفصيل معين يضم بين أطيافه إرهابيين دوليين وقتلة الرئيس الراحل أنور السادات، أو متورطين في جرائم إرهابية دولية مثل تنظيم القاعدة المتهم بتدبير هجوم 11 سبتمبر علي برجي التجارة في نيويورك.
لم يظهر البرادعي استياء ما من

الموقف الأمريكي، ولم يعترض علي تشجيع الأمريكيين للإخوان علي رعاية العمليات الإرهابية في سيناء ضمن مخطط لفصلها عن مصر وتحويلها إلي إمارة حماسية لتصبح وطناً بديلاً للفلسطينيين، لم نسمع البرادعي يوماً يعترض علي ذلك المخطط الذي يخدم إسرائيل، العدو الاستراتيجي لمصر والعرب جميعاً.
لقد تجاهل البرادعي إدانة كثير من جرائم الإخوان، التي تخدم المخططات الأمريكية والإسرائيلية، واكتفي بنقد القشور من التصرفات الإخوانية.. فنتج عن ذلك تزايد المسافات بينه وبين اقتناع الشعب المصري به.. وأخيراً خرج «البرادعي» علي الناس بتصريحات صادمة تطالب بالإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي، إنه يطالب بمكافأة الإخوان علي جرائمهم في شوارع مصر بحجة إيجاد حل سياسي.. رغم أن الحل السياسي لا يمكن أن يقوم علي مكافأة من خالف القانون والدستور والأعراف، فهذا يشجع علي مزيد من الجرائم، والمزيد من الابتزاز.
لكن الحل الذى يطرحه البرادعي تتناغم مع رغبة الأمريكيين في عدم إبعاد الإخوان حلفائهم الاستراتيجيين عن المشهد السياسي، أملاً في استكمال المخططات التي تخدم إسرائيل بعد أن حلمت واشنطن بحل القضية الفلسطينية علي حساب أرض مصرية. استشهد من أجلها أكثر من ربع مليون جندي مصري في عدة حروب ضد الاحتلال الإسرائيلي، فهل ينجح الجوكر في لعب هذا الدور الذي لن يرضي أن يلعبه ليبرالى آخر .. كل ذلك يلقي مزيداً من الغموض علي دور البوب.. وبالمناسبة أتذكر جملة قالها نائب الرئيس الراحل عمر سليمان ورئيس المخابرات السابق في حوار له مع قناة «إيه بي سي» الأمريكية في فبراير 2011 عندما سألته المذيعة عن البرادعي وما إذا كان طلب التحاور معه ضمن فصائل المعارضة ومن بينهم الإخوان؟.. فقال بالحرف الواحد: البرادعي ليس من المعارضة، لكن له مجموعته الخاصة المتصلة بالإخوان المسلمين، لكن الإخوان طلبوا مني الاتصال المباشر بهم.
فهل كان الثعلب الراحل يعلم شيئاً لا نعلمه، وحاول أن يلمح له دون أن يفشي أسراراً من صندوقه الأسود الذي رحل معه إلي الأبد.. الله أعلم.